يعتقد الكثيرون أن عامين ونصف من عمر الوطن قد تم إهدارهما، غير أن تلك الفترة حملت دروسًا للجميع من خلال تجربة عاشها المجتمع المصرى لأول مرة وأخطأ فيها الجميع، واليوم تشرق شمس غد جديد لوطن لا يبحث عن الإقصاء أو الفرقة، لوطن تصالح مع كل مؤسساته واحتضنها وبدأ معها صفحة جديدة، غير أنه لا بد وأن نتوقف مرارًا عن أخطاء العامين ونصف لنضمن عدم تكرارها وأن الجميع قد استوعب الدرس الذى لا أظنه الأخير لوطن يعيش تجربة جديدة ولكنى أعتقد أنه كان أصعب وأهم درس. وقد بدأت الثورة أولى أخطائها عندما قسمت المجتمع لثوريين وفلول، لتنفر عنها من كان قد بدأ الإيمان بها يتسلل إلى قلبه وتغلق الباب فى وجهه، ثم لتعلو روح انتقامية تسبح فى بحر من الشائعات التى كانت تطلق عن كل معارض للثورة أو حتى معارض سابق لها اتهم بالنفاق لأنه تحول لمؤمن بها، لتحكم بذلك حكمًا أبديًا عليهم، وكأنما القناعات لا يمكن لها أن تتغير، دون أن يتذكروا أن أعظم ثورة فى تاريخ البشرية وهى ثورة الإسلام، يوم انتصارها بفتح مكة بحثت عن العفو والصفح ووحدة الصف فهزمت معارضيها بأخلاقها. لم يقل المسلمون عن أبو سفيان بأنه "فلول"، ذلك الرجل الذى حارب المسلمين وقتل منهم من قتل وعذب من عذب والذى لم يسلم سوى قبيل فتح مكة، لم يقولوا عنه منافق، بل منحه الإسلام فرصة أن يصلح نفسه ويقومها ليكون بعد ذلك من المجاهدين فى سبيل الله. لا أقف أبدًا أمام أن يحاسب المخطئ ولكنى أقف أمام أن يوصد الباب عليه ويعزل عن المجتمع ولا يمنح فرصة ثانية على الأقل ليكفر عن ما ارتكبه، والأسوأ من ذلك عندما يكون ذلك الشخص غير مخطئ بالأساس، فنحن اليوم وإن كنا نتحدث عن مرحلة مقبلة لن يقصى بها أى تيار بمن فى ذلك الإخوان، فإننا نفترض وجود عقلاء بينهم ونرفض أن نلقى بتاريخ الجماعة كاملا من أجل أفراد أساءوا استخدام السلطة لأى سبب كان، فلا يجب حينها أن نعود لنقول أن كل أفراد الحزب الوطنى فاسدون، كما لا يجب أن نصدق كل كلمة تقال عنهم أو عن الإخوان أو غيرهم يلقى بها على صفحات التواصل الاجتماعى تلك الساحة التى أصبحت تمتلئ بالأكاذيب وكل يقوم بنشر ما يأتى على هواه. أختتم قولى بأن الطغاة يصنعهم الشعوب، والفساد يصنعه الحكومات، ويضمن استمراره الشعب، فإن استيقظ الشعب اليوم لإزالة فساد ساهم هو بصمته أو فعله فى وجوده، فالأولى بالشعب حينئذ أن يعى أنه كان شريكًا فى الفساد بشكل أو بآخر وأنه بصحوته قد منح نفسه الفرصة، وأن من بين الفاسدين هؤلاء من يستحق الفرصة، فإما العفو وإما الحساب ثم يستقيم المنزل فيعود بعدها ليكون مثله مثل أى فرد فى الشعب، فإن أغلقنا باب التوبة والعفو عليهم واستثنيناهم من الوطن، حينها نكون حقًا هزمنا الثورة وحولناها إلى دكتاتورية أخرى.