من عشر سنوات كنت طفلاً، لكن لم يفتني أن أسأل نفسي ذات السؤال الذي سأله حبيب راشيل، لماذا ؟! وها أنا أشب وذات السؤال يلاحقني كل ذكرى، وما من جواب. لماذا يا راشيل، لماذا يا جميلة ؟! أيتها الجميلة؛ أمريكية أنت، تتحدثين الإنجليزية، وتدينين باليهوديه، صبية أنت لازلت؛ فما لك بنا، ما لك بعرب و مسلمين، كان الأحرى بك يا راشيل أن تتبرعي من مالك إلى جيش الكيان الصهيوني، ألست يهودية ؟! حدثيني يا راشيل، حدثيني فإني في عجب، في طريقك إلى غزة، ألم تترددي ؟! تدرين يا راشيل ؟ أنا الآن أعيش نفس مرحلتك العمرية، ولم أسع يوماً إلى ما سعيت إليه، قد تكون قد حدثتني نفسي بمثل سعيك، ولكنها لم تصدق، فلو صدقت لسعت !! في زيارتي إلى غزة يا راشيل، وبمجرد دخولنا إلى الجانب الفلسطيني، ازدادت حيرتي فيك. فأنا مصري عربي مسلم، نشأت على تلك القضية، أبي على ذلك رباني، كان دائم السؤال "لمّا هتكبر هتعمل إيه؟" كنت أجاوب بكل ثقة "هنطرد الخنازير من فلسطين، وأصلي في المسجد الأقصى"، وكان يستطرد قائلاً؛ يا حسن الشهادة خير من الصلاة في الأقصى، قل اللهم ارزقني شهادة على أعتاب المسجد الأقصى، وقد قلت يا راشيل !! ولكن يا راشيل بمجرد اقترابنا من القصف لم أقل الدعوة، ولم أرد الشهادة، بل أردت العودة، العودة إلى أمي وإلى حبيبتي، فقد كنّا متخاصمين، ولكني تذكرتك يا راشيل، فتعريت نفسي أمامي ورأيت سوءتها، حدثتها فلم تجب، خبرتها ألست بمسلمٍ ألست عربي ألم يهتف لسانك مراراً مستعرضاً جهارة صوتك "يا أقصانا لا تهتم، إحنا فداك بالروح والدم"، كم كنت وضيعاً يا راشيل ؟! غير أنني غرت منك، غرت من امرأة حرة مجاهدة، أليس الجهاد هو بذل النفس والمال والوقت والكلمة، في سبيل الله، وسبيل الله هو الحق، ألم تبذلي يا راشيل ؟! غِرت ولكنني لم أستطع أن أسبقك، فقط سعيت إلى أن آتي بعض ما أتيت. "إذا لم تكونوا كالرجال، فافعلوا كما يفعل الرجال" ولكن هل أحد من الرجال مثلك يا راشيل، لعنة الله على ذكران العرب، كان عليهم أن يفعلوا كما تفعل النساء، كان عليهم أن يفعلوا كما فعلتِ. تدرين يا راشيل ؟ بيسان ما أحبتني، فلو أحبتني ما اثاقلت بي إلى الأرض، لو أحبتني لدفعتني دفعاً للحاق بك، واأسفاه علينا من أمة رجالها دياثون. لن أعدك يا راشيل بأن أفعل مثلما فعلت، فلم تكتمل رجولتي بعد لأقدر على عهدك، ولكني سأسمي ابنتي راشيل مثلك، علها تدرك ما فات أبوها من شرف !