مثلما كان الشغف الإعلامى كبيراً قبل إلقاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما خطابه إلى العالم الإسلامى فى جامعة القاهرة، فإن الصحف العالمية نشرت عشرات التحليلات والآراء حول هذا الخطاب، أجمعت معظمها على أنه خطاب جرىء يحمل رؤية، وإن كانت هناك تحذيرات بأنه يظل مجرد كلام، وتبقى الحاجة إلى الأفعال. صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تناولت الخطاب بالتحليل، وقالت إن الرئيس الأمريكى أكد على القيم الأمريكية، لكنه استخدم لغة جديدة لرفع المظالم التى كانت تثير جدلاً كبيراً. ورأت الصحيفة أن أبرز ما فى الخطاب عدم استخدام مصطلح "الإرهاب" أو "الإرهابيين" أو حتى "المتطرفين الذين يتبنون العنف"، وهو ما جعله يبدو مختلفاً تماماً عن إدارة سابقه جورج بوش، وكذلك كان بارزاً التأكيد على معاناة الفلسطينيين من الاحتلال وقوله إن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، والاقتباس من القرآن الكريم. وفى افتتاحيتها، أشارت الصحيفة إلى أن أوباما كان أول من قال إن خطاباً واحداً لا يمكن أن يمحو العداء وفقدان الثقة بين العالم الإسلامى والولاياتالمتحدة، إلا أن خطابه قدم بشكل بليغ القيم الأمريكية والأهداف العالمية واستخدم بشكل مهارى الدبلوماسية العامة فى منطقة طالما كانت جهود أمريكا فيها لتعريف نفسها ضعيفة. غير أن الصحيفة، رأت أن القادة العرب لن يركزوا على أى من القضايا التى تطرق إليها أوباما فى خطابه، سوى قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، على الرغم من أن أوباما حذر من استخدام هذه القضية لإلهاء شعوب العالم العربى عن المشكلات الأخرى. أما صحيفة نيويورك تايمز، فرغم ثنائها على الخطاب، إلا أنها قالت إن الكلمات مهمة لكنها غير كافية، وإن أوباما الذى لم يمض على دخوله البيت الأبيض ستة أشهر، أمامه الكثير ليعمله ومعه آخرون. كما قالت الصحيفة إن الذين انتقدوا أوباما قبل الخطاب وبعده، واتهموه بتمضية وقت طويل فى الاعتذار وإضعاف البلاد، تكشَف خطأ قراءتهم لفكر أوباما وما يجب أن يُقال. وانتهت إلى القول أنه بعد ثمانية أعوام من الغطرسة والبلطجة التى حولت أصدقاء الولاياتالمتحدة بعيداً عنها، يأتى رئيس قوى ليعترف بأخطاء الماضى ويعد بأن يكون العالم أفضل. كما تحدثت الصحيفة عن ردود الفعل المتنوعة على خطاب أوباما، وقالت إن الخطاب نجح فى التواصل مع المسلمين فى الشرق الأوسط، ونال استحساناً واسعاً بفضل منهجه المحترم واقتباساته من القرآن وإشاراته إلى الصراعات السياسية المستمرة منذ فترات طويلة. وأشارت إلى أن تصريحات أوباما بعضها وجد صدى عميقاً لدى الجمهور المستهدف وغيرها لم يلق آذاناً صاغية فى إسرئيل والعالم الإسلامى. أما صحيفة الإندبندنت، فوصفت خطاب أوباما بأنه تاريخى، قائلة إن الكرة الآن فى ملعب المسلمين لإبداء رد فعل إيجابى. وعلى الرغم من الحقيقة القائلة بأن الكلمات ليست مثل الأفعال، إلا أن الكلمات كما تقول الإندبندنت فى افتتاحيتها، تحدد لهجة معينة، ووضوح أوباما فى خطابه أمس كان يقول بأن البيت الأبيض اليوم بعيد كل البعد من الناحيتين الفلسفية والسياسية عن جورج بوش. "الخطاب الذى لا يمكن أن يلقيه أى رئيس آخر"، كان هذا العنوان الذى اختاره جوناثان فريدلاند لتعليقه على الخطاب فى صحيفة الجارديان، وقال الكاتب إن هذا الخطاب لم يثبت فقط القدرة البلاغية للرئيس الأمريكى، ولكنه أثبت أيضا طموحه فى رأب الصدع بين الإسلام والغرب. كما انتقدت أهداف سويف الخطاب فى مقالها بالصحيفة الذى جاء بعنوان "نريد قائداً عالمياً لكننا رأينا فقط رئيساً أمريكياً"، وقالت إن الخطاب الذى طال انتظاره للرئيس الأمريكى لم يشر كثيراً إلى أن الولاياتالمتحدة قد تتبنى نهجاً، يتجاوز تحقيق مصالحها الخاصة. وترى التايمز، أن أوباما أظهر قوة وحساسية غير عادية فى فهم الكيفية التى كان يجب أن تعمل بها القوى الناعمة فى أمريكا، لتحقيق ما تعذر على القوة العسكرية فعله، مشيرا إلى اقتباسه آيات من القرآن، وأنه أظهر نفسه على وفاق مع الثقافة الإسلامية مستخدما خلفيته وذكرياته. وتؤكد الصحيفة أنه إذا ما التزم أوباما بوعوده وإذا ما تحققت طموحاته وتم تبنى لغة الحوار المحترمة التى تحدث بها فى أنحاء المنطقة، فإن العديد من القضايا المستعصية التى تعكر الشرق الأوسط قد تصبح أقل تعقيدا. وتشير الصحيفة، أن العرب ربما كانوا ينتظرون أن يتحدث أوباما بلهجة شديدة عن غزة أو مبادرة سلام جديدة أو أن يعتذر عن سياسات الولاياتالمتحدة السابقة، وتؤيد الصحيفة عدم قيام أوباما بما سبق. وعلى النقيض تقلل الديلى تليجراف، من تأثير الخطاب على المعادين للولايات المتحدة، إذ يتساءل الكاتب كون كوفلين، مشككا فى قدرة أوباما على إخماد النيران التى يشعلها المتشددون المسلمون، ويؤكد كوفلين أن نداء الرئيس لبداية جديدة سيواجه عقبات معقدة. ويضيف أنه على الرغم من أن أوباما كان لديه بعض الكلمات ذات اللهجة الشديدة بشأن التوسع الاستيطانى الإسرائيلى، إلا أنه لا يزال أمامه طريق طويل لإقناع العرب المعتدلين أن واشنطن يمكن أن تعمل كوسيط نزيه فى حل الصراع العربى الإسرائيلى. وترى الصحيفة أن أول تحد كبير للمحاولة الشجاعة للرئيس الأمريكى فى رأب الصدع بين الغرب والمسلمين، سيتمثل الأسبوع القادم حينما يتوجه ملايين الإيرانيين للتصويت فى الانتخابات الرئاسية.