قبل أيام قال الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون: إن مشكلة القمامة واحدة من أهم التحديات التي تواجه القاهرة، قبله بعدة اسابيع نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية موضوعا عن الزبالين في القاهرة، ووصفت منطقة المقطم، بأنها عاصمة تدوير القمامة في العالم، طبعا بعد ان أسهبت في وصف الحالة المزرية لمجتمع الزبالين، الذين يقع عليهم عبء جمع وفرز 45000 طن من القمامة يوميا من جميع انحاء القاهرة، ووصفت الاندبندنت تدوير القمامة في المقطم باللعبة التي يشارك فيها جميع أفراد الأسرة من الآباء والأمهات والأطفال، وكأنها تتحدث عن لعبة كوتشينة أو طاولة، فالجميع في نظرها يبحث بين أكوام الزبالة عما يمكن ان يأكله أو يرتديه. كلينتون لم يجد من وجهة نظره تحدياً تواجهه القاهرة، غير الزبالة وكيفية التخلص منها، ويبدو انه قد أثر فيه منظر الزبالة في طريق زيارته للغرفة التجارية بالقاهرة، وهو علي حق، فالمجتمع الذي لا يستطيع التخلص من زبالته لن يحقق أي شيء طبعا الزبالة من وجهة نظري ليست فقط القمامة، فنحن المصريين أجدنا استخدام تعبير كلمة زبالة في قاموسنا اللغوي اليومي، فنقول هذا كلام زبالة، وهذا تصرف زبالة، وهذا شخص زبالة، إلخ...، زبالاتنا كثيرة والحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه، ونستطيع أن ندخل بها أي مسابقة لتنوع الزبالة في العالم ونحصل علي مراكز متقدمة كلينتون يخاف علي القاهرة أكثر من المصريين، ولولا ان الدستور يمنعه من الترشح للرئاسة، لقلت انه طامع، لأهمية المشكلة التي اختار التحدث عنها، ولم يقف الرجل عند حد الكلام مثل عادة المسئولين في مصر، ويشجب ويستنكر، مثلما فعل العرب كل يوم من أيام رئاسته فيما يخص الشأن شرق الأوسطي، بل إن الرجل الذي وصف انه قام بتصرف صبياني نصفه نحن المصريين بالزبالة مع صاحبة الصون مونيكا، الا انه يقول بمنتهي الشجاعة والوضوح، ان وسيلتنا في مواجهة الزبالة، هو اقتناعنا ان الزبالة يمكن أن تكون مصدرا من مصادر الثروة القومية، وذلك عندما نبدأ في التوسع في صناعة إعادة التدوير، وانتاج الطاقة من المخلفات بما يقلل استيراد الطاقة ويوفر فرص عمل. بحثت في نافوخي عن تداعيات كلمة التدوير، ووجدت أن التدوير الذي يجيده المصريون حتي الآن، هي تلك الرقصة الفولكلورية، التي يظل الراقص بزيه المزركش، يدور حول نفسه علي صوت الدفوف، في سلوك يصفه المختصون بالفولكلور الشعبي بالدوران الصوفي، أي تدور وتظل تدور حتي تتخلص من الاحساس بجسدك، لتسمو الي حالات أعلي وأسمي. وحقيقة هناك تدوير آخر نجيده نحن المصريين، وهو تدوير الصياد للشبكة فوق رأسه، قبل أن يلقي بها في الماء، لكن التدوير الاكثر حرفية وفقنا فيه كل سكان العالم، هو تدوير المواطن في المكاتب عندما يضعه حظه العاثر في مواجهة موظفين، يتمحكون بالروتين، والهدف هو جيبه، ولا لن تقضي حاجته، ربما يكون هناك تداوير أخري، لكن تدوير الزبالة بالنسبة لنا معضلة قومية، لدرجة أن زبالتنا فقدت احترامها، وتحولت الي مادة للتهكم في صحف العالم، أو مادة للتوبيخ علي لسان رئيس سابق لأكبر دولة في العالم، الذي يشكر علي ما قاله، لانه حقيقة، الرجل الذي كذب علينا كثيرا في مباحثات الماراثون السلامية، جاء ليكفر عن ذنبه وصدقنا في هذا الموضوع، بل دعا منظمات المجتمع المدني في مصر للتدخل لحل هذه المشكلة، مادامت الحكومة وضعت يدها في الشق . كلينتون قال الحقيقة التي لم يستطع المصريون الاعتراف بها طبعا أقصد بالمصريين الحكومة، لانني من الاشخاص الذين يتهمون احيانا بالعبط والبلاهة، بسبب انني ما ازال اعتبر الحكومة المصرية مشكلة من المصريين وليس أعضاؤها من قارات اخري والصحيفة البريطانية عندما تحدثت عن المقطم عاصمة الزبالة في العالم، لم تتعد الحقيقة، وان كان الحق الذي يراد به باطل، والباطل هو تشويه صورة مصر الهرم والنيل و المساجد و الكنائس، والمدن الجديدة، مصر نجيب محفوظ وزويل، وفي وقت احتفالنا بأهم انجاز عسكري تحقق عالميا في القرن العشرين وهو انتصار اكتوبر، لكنها قالت حقيقة، ولن أقع في مأزق اعتبار الزبالة المصرية شأناً قومياً مصري لا يجوز التدخل فيه، ان لدينا مشكلة كبيرة في المقطم، تنعكس آثارها علي المستوي الوطني، لكن الحمد لله ان الأستاذ محرر الاندبندنت لم يغادر القاهرة في موضوعه، ولم ينزل شمالا وجنوبا ليري مأساة اخري في القري المصرية في الشأن الزبالي، هذه القري التي كانت تجيد التدوير لزبالتها، وأصبحت الآن تدور حول نفسها، من شدة القرف من الزبالة التي تتراكم في مصارفها و شوارعها، ومتقمصا شخصية كلينتون ليس في الشأن المونيكي، سوف اقترح بأن يخصص يوم في مصر يسمي يوم مكافحة الزبالة، يخرج فيه كل المصريين كبيرا وصغيرا شيخا أو طفلا أو امرأة أو رجلا، يحمل مقطفا وجاروفا، لكي يقول للزبالة وليس للحكومة "نحن زهقنا"، ولا أزهق الله أرواح المصريين الأخيار المخلصين.