هل تصدقون أننا أجرينا حوارًا مع عمنا الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين؟.. عمومًا سواء صدقتم، أم لم تصدقوا، هذا هو الذى حدث، لم نقم بتحضير الأرواح كما كان يفعل العم أنيس منصور رحمه الله، ولم نخترق حجب الغيب كما كان الشيخ «السيد البدوى» يفعل السيد البدوى القطب الصوفى لا رئيس الوفد ولكن الذى حدث هو أن الشيخ حسن البنا بشحمه ولحمه وروحه جاء إلينا فى «فيتو» يطلب مقابلتي!! كيف حدث هذا؟ كنت أجلس فى غرفتى بالمقر السرى للجريدة.. غرفتى التى خصصها لى رئيس التحرير، التى تطل مباشرة على مقابر الإمام الشافعى.. كانت نسمات الهواء التى تداعب وجهي، بسم الله ما شاء الله ترد الروح، وبغتة دخلت سكرتيرتى الآنسة مُنى إلى غرفتى وهى فى حالة هلع . السكرتيرة: إلحق يا أستاذ.. أنا : خير يا منى؟ السكرتيرة: رجل غريب يرتدى طربوشا أحمر، ويقول إنه الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ويريد مقابلتك !!. أنا : ولكن حسن البنا مات منذ زمن! وهل يعود الأموات إلى الحياة؟ عموما دعيه يدخل .. وبعد هنيهة دلف إلى الغرفة رجل بشوش الوجه، ذو لحية خفيفة، وسبحان الله، هو فعلا حسن البنا كما نراه فى الصور الفوتوغرافية، أومأت له ليجلس إلا أنه مد يده ليسلم على وهو يلقى تحية الإسلام، رددت عليه السلام وقلت له : أفندم، من أنت؟ الرجل: أنا العبد الفقير إلى الله حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. أنا: ولكنك ميت منذ أكثر من ستين عاما. الرجل: الفكرة لا تموت يا أخى الكريم، تموت الأجساد وتبقى الأفكار حية. أنا : ولكن الذى يجلس معى الآن ليس الفكرة ولكنه أنت حسن البنا، فكيف أتيت إلينا ؟. الرجل: أنت جارى .. ألا تطل على قبرى ؟ والنبى وصى على سابع جار، ومع ذلك فأنا الدعوة والدعوة أنا، الدعوة الآن هى التى تجلس معك، الدعوة لا تعيش فى القبور، ولكنها تعيش فى عالم الناس. أنا : ولكننى لا أعرف كيف أنك الدعوة أو الفكرة وفى ذات الوقت أنت الرجل، ألا توجد مسافة بين الرجل وفكرته ؟. حسن البنا : أنظر يا أخى إن الإيمان بالإسلام يقوم على الشهادتين: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلما ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام فى شخصه وبالتالى يجب أن يكون الإيمان بالفكرة مرتبطا بها وصاحبها وبما أننا كإخوان دعوة فيجب أن نؤمن بها وبصاحبها معا، وأنا صاحب الدعوة . أنا : أظننى قرأت هذا الكلام من قبل منسوبا إليك، قرأته فى مذكرات سكرتيرك محمود عساف . حسن البنا: نعم يا أخى لقد قلت هذا الكلام لعساف ولغيره من الإخوة. أنا: ولكننى قرأت أيضا أنه فى إحدى المناسبات السياسية كان عدد من المعارضين لك يهتفون « يسقط حسن البنا» فإذا بهم يشاهدون شخصا تحمله الأعناق، ويهتف معهم « يسقط حسن البنا» وكانت المفاجأة أن هذا الشخص الذى كان يهتف بسقوطك هو أنت نفسك !! وعندما سألوك كيف تهتف ضد نفسك قلت : نعم يسقط البنا وتبقى الدعوة، ألا تجد فى هذا الموقف تناقضا مع أفكارك التى تجعلك تتماهى فى الدعوة ؟ حسن البنا : على رسلك يا أخى فو الذى نفسى بيده لو شرحت لك ما تعنيه أفكارى للبثت معك عمرا، فهل يستطيع أحد تلخيص فكرة عمره كله ريثما يتناول فنجانا من القهوة ؟ هذه وأيم الله إحدى الكُبَر. أنا متداركا : عفوا يا سيدى فلم آمر لك بفنجان قهوة، هذه جليطة منى ولا شك، أتحبها مظبوطة ؟ حسن البنا: أحبها وسطية، هذا المعنى أفضل، فخير الأمور الوسط . أنا : قد يغضب الإخوان منك لأنك تحب الوسط، طبعا فضيلتك لا تعرف أنهم فى هذه الأيام يخاصمون حزب الوسط الذى كان منهم. البنا مبتسما : الدعاة لا يُخاصمون، وأظننى ربيت أبنائى على ذلك . ابتسمت له، وضربت الجرس لعم حسن الساعى فجاء لى يسعى وأمرته بفنجان قهوة وسطى لفضيلة الشيخ حسن البنا، ارتبك عم حسن ولكننى أفهمته أن القهوة الوسطى هى مرادف للقهوة المضبوطة. سادت فترة صمت بيننا وجرى فى خاطرى أن عمنا حسن البنا حفر لنفسه مكانا ومكانة فى التاريخ، ليس فى التاريخ فقط ولكن فى الجغرافية أيضا، فقد امتدت حركته الإخوانية على مستوى العالم بتضاريسه، حتى أن البعض يتندر بأن الإخوان فى عهدهم الجديد سيتقدمون بطلب عضوية فى الأممالمتحدة . ابتسمت للبنا وقلت له : نحن هنا فى «فيتو» نرحب بك وسنعتبر حضورك فرصة تاريخية لنجرى حوارا معك، ولكن سنبدأ بالسؤال المنطقى. ما الذى جاء بك إلينا ؟ حسن البنا : أتيت إليكم لأن الدعوة تحب الناس يا أخى الكريم، وأنا أحبكم وقد أتيت إليكم مهنئا بصدور أول إصداراتكم، فأنتم رئة جديدة للحرية فى مصر . فيتو: شكرا على التهنئة، ولكن الدعوة غابت عنكم فى السنوات الماضية فانعزلتم عنا. حسن البنا: لا ينبغى للدعوة أبدا أن تنعزل عن الناس، ونحن ننظر إلى الناس بعين الدعوة لا بعين الدعوى، ونحب يا أخى الكريم أن تعلموا أنكم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى نفوسنا أن تذهب فداء لعزتكم، وأن تزهق ثمنا لمجدكم، وكرامتكم ودينكم وآمالكم . فيتو : الواقع غير ذلك سيدى .. أنت تتحدث عن جماعة أخرى . حسن البنا : لا يا أخى الحبيب لا ينبغى للإخوان أن يكونوا غير ذلك، فالأصل الذى ربيت عليه أبنائى هو انتخاب المرأة وتصويتها ثورة على الإسلام