نيقوسيا (ا ف ب) - عشق حلبات السيارات مجبول في دم الالماني ميكايل شوماخر، بطل العالم لسباقات فورمولا واحد سبع مرات، فهدير المحركات والتخطيط للمنافسة يتنفسه مع الهواء ويرتشفه مع الماء. "شومي الكبير" كما يطلق عليه، الفائز ب91 جائزة كبرى في 249 سباقاً ما بين 1991 و2006، يعبّر دائماً عن سعادته وشغفه بحياته الجديدة، مؤكدا انها اخذت منحى آخر، علما ان اجواء رياضة السيارات لا تزال جزءا مهما منها لكن وفق نظرة وتعاط مختلفين. لم يبتعد شوماخر (40 عاما) عن فيراري التي كسب معها خمسة القاب عالمية متتالية (من 2000 الى 2004)، لكنه حول بعد اعتزاله مهنة المنافسة على الحلبات، الى هواية يستمتع بها، فقد باتت تسليته سباقات الكارتنغ (فئة 125 سي سي)، اذ يخوض خمسة او ستة سباقات سنويا خصوصا في المانيا. ويشارك اواخر الشهر الحالي في سباق دولي في لاس فيغاس يعتبر بمثابة نهائي بطولة العالم. يلفت شوماخر الى انه حضر نفسه لاستحقاق الاعتزال منذ ان اتخذ قراره، وادرك باكرا انه من الافضل استيعاب هذه النقلة في حياته من دون مرحلة انتقالية، من اولوياتها تحقيق ما يرغب: حياة هادئة سعيدة مع العائلة والاستمرار في النشاط مع نفحة تسلية بعيدا من الملل والضغط، ويكشف انه اساسا تسلى واستمتع كثيرا في المنافسة "لكن ضمن الحدود المرسومة، لذا بات الوقت متسعا الآن للاكتشافات". عاش شوماخر حياته منذ سن الحادية عشرة وفق ايقاع محدد بالسباقات، اهدافه محصورة بالفوز وجمع النقاط. وفي مسيرته الجديدة انطلق في آفاق رحبة يسميها آفاق الاكتشافات والتجربة، صداقته مع الاميركي مايكل دوهان، بطل العالم للدراجات النارية - فئة 500 سم مكعب - من 1994 الى 1998، الذي كان جاره في موناكو، عرفته على اختصاص رياضي مثير ويقول: "ربما استغرب بعضهم هذا الخيار وسخر مني، لكن التجربة شدتني اليها وتعلقت بها. ما قمت به ليس من باب برهنة الكفاءة والقدرة، بل شخصي جدا". كما اختبر شوماخر قيادة دراجات فئة "موتو جي بي" عام 2005 "قبل ذلك لم اقد الا دراجة هارلي دافيدسون خاصتي على الطريق العادية، الامر مختلف تماما على الحلبات. تطلب اعتيادي على قيادة دوغاتي سنتين". والبداية جاءت صدفة، اذ كان شوماخر واصدقاء آخرون يقودون دراجاتهم على حلبة لابرس "وعرض علينا المسؤول عن الحلبة تجربة دراجة سباق، وجدناها فرصة ممتعة، ومن هنا بدأت القصة". يلفت شوماخر الى ان الاستمتاع على متن دراجة للسباقات "يعني ان تقودها بسرعة، وهذا لا يصلح إلا على الحلبات"، ويصف ما عاينه وشعر به "كأنك تنطلق في سباق لفورمولا واحد. انه شعور لا يوصف خصوصا على المنعطفات والدنو من ارض الحلبة عند الانحناء، شبيه الى حد ما بانطلاقات فورمولا والمزاحمة لأخذ مركز متقدم". يعتبر شوماخر الدراجات النارية "شغفا هائلا يصعب شرحه. بعض الاصدقاء لم يقدروا ما شعرت به الا بعد خوضهم التجربة ذاتها فتعلقوا بها". لا يبالغ شوماخر في القول انه بات في امكانه المنافسة في سباقات "موتو جي بي"، "وأحقق نتيجة ولو بعيدة نسبيا عن اساطين هذه الرياضة"، ويوضح ان الفارق من 2 الى 3 اعشار من الثانية في فورمولا واحد يضاعف 10 مرات في الدراجات النارية "واي تردد مهما كان بسيطا يؤدي الى فقدان الثقة وخسارة عُشرين. اذكر ان دوهان بعد عودته الى الحلبات اثر حادث تعرض له كان سعيدا عندما حقق زمنا بعيدا بفارق 6 ثوان عن افضل توقيت". في المقابل، يوضح شوماخر ان سباقات الكارتنغ اكثر تطلبا وانهاكا من الدراجات النارية "الصيف الماضي قمت ومجموعة سائقي فورمولا منهم البرازيلي فيليبي ماسا ومواطني سباستيان فيتل والبولندي روبرت كوبيسا والبرازيلي نيلسون بيكيه جونيور، بالقيادة 20 لفة على حلبة لوناتو الإيطالية، وشعرنا كأننا خضنا جائزة ماليزيا الكبرى لفورمولا واحد". يشبه شوماخر عناصر النجاح ومستلزماته في فورمولا واحد باجزاء لعبة "البازل"، "انها تفاصيل عليك الاحاطة بها ووضعها في امكنتها، وهذا في رأيي ما ميز فيراري". ويضيف "اساسا جميع سائقي فورمولا واحد جيدون وسريعون، اما التفوق فمرده الاستثمار الشخصي وهنا الفارق. عليك عدم الاتكال فقط على الموهبة، الفارق يُبنى بالعمل مع الفريق لجمع قطع البازل في امكنتها، اعداد السيارة وضبط عيارات المحرك لاستخلاص الافضل من قدرتها". ويؤكد شوماخر انه قرر اعتزالا نهائيا "ولم أشعر بنقص في حياتي يعيدني الى المنافسة، لكنني تعلمت امرا مهما وهو ان الظروف تتحكم بنا احيانا، لذا لا يجوز حسم الاجابة دائما او اتخاذ قرارات جازمة بنعم او لا". وبطل العالم السابق قصد من خلال هذا التلميح ما تردد عن عودته الصيف الماضي بدلا من زميله السابق ماسا الذي تعرض لاصابة في تجارب جائزة المجر الكبرى ابعدته عن باقي جولات الموسم. واعتذر شوماخر لاحقا بعد موافقته على الحلول موقتا مكان البرازيلي، بناء على نصيحة طبيبه بسبب آلام في رقتبه ناتجة عن سقوطه عن دراجته. شوماخر وجد في تلبية نداء فيراري واجبا، وجاءت موافقته بعد تردد "خصوصا ان فيليبي بمثابة اخي الصغير". ويعتبر ان المستقبل امامه وينصحه الا يتأثر من ظلامة او من فرصة لم يتمكن من الاستفادة منها، بل ان يواصل مثابرته. وبعيدا من الاستمتاع خلف مقود سيارات الكارتنغ أو على متن دراجة "عملاقة"، يفتش شوماخر عن مواقع اكتشاف في رياضات المغامرة وال"اكستريم سبور" يعتبرها "معززة" لكيانه واقباله على الحياة، والاكتشاف في نظره ليس بالضرورة رحلة الى الفضاء لاختبار انعدام الجاذبية "فهذه لحظات يمكن ان تعيشها بالغوص تحت الماء مثلا، لكنني احب ركوب الامواج (كايت سيرف) ورياضة اخرى حدثني عنها والدي: مظلة مربوطة بمحرك صغير يثبت على الكتفين، فنطير بهدوء ونحوم محلقين في فضاء الطبيعة. وعندما ازاوج بين الطبيعة واكستريم سبور اكون سعيدا".