كلمة قالها أحد الإعلاميين المثير للجدل، إننا تحولنا إلى "دولة الكلام العظمى" جمهورية مصر العربية سابقا منذ عدة أيام، هذه الكلمة جذبت انتباهى وأخذتنى إلى التفكير فى عصر ثورة المعلومات والتطور الهائل فى وسائل التواصل والاتصال، التى بشرنا بها السيد صفوت الشريف عندما كان وزيرا للإعلام وكان محقا فيها منذ أكثر من خمسة عشر عاما حيث بشرنا بقرب دخولنا فى عالم جديد يتميز بثورة هائلة فى تدفق المعلومات ووسائل الاتصالات" الفضائيات والأقمار الصناعية والانترنت والتليفونات المحمولة". بدون شك شاركت هذه الثورة المعلوماتية فى نجاح ثورات الربيع العربى حيث انتقلت شرارة الثورة التونسية بسرعة البرق إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا. تميزت ثورات الربيع العربى باستخدام الشباب للتليفونات المحمولة والإنترنت على مدى واسع فى الدعوة للتحرك السلمى ضد حكومات الطغيان والاستبداد، ولم تفلح أى محاولات لقطع وسائل الاتصال فى إجهاض ثورة شباب الربيع العربى، بل بالعكس أججت مشاعر الشعوب وانضمت الملايين الهادرة من أبناء الشعب للثوار مما أجبر الحكام على التنحى أو الهروب. بصراحة شديدة كانت الثورة المعلوماتية مفيدة للثورة بنفس القدر الذى أفادت به الثورة المضادة فى مراحل التحول وهذا تماما هو ما تعانى منه ثورتنا الشعبية السلمية. هجوم كاسح باستخدام كل أسلحة الثورة المعلوماتية على كل قرار وكل خطوة تتخذها أى إدارة تدير البلاد فى المراحل الانتقالية المختلفة. تحول التنافس الشديد بين القوى السياسية المختلفة سواء معارضة أو موالاة إلى حرب إشاعات جبارة وأحيانا حرب أكاذيب محمومة ومدسوسة فى نفس الوقت تستفيد الثورة المضادة من نفس التكنولوجيا لبث الإشاعات ونشر الأكاذيب وتحريك جيوش البلطجية وأطفال الشوارع والمخربين وحاملى المولوتوف فى محاولات مستمرة بدون توقف لاجهاض الثورة واعادة انتاج النظام البائد الذى خلعة الشعب حتى لو فى ثوب جديد. كلنا لاحظنا ارتفاع نسبة الأخبار الكاذبة والمغرضة فى وسائل التواصل الاجتماعى فيس بوك وتويتر، أعتقد أن هذه حقيقة بها تحولنا جميعا عن طريق صفحاتنا إلى أضخم وسيلة نشر لمعلومات غير موثقة ومشكوك فى مصداقيتها ومدسوسة بطريقة تخدم ايدولوجية كل واحد فينا. أصبحت وسليتنا المريحة لتناقل الأخبار بدون تدقيق ومع الوقت فقدت هذه الوسائل مصداقيتها وتحولت إلى مجرد حرب كلامية بين المجموعات الالكترونية المختلفة ومن ثم فقدت تأثيرها على الرأى العام. المثير للدهشة أن مواقع التواصل فيس بوك وتويتر أصبحت هى أهم مصادر الأخبار فى الصحف والقنوات الفضائية ومنها أقيمت الليالى والليالى لمناقشة التغريدات والتعليق عليها لدرجة اختفاء الأخبار الموثقة عن المصادر المسئولة فى جميع أجهزة الدولة. كل يوم تتم مناقشة آلاف الشائعات والأخبار التى يثبت كذبها فيما بعد. التقارير الإخبارية المصورة التى يعدها المراسلون من موقع الأحداث أصبحت سلعة إعلامية نادرة اللهم إلا فى بعض الصحف أو القنوات التى مازالت تحترم حرية وأمانة الكلمة. بصراحة حرب الإشاعات والأكاذيب المستمرة بدون توقف أفقدت الإعلام بصفة عامة مصداقيته وبالتالى فقد تأثيره وبريقه عند أغلبية أبناء الشعب فكانت شكوى الإعلاميين من أن الشعب لا يستجيب وتحولنا إلى مجرد فقاعة هائلة من الكلام الذى هو على الأرجح ليس إلا ضلالات إعلامية. فعلا تحولنا إلى جمهورية الكلام العظمى وخاصة الكلام السلبى ولم نجن من كل هذا إلا إحساس عام بالإحباط وفقدان الأمل وفقدان الثقة انعكس على حياتنا اليومية دفيفة بدفيفة. تحولنا إلى شعب يثور بدون منطق ويتظاهر عمال على بطال مما ساعد على قرب انطفاء جذوة العمل القورى وساعد على ضياع مفعول التظاهر كحق انتزعناه بدماء شهدائنا. إشاعات وأكاذيب ومشاهد جعلت البعض يكفر بالثورة والديموقراطية ويتحسر على أيام النظام المخلوع وجعلت البعض الآخر يطالب بكل حماقة بانقلاب الجيش لتخليصنا من رئيس انتخبه الشعب بحرية وجعلت البعض الآخر يطالب بدون خجل بانتخابات رئاسية جديدة. إشاعات وأكاذيب لم ينج منها أحد وصلت إلى بيوتنا وأعراضنا وذممنا المالية كلنا جميعا بدون استثناء. إشاعات وأكاذيب لم ترحم أى مؤسسة فى الدولة حتى المؤسسات التى يفارض انها سيادية ومستقلة ووطنية كالجيش والشرطة والمخابرات والقضاء. إشاعات وأكاذيب وتعليقات وضلالات لم ينج منها أى قرار يتخذه أى مسئول حتى الأحكام القضائية كل حكم قضائى يقابله ألف تعليق نصفهم يؤيدونه لتوافقه مع هواهم والآخر يرفضونه لعدم إرضاء هواهم. دخلت بلادى مصر فى مستنقع إعلامى قاتل جعل كل شىء مسمم بدون معنى وبدون جدوى واختلط الحابل بالنابل وفقدنا القدرة على التفريق بين الطيب والخبيث أو التفريق بين من هم مع الثورة أو ضدها أو التفريق بين الثائر والمجرم أو البلطجى أو التفريق بين الأعمال الثورية أو الأعمال الإجرامية. فى النهاية ومن على هذا المنبر الحر أطالب بوثيقة شرف يلتزم بها كل إعلامى أو ميثاق شرف وطنى يلزمنا جميعا بالتزام الصدق والأمانة والوطنية عند التعامل مع الكلمة وأطالب باتخاذ إجراءات حتى لو كانت تعسفية مع كل من يساعد فى نشر إشاعة بهدف التضليل أو نشر الأكاذيب أو بالتطاول على الأشخاص أو الرموز بألفاظ نابية يجرمها القانون والدين. أطالب بقانون يحفظ حقوقنا فى التظاهر السلمى ويحارب البلطجة فى كل المجالات حتى الإعلام. فهل من مستجيب؟ عاشت جمهورية مصر العربية حرة مستقلة ولتموت دولة الكلام العظمى.