اتهامات للتجار وترقب مستمر| لانخفاضات أكبر في الأسعار.. ركود «المستعمل».. و«الزبون» حائر    30 دقيقة تأخير في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الترجي التونسي في نهائي دوري أبطال إفريقيا    طائرات الاحتلال تطلق نيرانها باتجاه مخيم جباليا شمال قطاع غزة    عاجل.. مانشستر يونايتد يحسم مصير تين هاج    تير شتيجن ينفي تورطه في إقالة تشافي من منصبه    البحوث الفلكية يكشف موعد عيد الأضحى المبارك    موجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس الأحد والاثنين    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضًا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    انطلاق فعاليات النسخة السادسة من معرض «Big 5 Construct Egypt» بمشاركة أكثر من 300 شركة محلية وعالمية    وليد جاب الله: الدولة نجحت في السيطرة على التضخم ودعم قوة العملة المحلية    وليد جاب الله: الحرب جزء من الاقتصاد وليس العكس    عايز يرد الجميل، قرار عاجل من الترجي تجاه جماهيره قبل مواجهة الأهلي بالنهائي الإفريقي    عاجل.. ألمانيا تهدد باعتقال نتنياهو وتعليق مفاجئ من واشنطن.. خسائر إسرائيل الكبرى    ليست الفضيحة الأولى.. «الشاباك» الإسرائيلي أخطأ مرتين في نشر صورة إعلامي مصري    عيد الأضحى 2024 الأحد أم الاثنين؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    «دكّ معاقل الاحتلال».. فصائل عراقية تعلن قصف «أهداف حيوية» في إيلات بإسرائيل    من النهر إلى البحر، مفاجأة سارة لفلسطيني بعد ختم جواز سفره بمطار مدريد (صورة)    عيار 21 ينخفض الآن.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم بالصاغة بعد تثبيت الفائدة    شاهد عيان يروى تفاصيل انهيار عقار الباب الجديد بالإسكندرية (فيديو)    حظك اليوم| برج القوس 25 مايو.. تأثير في الحياة العاطفية والاجتماعية    تعرف على خطوات تركيب محطة طاقة شمسية أعلى أسطح المنازل    مصرع طفل صدمته سيارة مسرعة في الخصوص بالقليوبية    الغش ممنوع.. التعليم توجه رسالة لطلاب الدبلومات الفنية    ملف مصراوي.. خطة كولر لنهائي أفريقيا.. وتحذير الترجي لجماهيره    شيماء سيف تكشف تفاصيل خسارتها 50 كيلو من وزنها    أنا متزوجة ووقعت في ذنب كبير.. متصلة تفاجئ أمين الفتوى    أنهى حياة 3 سيدات.. القبض على "سفاح التجمع"    أول لقاح للهربس متاح في مصر| تفاصيل    الصحة العالمية: تسليم شحنة من أحدث لقاح للملاريا إلى أفريقيا الوسطى    فوائد صحية غير متوقعة لنقع الأرز في الماء 4 ساعات قبل الطهي    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني بالاسم والرقم القومي    وليد جاب الله ل"الشاهد": الحرب تخلق رواجًا اقتصاديًا لشركات السلاح    مخرج "رفعت عيني للسما" عن جائزة العين الذهبية بمهرجان كان: السر في الصعيد والفيلم لمس مع الناس    إصابة . في حادث انقلاب أتوبيس علي طريق السخنه بالسويس    المدارس المصرية اليابانية تعلن بدء التواصل مع أولياء الأمور لتحديد موعد المقابلات الشخصية    ميلان يختتم مشواره فى الدوري الإيطالي أمام ساليرنيتانا الليلة    وزيرة الثقافة تهنئ فريق عمل رفعت عينى للسماء ببعد فوزه بالعين الذهبية فى مهرجان كان    حلقة أحمد العوضى مع عمرو الليثى على قناة الحياة تتصدر ترند تويتر    احذروا كتائب السوشيال.. محمد الصاوي يوجه رسالة لجمهوره    «بيعاني نفسيا».. تعليق ناري من إسماعيل يوسف على تصريحات الشناوي    محمد إمام يوجه رسالة ل علاء مرسي بمناسبة زواج ابنته    وزير الخارجية الأمريكي يعلن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لكييف    ضياء رشوان: الاعتراف بالدولة الفلسطينية دون مفاوضات نموذج طرحته مصر وبدأ يجتاح العالم    عمرو أديب عن نهائي دوري أبطال إفريقيا: عاوزين الأهلي يكمل دستة الجاتوه    تعرف على أدوار القديس فرنسيس في الرهبانيات    جيرونا ينهي موسمه باكتساح غرناطة.. وصراع مشتعل على الهداف    تعرف على سعر السكر والأرز والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 25 مايو 2024    مؤسس طب الحالات الحرجة: أسعار الخدمات في المستشفيات الخاصة ارتفعت 500% ولا توجد شفقة    تكوين: لن نخوض مناظرات عقائدية تخص أي ديانة فهذا ليس في صميم أهدافنا    أبو بكر القاضي: قانون"تأجير المستشفيات" يُهدد استقرار الاطقم الطبية    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الوضع الكارثى بكليات الحقوق «2»    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن الخميسى: القديس
نشر في اليوم السابع يوم 06 - 07 - 2009

زعيم الصعاليك كان، وكان عبد الرحمن الخميسى أشهر من تصعلك فى مصر من الكبار سائراً على درب أقرانه من أبناء أمراء أكبر القبائل العربية، حيث كان الشعر هو حضارة العرب، فمنذ نشأة الشعر العربى كان لكل قبيلة كبيرة شعراؤها الرسميون الذين يعلون صوت قبيلتهم فى معلقاتهم، لكنه كان قد قابل هذا الصوت الرسمى للشعراء الرسميين صوت آخر، فعلى الرغم من شيوع "صوت القبيلة" فى الشعر العربى الجاهلى، الذى يمثل نتاج الشعراء المعروفين، كما تبدو فى المعلقات، صوت فردى ثائر، ظل مسكوتاً عنه، هو صوت" شعراء الصعاليك"، حيث أتيحت الفرصة لصوت الشاعر الفرد الصعلوك أن يظهر ويعلو، كاشفا عن تمرد صاحبه وثورته وانقلابه على تقاليد وأعراف القبيلة، فيرتحلون عن ديارهم متصعلكين فى أرض الله الواسعة رافعين رايات التمرد والثورة محتكمين إلى سيوفهم وشجاعتهم تاركين عيالهم وديارهم وامتيازاتهم الطبقية خلف ظهورهم، حيث قال قائلهم: "خاطر بنفسك كى تصيب غنيمة إن القعود مع العيال قبيح".
تلألأ نجم "الخميسى" شاعرا من شعراء الرومانسية ومدرسة أبوللو بروادها الكبار : على محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجى وغيرهم من كبار شعراء مصر. كتب الخميسى القصة القصيرة والرواية والمسرحية والموسيقى وعمل بالصحافة وكون فرقة مسرحية وألف وأخرج لها المسرحيات وأخرج أفلام السينما وقدم نجوما مثل سعاد حسنى ومهد الطريق لكتاب أصبحوا كبارا بعد ذلك مثل يوسف إدريس، وقام بتعريب الأوبريتات وكتابتها، فقدم أولا "الأرملة الطروب" عام 1961 التى وضع موسيقاها الموسيقار المجرى فرانز ليهار عام 1905 وعرضت فى نفس العام فى فيينا، وهى من تأليف فيكتور ليون وليوشتين، وتمكن الخميسى مع الالتزام بالترجمة الشعرية الدقيقة للنص الأصلى من اختيار وضبط الكلمات العربية شعرا على مقياس الوحدات الموسيقية والألحان الأصلية التى وضعها فرانز ليهار، وقدم تجربة ثانية مماثلة من تعريبه أيضا هى أوبريت "حياة فنان" تأليف الموسيقار الإنجليزى إيفون نوفيللو، وكان اسمها الأصلى "السنوات المرحة" وتم عرضها بدار الأوبرا فى مطلع شهر ديسمبر عام 1970، وكلفت وزارة الثقافة المخرج النمساوى تونى نيسنر الذى أخرج من قبل "الأرملة الطروب" بإخراجها.
وقدم للمسرح الغنائى من تأليفه أوبريت "مهر العروسة" عن تأميم قناة وخاض غمار كتابة أوبريت جديدة هى "عيد الحبايب"، كما خطط لكتابة أوبريت مشترك مع الشاعر التركى العالمى ناظم حكمت عن تاريخ كفاح الشعب المصرى، وذلك عندما التقى الفنانان فى مؤتمر لكتاب آسيا وأفريقيا فى القاهرة فى فبراير 1962، لكن الظروف الشخصية للشاعرين حالت دون تحقيق ذلك الحلم.
قابلته لأول مرة فى حياتى فى بغداد، عندما كان رئيس العراق هو أحمد حسن البكر وكان نائبه صدام حسين هو الذى يسيطر فعليا على الحكم، وكنت أعمل محررا فى جريدة الجمهورية العراقية، وكانت بغداد تتطلع آنذاك لأن تكون مركز المعارضة العربية لنظام أنور السادات، حيث اجتذبت عددًا كبيرًا من المثقفين الذين خرجوا تباعا من مصر، وهكذا انضم الخميسى إلى كتّاب صحيفة "الثورة" العراقية مع أحمد عباس صالح وأمير إسكندر وسعد زغلول فؤاد ونبيل زكى وفتحى خليل وغيرهم، لكنه سرعان ما وقع فى خلاف مع النظام العراقى، وتفاقمت الأمور حين لم يجد مانعا يمنعه من أن يبيع سيارة أمريكية فارهة كان الرئيس صدام حسين قد أهداها له شخصيا، ويروى يوسف الشريف أن الخميسى جهز نفسه للسفر فى سرية بالغة، وبعد أن أصبح على وشك الرحيل أمسك بالتليفون - قبل نصف الساعة الأخيرة على إقلاع الطائرة - وأدار القرص طالبًا رقم الهاتف المباشر لوزير الإعلام طارق عزيز، وكانت عائشة ابنة الخميسى فى ذهول وهى تسمع أباها يكيل لطارق عزيز مختلف ألوان الشتائم بصوته الهادر، ويصب لعناته على النظام العراقى، ولم يجد النظام العراقى فرصة للانتقام منه إلا فى ابنته "عائشة" التى اعتقلت لمدة شهرين كاملين قضتهما فى الحجز مع المتهمات جنائيا.
ورحل إلى موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتى آنذاك، حيث عاش سنوات حياته الأخيرة وقد عاش فى البداية فى شقة صغيرة وعمل بدار التقدم السوفييتية التى كانت تترجم عيون الأدب الروسى إلى العربية، وفى موسكو أصبح بمنزلة المواطن العربى الأول، وقد أصبح معروفًا فى المجتمعات السوفييتية والمجتمعات الشرقية المتحالفة مع السوفييت بفضل صوره المطبوعة على أغلفة دواوينه الشعرية، وتلك التى كانت تنشرها الصحف، وظهوره على شاشة التلفزيون فى المناسبات، خاصة بعد اختياره رئيسًا للجنة التحكيم فى جائزة كتّاب آسيا وأفريقيا، وقد منح الخميسى وسام لينين للسلام عام 1981، وهو أعلى وسام فى الاتحاد السوفييتى، وأقيم حفل كبير فى موسكو بهذه المناسبة، ثم تكرر الاحتفال به عربيًا فى بيروت، وألقى ياسر عرفات فى الحفل العربى كلمة أشاد فيها بدور الخميسى.
كنت أنا قد رحلت عن بغداد إلى بيروت فقابلت "الأستاذ" للمرة الثانية عندما دعاه الشاعر الفلسطينى الكبير معين بسيسو على العشاء فى بيته، وكنت أنا والصديق فاروق القاضى مدعوين على شرف الخميسى، وفاروق القاضى هو نفسه أحمد الأزهرى المصرى الذى التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وكان مستشارا سياسيا ومديرا لمكتب ياسر عرفات، وعندما أعلنت السيدة صهبا البربرى أو "أم توفيق" زوجة معين بسيسو عن جاهزية العشاء من طواجن السمك وأنواع الجمبرى، ففتح الخميسى لفة كان يحملها تحت إبطه وأخرج منها "عرق بسطرمة" و"إصبع سجق" كان قد حملها معه من موسكو، وراح يقطع منها ويطلب منا الأكل منها، ورأيت ابتسامة على وجه "معين" صاحب البيت والدعوة، وهو يشرح لنا تصرف الخميسى الذى لا يريد أن يأكل لقمة واحدة على نفقة أى أحد، إلا ما يكسبه هو بمجهوده وعمله، فعندما كان غيره من الكتاب و"المناضلين" المصريين يحصلون على الأموال من الأنظمة العربية بدعوى دعم "نضالهم" و"صمودهم"، فقد كنا فى مرحلة "الصمود والتصدى"، وكانت القاعدة أن "أنظمة الصمود والتصدي" تدفع كثيرا لبعض "المناضلين"، لكن الخميسى لم يكن ضمن هذه القاعدة فقد عاش عمره يأكل من مجهوده وعمله.
وعلى المستوى الشخصى عاش الخميسى حياة الصعلكة وكثرة الزواج، وقد ظل يعانى من عدم الاستقرار فى كل شيء حتى فى سكنه، وكان كاتبا كبيرا وشاعرا مغامرا ومناضلا حقيقيا يعرفه أصدقاؤه ومحبوه باسم "القديس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.