لقد أخذ العالم المسيحى الرهبنة فصارت مسكونية وتكونت المراكز الرهبانية فى كل الكنائس شرقاً وغرباً وشيدت الأديرة وانتشرت النسكيات، وأصبح هناك الآلاف من الرهبان والراهبات وبرز آباء كثيرون فى كتاباتهم وتعاليمهم وأقوالهم وقدمت الرهبنة كل خدماتها للكنيسة ووضعت كل إمكانياتها لتدعيمها ونموها. من ينظر إلى الرهبنة فى كل أنحاء العالم وكنائسها لابد أن ينحنى أمام القديس العظيم الأنبا أنطونيوس الذى ينتمى إليه كل رهبان العالم عبر كل الأزمنة والقرون. - رغم اختلاف الكنائس شرقاً وغرباً منذ عام 451م وحتى الآن فى موضوعات لاهوتية وعقائدية فإنها تعترف بالقديس الأنبا أنطونيوس الكبير وترتبط وتلتزم بالرهبنة لأنها العمل الإلهى داخل الكنيسة وفعل الله فيها. لقد انتقلت الرهبنة إلى كل أرجاء العالم من خلال: 1 - سيرة القديس الأنبا أنطونيوس الكبير التى كتبها القديس البابا أثناسيوس الرسولى العشرون بناء على طلب رهبان من إيطاليا وفرنسا، عرفوا القديس أثناسيوس أثناء فترة نفيه هناك بعد نياحة القديس أنطونيوس بسنة تقريباًِ أى عام 357. 2 - الكتب التى كتبها النساك والرحالة الأجانب الذين زاروا مصر وبعض الآباء الرهبان الذين جاءوا إلى مصر وعاشوا فى البرية زماناً ثم عادوا إلى بلادهم وأسسوا الرهبنة فيها وأيضا الآباء الرهبان المصريون الذين ذهبوا إلى أوروبا للخدمة والكرازة، وكذلك إلى كل أنحاء العالم. لا شك أن محبة قداسة البابا شنودة الثالث للرهبنة ومبادئها الروحية والنسكية والتى اختبرها بعمق عندما سار فى دروب البرية وعاش فى مغاير القديسين. ساهمت فى تشكيل وجدانه وفكره النسكى من أقوال الآباء القديسين وفى قصص واختبارات من حياتهم المقدسة. - يوحنا كاسيان عندما زار برية مصر قال إن المسافر من الإسكندرية إلى طيبة «الأقصر» لم يكن صوت التسبيح والألحان والصلوات ينقطع من أذنيه طوال الطريق لكثرة الأديرة والقلالى والمقارات المنتشرة فى كل مكان فى البرية يسكنها هؤلاء القديسون الذين أحبوا الوحدة وعاشوا كملائكة على الأرض. - إن الحياة الرهبانية التى يشهدها العالم فى برارى مصر فى القرنين الرابع والخامس كانت كأنها حلم نسمع الآن عنها وكأنها قصة. - إنه منظر عجيب حقاً أن ترى ملائكة نازلة من السماء إلى الأرض ولكن الأعجب الكبير أن هؤلاء الصاعدين كالملائكة لهم أجساد مادية وقد سكنوا فى هذا العالم فى وسط شهواته، هم بشر تحت الآلام مثلنا.. ولكنهم عاشوا صورة الله ومثاله.. دخلوا النار كالفتية الثلاثة ولم يحترقوا.. إنهم الآباء الرهبان. - لمحة قصيرة عن حياة مؤسس الرهبنة القديس العظيم الأنبا أنطونيوس. - ولد الأنبا أنطونيوس ببلدة قمن العروس محافظة بنى سويف. - لما توفى والده داخل إليه وتأمل وبعد تفكير عميق قال: تبارك اسم الله أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شىء البتة سوى توقف هذا النفس الضعيف. فأين هى همتك وعزيمتك وأمرك وسطوتك العظيمة وجمعك المال، إنى أرى الجميع قد بطل وتركته، فيالهذه الحسرة العظيمة والخسارة الجسيمة. - ونظر إلى والده الميت وقال: إن كنت أنت خرجت من هذا العالم بغير اختيارك، أما أنا فسأخرج من العالم بإرادتى. - ثم قام ودفن أباه وبعد ستة أشهر ترك العالم كله وذهب إلى البرية وكان هذا بصوت من الله حينما سمع الصوت: إن أردت أن تتبعنى فاذهب وبع كل ما تمتلك ووزعه على الفقراء والمساكين وتعال اتبعنى. فقام الأنبا أنطونيوس على التو وباع كل ما كان يمتلك ووزعه على الفقراء والمساكين ثم خرج إلى البرية، وكان أول راهب يخرج إلى البرية.