"سامحوني الحياة لم تعد تحتمل".. آخر ما كتبت داليدا لتتعاطى بعدها جرعة زائدة من الأقراص المهدئة، وتغمض عينيها إلى الأبد عن الحياة التي لم تعد تطاق بالنسبة لها، بعدما حققت كل ما حلمت به، وأصبحت من المشاهير. ولدت داليدا في حي شبرا، وكان والداها من أصل إيطالي ولكنهما مولودان بمصر، فقد هاجر أجدادهما إلى مصر هربًا من الفقر والجوع والحروب التي كانت تجتاح أوربا، إلى بلد السلام في ذلك الوقت "مصر". Eleanor Duse هو اسم ممثلة إيطالية مشهورة، هذا الاسم كان الدافع لداليدا أن تصبح ممثلة مشهورة مثلها، خاصة بعد أن عرفت أنها قريبتها، فأرادت أن تكون مثلها. ولكن كان والدها هو العقبة في حياتها فكان يمنعها من الخروج والتقاء الأصدقاء، خاصةً بعد أن سجن في مصر فترة الحرب العالمية الثانية؛ لأن مصر كانت تحت حماية المملكة المتحدة، وتوفي والدها بعد ذلك بوقت قصير إثر جلطة دماغية. عام 1954 كان بمنزلة نقطة تحول في حياتها، فقد حصلت داليدا أو "يولاندا" وهو اسمها الحقيقي، على لقب "ملكة جمال مصر"، وهو اللقب الذي لم تكن تتوقعه، وكانت جائزتها حذاءً من الذهب. ولكن الجائزة الكبرى بالنسبة لها هى فتح أبواب الشهرة أمامها، والتي بدأت بترددها على استوديوهات المشاهير إلى أن أصبحت دوبليرة للأمريكية جوان كويلنز، حين قدم فريق عمل فيلم Joseph and his brother لتصوير بعض مشاهده في مصر. اتسمت داليدا بالطموح، سافرت إلى فرنسا بحثًا عن حلم الشهرة، ولكن الحلم خذلها، وأفلست من كل أموالها، وقررت العودة إلى مصر، وفي المطار أوقفها رولاند برجر؛ استشعر في داليدا أن هذا الوجه لا بد أن يكون لامرأة تمتلك صوتًا قويًا، تقدم إليها وتحدث معها وأقنعها بأن تصبح مغنية أفضل لها من التمثيل، فاقتنعت، وبدأ تدريبها وأصبحت ذات صوت مميز. غنت داليدا في أحد كباريهات فرنسا وكان اسمها دليلة، وبعد أول حفل لها تقرر تغيير اسمها إلى داليدا، فقد شعر برجر أن اسم داليدا يتسم بالعنف نوعًا ما. بعدها بدأت تضع قدميها على طريق الشهرة الذي عشقته من البداية، رغم أنها كانت تطمح بشهرة التمثيل، إلا أنها لم تقدم سوى 12 فيلمًا، وغنت بتسع لغات ما بين العربية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية والعبرية واليونانية واليابانية والأمانية والإسبانية، وباعت أكثر من 125 مليون نسخة حول العالم. بعد كل هذه الشهرة لم تجد داليدا لحياتها معنى، ووجدت الحياة لا تحتمل فقررت بكل شجاعة أن تضع حدًا لحياتها بيدها، مكتفية بما حققته من شهرة صدعت في كل أنحاء العالم، ودفنت بمقابر المشاهير في فرنسا، ووضع على قبرها تمثال لها.