محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    وزيرتا "التعاون الدولي والتضامن" وسفير الاتحاد الأوروبي يتفقدون مشروع تأهيل السودانيين بأسوان    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    عمرو أدهم: يجب محاسبة المسؤول عن قضية بوطيب.. وسنبشر جماهير الزمالك قريبا    الإسكواش، تأهل نور الشربيني ونوران جوهر لنصف نهائي بطولة الجونة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    في الجول يكشف موقف ياسر إبراهيم ومروان عطية من المشاركة أمام مازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    ثلاثة منتجات توابل مستوردة من الهند تسبب السرطان.. ما القصة؟    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    حكايات النيل.. حملة لطلاب بإعلام القاهرة للحفاظ على المياه ومواجهة الظروف المناخية    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكان لابد أن يتوقف الأتوبيس في صفط تراب

أحمد عبدالله ماذا تنتظر‏..‏ ماذا تنتظر يا رجل‏..‏ ها هي حسناء أمامك ها هي بجوارك هأنت في حضرتها وها هو شذاها والأريج فماذا تنتظر ؟.
هي هي ترنو إليك بعينها الخضراوين فماذا تنتظر ؟ لماذا توقفت عن الحديث‏..‏ توقفت تماما‏..‏ بعد التعليقات المعتادة عن الصحة والأحوال توقفت عن الحديث‏..‏ توقفت تماما وكأن قفلا علي فمك‏..‏ لماذا توقفت يا سيد الحكايا‏..‏ لماذا توقفت يا ملك الكلام‏..‏ لماذا لا تبوح لها كما تبوح لتهاويل الظلام في ليلك الحالك الطويل‏..‏
لماذا لا تبوح لها الآن‏..‏ ماذا تنتظر‏..‏ البنت تحبك وأنت تعرف أنها تحبك فلماذا التردد لم يعد هناك وقت البنت خطابها كثيرون‏,‏ يدقون الأبواب بشدة هذه الأيام وهي ترفضهم جميعا من أجلك فماذا تنتظر ؟
أنت غادرت القاهرة مبكرا كي تقابلها وتعترف لها بحبك‏...‏ كل تفكيرك وأنت في القطار كان منصبا علي أمر واحد ما أن يقف القطار في محطة طنطا حتي تغادره علي الفور متجها إلي الجامعة لتجر حسناء من يدها ولو بالقوة وتأخذها إلي أي مكان لتعلن لها عن حبك‏,‏ لماذا نكصت علي عقبيك حين اقتربت من الجامعة‏..‏ لماذا تراجعت علي الفور وكأن عقربا لدغك‏,‏ لماذا تراجعت يا أحمد خوفا من القيل والقال‏..‏ أي قيل وأي قال يا عم أحمد ؟ أنت جبان‏,‏ أنت جبان ولتعترف‏..‏ لا لست جبانا أنا أخاف علي سمعتها سمعتها قبل سمعتي‏,‏ هناك طلبة من البلد وطالبات‏..‏ هناك عيون تري وآذان تسمع وألسنة طوال سوف تنقل ما تري وتسمع‏.‏ وربما‏,‏ بل بالتأكيد سوف تضيف الكثير‏..‏ الكثير مما لم تر ولم تسمع‏,‏ لقد كنت علي حق حين تراجعت هذه الفكرة المجنونة‏..‏ نعم أنا تصرفت التصرف الصحيح‏,‏ كانت ستسبقك الحكايا والشائعات إلي مصاطب القرية ومقاهيها‏,‏ يا سيدي أنت تصرفت التصرف الصحيح‏,‏ ما علينا لكن هذا لا يمنع أبدا أنك جبان‏,‏ بل أنت في الحقيقة رعديد‏,‏ ألم تقل أنك سوف تنتظرها حتي تخرج من الجامعة ثم تركب بجوارها وتبوح لها في الطريق‏..‏ ها هي إذن جوارك تنظر وتنتظر ومن حسن حظك ألا عين من البلد تري ولا أذن تسمع‏,‏ فلماذا لا تبدأ‏..‏ لماذا رعشة الخوف تشل لسانك وتمنعك من الكلام‏,‏ لماذا‏..‏ لماذا أيها الجبان آه فلتكن جسورا‏,‏ فاز باللذة الجسور‏,‏ كن جسورا مرة واحدة في حياتك‏,‏ لا تفعل هذه المرة ما كنت تفعله كل مرة‏..‏ كان وجهك يحمر ويصفر وصوتك يرتجف وتلتصق الكلمات بشفتيك فلا تخرج وعندما تعود إلي البيت ترتد إليك شجاعتك وتستعيد فصاحتك وينطلق لسانك بالكلمات‏...‏ لماذا تحدث الأشياء معك بعد فوات الأوان‏,‏ فلتنتهز هذه الفرصة يا رجل‏..‏ ماذا تنتظر‏,‏ ها هي البنت قد ملت السكوت‏,‏ وها هي ذي تبادئك بالكلام‏..‏ هي هي ذي العصفورة تغرد‏.‏
أنت راجع من القاهرة يا رب تكون وفقت في مهمتك البلد كلها كانت تدعو لك‏.‏
والله أنا قدمت الموضوع لجريدة‏(‏ الناس‏)‏ وهي الجريدة المهتمة بهذه القضايا الاجتماعية التي تمس الفلاحين الفقراء‏.‏ وقد وعدوني بنشر الموضوع في أقرب فرصة‏.‏
علي فكرة أنا كنت عايزاك في موضوع بهذا الخصوص‏,‏ أنشأنا في الجامعة جماعة باسم أولاد الأرض فأغلبنا أبناء فلاحين كما تعلم ونحن نريد مشاركة أهالينا في الوقوف ضد هذه الهجمة الشرسة للإقطاعيين الجدد‏,‏ وفكرنا أن نبدأ نشاطنا بإقامة ندوة تتحدث عن تاريخ الملكية في مصر‏,‏ وقد اخترناك لهذه الندوة‏,‏ فحضرتك أفضل من يتحدث في هذا الموضوع‏..‏حضرتي‏..‏ حضرتي يريد أن يحدث حضرتك في موضوع آخر‏,‏ موضوع آخر مغاير تماما‏..‏ آه كم يود حضرتنا أن يحدث حضرتكم عن تاريخ ملكية أشد وأطغي‏..‏ تاريخ ملكية حضرتكم لقلب حضرتنا‏..‏ هذه الهجمة الشرسة التي قمت بها أيتها الإقطاعية‏..‏ أيتها الإقطاعية القديمة‏...‏ إنه تاريخ قديم‏..‏ موغل في القدم يا حسناء‏..‏ هل أحدثك كيف استوليت علي كل الرقعة الخضراء في قلبي‏,‏ كيف غرست أوتادك في لحم قلبي‏..‏ هل أحدثك عن هذا كله يا حسناء؟ نعم حدثها‏...‏ لماذا لا تحدثها ؟
هل ستظل تحدث نفسك فقط وتترك البنت وحدها تتكلم ؟ ها هي تواصل الحديث من طرف واحد كأنها تتحدث إلي جدار أصم‏.‏
ما هو تصورك لهذه الندوة؟ وما هي أهم النقاط التي يمكن أن يتناولها حديثك ؟
آه‏..‏ ها هي البنت تجرك جرا إلي الحديث‏,‏ ماذا تفعل معك‏..‏ لقد ملت صمتك‏..‏ آه يا حسناء‏..‏ فليكن الحديث في السياسة‏,‏ أليست السياسة تتعلق بكل شئون الناس‏,‏ حتي الحب‏,‏ حتي الحب أيضا سياسة‏,‏ فلتسمعي إذن يا حسناء‏,‏ فلتسمعي تلك المحاضرة‏.‏
للملكية الزراعية في مصر تاريخ قديم موغل في القدم‏,‏ فقد ارتبطت هذه الملكية كما يري جمال حمدان بطبيعة مصر مجتمع نهري‏,‏ ففي بيئة الري كمصر لابد من إحكام السيطرة علي النهر‏,‏ وقد أدي هذا إلي حكومة مركزية تحكم قبضتها علي النهر‏,‏ وتمخضت التطورات عن الفرعون كرأس لهذه الحكومة‏,‏ وإذا كان فرعون تحول إلي الملك الإله فبصفته أساسا كضابط للنهر‏,‏ وأصبح العقد الاجتماعي بين الشعب والفرعون قائما علي الماء‏..‏ أعطني أرضك وجهدك أعطك مائي‏,‏ وهكذا تحولت مصر إلي ضيعة كبري للحاكم‏,‏ وإذا كان فرعون وحده يملك ثلث أرض مصر‏,‏ لذا لم يكن غريبا أن يتباهي فرعون قائلا‏:‏ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي
ياه‏..‏ جمال حمدان مرة واحدة‏,‏ يا نهارك اسود‏.‏ نهارك مش فايت‏,‏ أنت لن تنتهي أبدا من هذا الحديث جمال حمدان كفيل بأن تظل تتكلم أسبوعا كاملا دون لحظة سكوت‏..‏ جمال حمدان عظيم‏...‏ لم نقل شيئا‏..‏ لكن هذا ليس وقته أبدا‏..‏ هذا وقت جبران خليل جبران لا جمال حمدان‏,‏ حتي فاروق جويدة كان أرحم من جمال حمدان‏...‏ لكن ها أنت تندفع وتتدفق في حديث الأرض‏..‏ عظيم جدا‏..‏ ها أنت قد انتهيت من الفراعنة وجمال حمدان‏,‏ أنت رائع‏,‏ لكنك مازلت تتحدث عن اليونان والرومان‏,‏ عن مصر التي كانت سلة الغلال للإمبراطورية الرومانية‏,‏ عن عصور الشهداء‏,‏ هأنت تعيد وتزيد‏,‏ تستعرض الوقائع والأحداث‏,‏ تؤيد حديثك بالأرقام‏..‏ قال الخصب‏:‏ إنني ذاهب إلي مصر‏,‏ قال له الذل‏:‏ خذني معك‏..‏ هل كان الخصب هو السبب في الذل؟ هل كان النيل إذن هو السر في الطغيان‏..‏ لا النيل برئ‏..‏ النيل برئ‏..‏ سبب الطغيان هو الطغيان نفسه‏,‏ سبب الطغيان هو القابلية للطغيان‏,‏ هو سكوت الناس علي الطغيان‏..‏ يا فرعون إيش فرعنك‏..‏ ما لقيتش حد يردني‏..‏ ما هذا يا رجل؟‏!‏ ما هذا التدفق ؟ ما هذه الحرارة ؟ علي رسلك‏,‏ أنت لست في حصة مدرسية‏,‏ ولا في مؤتمر علمي‏,‏ لماذا هذه الاستفاضة وهذه الشروح؟ البنت لم تكن تريد هذا كله‏..‏ بل لعلها لم تكن تريد شيئا من هذا كله‏,‏ كانت مجرد وسيلة منها لتتجاذب معك الحديث بعد أن أبصرت القفل الكبير علي فمك‏..‏ لكن كيف بالله تستطيع أن تفكر في موضوع وتتحدث في موضوع آخر تماما‏..‏ يا ربي‏..‏ هل قلبان في جوفك‏!‏ قلب لك وقلب عليك‏,‏ قلب لقلبك وقلب للسانك‏!‏ ها هو لسانك الذرب يثرثر‏,‏ ها هو ذا يتحدث في السياسة‏,‏ مازلت تتحدث في السياسة‏..‏ أنت ما صدقت أمسكت بالميكروفون‏..‏ يا لفرحتك بالميكروفون‏..‏ أنت الآن تخطب‏..‏ تظن نفسك في مؤتمر جماهيري‏..‏ ها هو تصفيق الجماهير المحتشدة يصم أذنيك‏..‏ أنت الآن تناضل في غير ميدان‏,‏ كمن يعظ في حانة‏,‏كمن يشرب الخمر في مسجد‏,‏ أنت الآن في معبد الحب والجمال‏,‏ فلماذا السياسة‏..‏ لعن الله السياسة‏,‏ لعن الله ساس ويسوس وسياسة‏..‏ لكنك تواصل الحديث و في السياسة‏,‏ أنت تكذب علي نفسك‏,‏ أنت تهرب من حديث القلب‏,‏ أين تصميمك طوال النهار‏,‏ أين عزمك الحديد‏..‏ ماذا تنتظر يا رجل‏,‏ لعلك تنتظر أن تفاتحك هي بحبها لك‏,‏ ألم تفاتحك يا رجل‏..‏ بلي فاتحتك مرارا وتكرارا بمجيئها لبيتكم حتي لو كانت الحجة الظاهرة استعارة كتاب‏,‏ فاتحتك باهتمامها الزائد بك‏,‏ بسمتها الجميلة حين تلقاك‏,‏ ليس هذا فقط‏,‏ ألم تعلن عليك حبها جهارا حين قرأت عليك قصيدتها ذات يوم قريب‏.‏
يحتمل أن تنشق الأرض
فيصاعد رجل يلهمني الشعر
يحتمل أن ينشق القلب
فيصاعد من بين جوانبه
شعر
يخلق لي رجلا
يدفئني كالأرض
ياه مازلت تحفظ القصيدة‏,‏ أيام كثيرة مرت ومازلت تحفظ القصيدة‏,‏ لماذا ارتبكت إذن حين سمعت القصيدة‏..‏ ألم تر الخفر الحلو وهو يشتعل في وجنتيها وهي تهمس بالكلمات‏,‏ ألم تشعر بارتجافة شفتيها وهي تتغني بالحروف‏,‏ ما أجمل الحروف علي شفتيها الجميلتين‏,‏ ألم تشعر بسهام عينيها وهي مصوبة إليك‏,‏ عيناها كانتا تقولان صراحة إنك هذا الرجل الذي في القصيدة‏,‏ كانت الكلمات تصاعد حري متوهجة بنار القلب‏,‏ الكلمات الحري أشعلت البراكين الخامدة في قلبك‏...‏ لماذا لم تستثمر هذه النار المتأججة وتقبلها علي الفور‏,‏ لكنك تغافلت عن هذا كله‏,‏ تركت النار ترعي في قلبك وأخذت تتعامل مع القصيدة كناقد للشعر‏,‏ تناولت مبضع الناقد وأخذت تشرح القصيدة‏...‏ بمبضعك الصدئ أخذت تشرح القصيدة‏..‏ الوزن والقافية‏..‏ الصور والبلاغة‏..‏ حتي استحالت الروح المتوهجة بين يديك إلي رماد‏..‏ إلي جثة ميتة‏..‏ أي خيبة يا أخيب العاشقين‏,‏ ومن يومها لم تعد البنت تطلعك علي شعرها‏..‏ امتنعت تماما‏,‏ كلما سألتها عن قصائدها تغمغم بكلمات مبهمة كأنها أخذت قرارا حاسما ألا تطلعك علي شعرها‏,‏ البنت خافت ولها حق أن يبوح الشعر بأسرار القلب لمن لا يقدر عظمة هذا البوح‏..‏ وها هي ذي مازالت تنتظر منك أن تبدأ أو تبادر لكن هاأنت ذا تواصل حديثك في السياسة‏..‏ أنت وصلت الآن إلي الفتح الإسلامي‏..‏ هذا جميل مازال أمامك الفاطميون والمماليك والعثمانيون حتي تصل إلي محمد علي‏..‏ يا رجل حرام عليك‏..‏ أنت تتصرف كأبطال يوسف السباعي حين كانوا يحدثون حبيباتهم عن إنجازات الثورة العظيمة وأمجاد السد العالي‏..‏ تذكر يا رجل أنك لم تأت لطنطا إلا لغرض واحد ووحيد أن تعلن عليها حبك‏,‏ أنت وصلت إلي طنطا في العاشرة صباحا ومع أنك لم تنم لحظة واحدة في ليلتك السوداء إلا أنك قضيت الوقت كله انتظارا لهذه اللحظة فهل تضيع أيضا هذه اللحظة؟
ألا تذكر لطعتك علي المقهي انتظارا لطلعتها عليك‏..‏ ألا تذكر لفتاتك ونظراتك‏,‏ قيامك وجلوسك‏,‏ حتي شك فيك النادل وسأل بارتياب فيه حاجة يا أستاذ ألا تذكر كيف انتترت مفزوعا حين لمحت خيالها من بعيد‏,‏ كيف هرولت بأقصي سرعة لكنك فوجئت بالنادل يهرول خلفك زاعقا الحساب يا أستاذ وقتها شعرت إنك هبطت من السماء إلي الأرض‏..‏ كانت روحك لا تزال تحلق في السموات العلا‏,‏ بينما كانت قدماك تسوخان في ردغة الواقع النتنة‏,‏ ذهلت حين أبصرت حقيبتك لاتزال مكانها علي الطاولة وبجانبها علبة السجائر والولاعة‏,‏ أجزلت العطاء للنادل حتي لايظن بك الظنون‏,‏ والتقطت حقيبتك وطرت لتكون في شرف استقبالها‏,‏ فلماذا تتمادي الآن في حديث الأرض‏,‏ لماذا لاتترك الأرض فورا وتعرج في السماء‏..‏ أنت بدأت بداية جيدة‏,‏ جيدة جدا حين استبقيت يدها في يدك لمدة أطول من المصافحة العادية‏,‏ كنت فارسا من فرسان العصور الوسطي حين ضغطت يدها بقوة‏,‏ أنت اعتصرت يديها عصرا لماذا لم تظل علي هذه الشجاعة‏..‏ لماذا لم تحتفظ بهذا الإقدام‏,‏ لماذا تبخرت شجاعتك فور أن جلست بجانبها‏...‏
هاهي تحول وجهها عنك‏,‏ لعلها ضاقت بحديث السياسة‏..‏ لها حق‏,‏ لها ألف حق‏..‏ لا‏...‏ لا‏...‏ إنها تحاول إغلاق النافذة‏,‏ التيار شديد حقا‏,‏ لماذا لم تحس أنت بهذا التيار‏,‏ إنها تخفق في إغلاق النافذة‏,‏ فلتقم أنت بإغلاقها ياربي نحن في شبشير الحصة آه بقيت عشر دقائق أو أقل وتأتيصفط تراب لكن ياربي ماهذه الكهرباء التي تسري في جسدي‏,‏ الآن ذراعك مس جانبا من صدرها رغما عنك تتكهرب بهذا الشكل‏,‏ آه ما لهذا التصلب أسفلك يالعار‏...‏ أي عار هذا‏...‏ لماذا تخجل يارجل ولماذا هذا العرق الغزير لماذا تخجل‏..‏ من أي شيء تخجل‏..‏ هذه مشاعر طبيعية جدا تجاه فتاة تحبها‏,‏ ألست رجلا ألست رجلا يارجل‏,‏ لماذا تخجل‏...‏ آه نسيت أنت حنبلي أنت طهراني أنت بيوريتاني كما يحلو لأصدقائك التقدميين أن يصفوك‏,‏ لكن هل يعني هذا أن تخجل من بشريتك‏,‏ أنت بشر ياسيدي أنت بشر طيب ياعم لاتغضب‏,‏ أنت ولي من أولياء الله‏..‏ أنت ملاك هبط من السماء‏..‏ أنت الملاك الذي هبط علي صفط تراب‏...‏ سوف يقيمون لك مقاما بجوار سيدي عبدالله بن الحارث‏...‏ ياسيدي‏...‏ ياولي الله دعك من الجسد وأدران الجسد‏...‏ دعك من الطين وحمأة الطين‏..‏ حلق في السموات العلا‏...‏ اعرج في معارج الروح‏,‏ لم نطلب منك أكثر من هذا‏,‏ تكلم عن أشواق القلب ولو اعج الفؤاد وإشراقات الروح‏,‏ حلق في فضائك الأثيري لكن أين فضاؤك يارجل‏...‏ اخلق فضاءك أولا حتي تستطيع أن تحلق فيه كما تشاء هاهي ذي فرصتك الأخيرة ياصاحب الكرامات فأظهر كرامتك‏...‏ لكن ياربي‏..‏ ماذا تقول‏...‏ مازلت سادرا في غيك‏..‏ هأنت ذا تعود إلي حديث السياسة‏,‏ لماذا رجعت إلي حديث السياسة‏,‏ ألم تلاحظ أن البنت بدأت تشرد منك‏,‏ ألا تلاحظ أنها لاتكاد تجيبك إلا بآه ونعم‏,‏ لعلها اخترعت موضوع النافذة حتي تخرجك من هذا الحديث‏,‏ لماذا لم تنتهز هذه الفرصة المتاحة وتحول دفة الحديث‏,‏ كنت تستطيع أن تقول إن دفأها جعلك لاتشعر بالبرد‏...‏ ألم تكن تستطيع أن تنطق هذه الجملة الرقيقة‏...‏ هذه الجملة فقط لو قلتها لفتحت لك الطريق لكنك مازلت سادرا في غيك‏...‏ مازلت علي ضلالك القديم‏,‏
‏...‏ أنت الآن قد انتهيت من الفراعنة والرومان والبطالمة والفتح الإسلامي والفاطميين والأيوبيين‏,‏ ياه أنت وصلت الآن إلي المماليك‏..‏ هذا جميل جدا‏...‏ فترة المماليك تعطي صورة دقيقة لحياة الشعب المصري طوال عصوره‏,‏ فمن حسن الحظ أنها مسجلة يوما بيوم وساعة بساعة‏,‏ شكرا لهؤلاء المؤرخين العظام‏...‏ المقريزي وابن تغري بردي وابن إياس‏..‏ الخ الخ‏,‏ شكرا لهم‏...‏ أنت تحفظ تاريخ المماليك صما‏,‏ منذ اليوم الأول حين قتلت شجرة الدر بالقباقيب‏,‏ وحتي شنق طومان باي علي باب زويلة‏...‏ فماذا تترك وماذا تدع‏...‏ آه ياربي‏..‏ عليك فقط أن تذكر المعادلة‏...‏ تلك المعادلة البسيطة التي قرأتها عند ابن إياس‏..‏ تلك المعادلة تلخص تاريخ الشعب المصري كله‏,‏ لو أنك تذكرتها منذ اللحظة الأولي لأغناك هذا عن كل هذه الثرثرة‏...‏ آه فلتسمعي ياحسناء
لعلك تعرفين أنها المرة الوحيدة في التاريخ التي يحكم فيها العبيد شعبا من الأحرار‏...‏ هذا لم يحدث في أي بقعة من الأرض إلا في مصر‏...‏
كان العبد ينتقل من نخاس إلي نخاس حتي ينتهي به المطاف إلي مصر ليصبح سلطانا إن أسعده الحظ‏,‏ أو علي الأقل قائدا أو أميرا‏...‏ لذا كان الظلم صريحا وواضحا وبالقانون‏...‏ في عهد أحد السلاطين صدر فرمان سلطاني عرف باسم الروك الحسامي‏...‏ قسمت مصر بموجبه إلي أربعة وعشرين قيراطا‏..‏ أربعة للسلطان‏,‏ وعشرة للأمراء والأعوان‏,‏ وعشرة للجنود‏...‏
وأين نصيب الشعب المصري من هذا؟
آه أنت ظلمت البنت‏,‏ إنها تتابعك بلاشك وتنصت إليك‏,‏ وهاهي تتساءل مندهشة ومفزوعة‏,‏ إنها تسأل نفس سؤالك القديم وأنت تقرأ هذه الحسبة عند ابن إياس‏...‏ ساعتها أقفلت الكتاب وأخذت تولول وتنوح وتصرخ بأعلي صوتك
أين نصيب الشعب المصري؟
لم يكن غريبا عليك وأنت الفلاح ابن الفلاحين أن تبكي وتنوح‏...‏
الغريب حقا أنك وجدت رجلا في قامة حسين فوزي يفعل نفس فعلتك‏..‏ شعرت بأن الرجل يكاد يشد شعر رأسه وهو يتساءل أمام هذه القسمة الضيزي‏:‏
أين نصيب الشعب المصري؟
لم يكن حسين فوزي فلاحا بالمرة‏,‏ بل لم تكن لديه أي ميول اشتراكية أو ثورية‏,‏ لكنه كان ليبراليا حتي النخاع‏,‏ كان من سكان الأبراج العاجية‏,‏ لكنه مع هذا أخذ يشد شعر رأسه وهو يتساءل
أين نصيب الشعب المصري؟
حسناء الآن تسألك نفس السؤال الرهيب‏,‏ هل تقول لها نفس إجابة حسين فوزي
هل تعرفين أن الدكتور حسين فوزي أجاب عن سؤالك هذا نفس الإجابة التي قد تقولها أمي أو أمك حين تهز رأسها وتمصمص شفتيها وتقول لهم الدنيا ولنا الجنة‏..‏ حسين فوزي قال نفس الإجابة وإن صاغها صياغة تليق بمثقف كبير حين قال‏:‏
نصيب الشعب المصري هو القيراط الخامس والعشرون ومكانه مملكة السماء‏...‏
آه لماذا لم تتذكر هذه الحسبة وتذكرها لحسناء ردا علي سؤالها بدلا من تلك السياحة الطويلة في التاريخ‏..‏ هذه المعادلة تلخص تاريخ مصر بدءا من مينا حتي الآن‏...‏ كل شيء للسلطان وأعوان السلطان‏,‏ ولا شيء‏...‏ لاشيء بالمرة لشعب مصر
لم تتغير هذه المعادلة أبدا طوال التاريخ‏...‏ في الحقيقة حدثت محاولتان لتغييرها‏...‏ المرة الأولي عقب الفتح الإسلامي وعدل المسلمين الأوائل وكيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
لكنها كانت فترة قصيرة‏...‏ قصيرة جدا فسرعان ماعادت المعادلة مرة أخري‏...‏ المرة الثانية كانت عقب ثورة يوليو‏,‏ لكنها سرعان ما انتهت بعد موت عبدالناصر‏..‏
تستطيع الآن أن تكتفي بهذه الحسبة‏,‏ أم أنك تريد أن تواصل‏,‏ ليس من الضروري أن تواصل‏,‏ تستطيع أن تضرب صفحا عن العثمانيين وأن تصل فورا إلي محمد علي‏...‏ لكن يا أخي كفاية حرام عليك يا أخي كفاية حرام عليك البنت سوف يغمي عليها الآن من طفح ثقافتك أنت فتحت خرارة علمك علي الآخر يا أخي حرام علي أهلك يالبرودك يارجل يالصقاعتك يا أخي رفقا بالقوارير أنت الآن تفعل بالضبط ما فعله صديقك الشاعر سعد الدين ظل عاشقا لفتاة سنين طويلة عاجزا عن البوح‏,‏ عاجزا عن النسيان‏...‏ تعبتم كثيرا حتي تهيئوا له فرصة للانفراد بالفتاة حين أتيحت له الفرصة راح يحدثها عن تي إس إليوت وإزرا باوند المعادل الموضوعي والأرض اليباب والأرض الهباب حتي فوجيء بالبنت وهي تقوم فجأة وهي تهرول دون أن تلتفت وراءها يومها ضحكتم طويلا علي خيبة صديقكم حين عاد إليكم وهو علي وشك البكاء هأنت ذا الآن تفعل كما فعل صديقك بل أسوأ ممافعل هاهي العربة غادرت شيشير منذ دقائق بل هي الآن علي مشارف محلة روح وفي أقل من خمس دقائق سوف تكون في صفط تراب‏..‏ ياأخي خلص ولخص‏..‏ تخلص من طين الأرض‏..‏ تشعب بالحديث قليلا علك تصل الي منابع قلبك‏,‏ لكنك ما زلت رغم كل شيء تواصل الحديث في السياسة الحرب العالمية الأولي والأزمة الاقتصادية في الثلاثينيات الأوضاع السيئة للفلاحين وقتها دور كبار الإقطاعيين واليهود‏1111‏ ه أنت وصلت لليهود لن تنتهي إذن أبدا ماذا يارجل تراجع قليلا الثورة لن تقوم اليوم الثورة ليست علي الأبواب ياأخي أجل الثورة قليلا حتي لو كانت الثورة سوف تقوم غدا ماذا يمنعك أن تغرس وردة في قلب البنت قبل أن تقوم الثورة ها هي ذي محلة روح قد أتت ولا مفر بقيت خمس دقائق وتأتي صفط تراب فلا مفر أسرع أيها الجبان أوقف الحديث في السياسة أوقفه بسرعة حمدا لله مزلقان السكة الحديد مغلق هذا وقت إضافي ساقه لك القدر انتهز هذه الفرصة وأوقف الفرامل حول في اتجاه قلبك كل الظروف الآن في صفك الطبيعة كلها معك الكون كله يتآزر معك من زجل أن تعلن حبك حتي السكك الحديدية السكة الحديد أخرت القطار حتي يغلق المزلقان وتكسب هذا الوقت الإضافي كل الظروف مهيأة لك الطبيعة كلها معك والكون كله الكون كله قائم علي العشق الكون كله عاشق ومعشوق في وقت معا أنت الوحيد الشاذ أنت الوحيد في هذا الكون الخارج علي قانون الكون هذا وقت إضافي جاءتك معجزة أخيرة فلتنتهزالفرصة ولتجترح المعجزة فلتنتظر الفرصة التي جاءتك كهدية من السماء ولتجترح المعجزة‏.‏ ياااه هأنت قد نطقت أخيرا لكن حيث الأرض حديث يطول وأنا أريدك الآن في شيء آخر مهم يااااه أنت بطل أنت مقدام لكن لماذا هذا العرق الغزير لماذا تحس وكأنك مقدم علي معركة لماذا تتمني لو لم تكن نطقت هذه الكلمات ها هي حسناء تنظر إليك وتنتظر ها هي ذي تحدق فيك بقوة ها هو ذا وجهها يحمر ووجنتاها تتقدان والغمازتان تتراقصان ها هي ذي ترنو إليك كأنها تحلم أي مصيبة ورطت نفسك فيها الان‏...‏
حسناء
في حلم أنا أم في علم‏...‏ لعلي أحلم‏,‏ أخيرا وأخيرا جدا سوف يتكلم‏..‏ سوف يبوح‏,‏ أخيرا وأخيرا جدا قرر الفارس‏..‏ قرر الفارس النبيل أن يخطف حبيبته علي حصانه الأبيض ويطير الي السماء‏..‏ لكن ياربي أين الحصان‏..‏ حصان الحلم الجموح‏.‏ أين الجواد الذي كان يحلق بنا في الفضاء كل ليلة‏...‏ بل أين الفارس‏..‏ أين الفارس حقا‏..‏ رباه‏..‏ هل يتلعثم الفرسان‏..‏ كيف يتلعثم الفارس بهذه الطريقة؟ كيف لا يستطيع أن يقول كلمة‏..‏ كلمة واحدة من أربعة حروف لن تكلفه شيئا لكنها تساوي عندي الدنيا بأكملها‏..‏ ياربي لقد لمحت الكلمة علي شفتيه‏..‏ الحروف كانت مرسومة علي شفتيه‏,‏ لكنه سرعان ما ابتلعها بالله عليك‏,‏ لماذا ابتلعت الكلمة‏,‏ كم مرة ابتلعتها هذه الكلمة‏..‏ هذه الكلمة أنتظرها منذ دهور‏..‏ منذ خمس سنوات وربما أكثر وأنا أنتظر هذه الكلمة‏,‏ كم مرة لمحت الكلمة علي شفتيك وما يكاد قلبي يتهيأ للرقص حتي تختفي الكلمة‏,‏ سرعان ما تختفي الكلمة‏,‏ بالله عليك كيف تبتلع الكلمة‏..‏ لماذا يخونك لسانك الذرب كلما اقتربت من هذه الكلمة‏,‏ لماذا تتعثر الحروف علي فمك وتهرب منك الكلمات‏,‏ أين ذهبت فصاحتك التي كانت وأنت تتدفق كالسيل الجارف في التاريخ والسياسة‏,‏ ما هذا التلعثم الآن‏,‏ وما هذا العرق الغزير ونحن في عز الشتاء‏..‏ ما هذا يارجل‏..‏ لست داخلا علي معركة ولا مقبلا علي عدو‏,‏ أنت في حضرة حبيبتك‏..‏ حبيبتك التي تنتظر هذه الكلمة‏..‏ الكلمة المعلقة الآن في شفتيك‏..‏ حياتي كلها معلقة الآن علي شفتيك‏..‏ هل تريد أن أمد يدي وأستل الكلمة من شفتيك‏,‏ أم أنك تنتظر أن أن أبادئك أنا‏..‏ أن أقولها أنا بدلا منك‏..‏ أهذا ما تنتظره ياحبة القلب‏..‏ لكني قلتها‏..‏قلتها ياحبيبي‏..‏ قلتها مرارا وتكرارا‏..‏ هل تنكر أني قلتها لك‏,‏ قلتها بالأفعال قبل الكلمات‏..‏ كم جئتك بأسباب ملفقة‏,‏ ما أكثر أسبابي وعلاتي‏..‏ كم استعرت منك كتبا لا أريد بعضها أحيانا‏..‏ لكنك في كل مرة كنت تردني خائبة‏..‏ ليتك حتي كنت تردني خائبة تمام الخيبة‏..‏ ليتك كنت تردني يائسة‏,‏ فاليأس إحدي الراحتين‏,‏ لكنك في كل مرة كنت تترك ثغرة‏..‏ يالخبثك يارجل ويالذكائك‏,‏ كنت تترك ثغرة ضيقة ينفذ منها شعاع ضئيل من الضوء‏,‏ بصيص من أمل‏,‏ جعلتني أتأرجح دائما بين اليأس والأمل‏,‏ لم يعد هناك وقت لهذه المرجحة ياحبيبي‏..‏ دخلنا الآن في الجد‏..‏ ألم يبلغك النبأ الفاجع بعد‏,‏ أعتقد أن قد بلغك‏..‏ كل يوم في بيتنا خناقة حارة فالخطاب كثيرون وأنا أرفض رأتشدد في الرفض وأمي تقول بحسرة خطبوها اتعززت ومن كتر خطابها بارت‏,‏ أبي يصبر علي صبرا جميلا‏..‏ لكن الي متي هذا الصبر‏..‏ الي متي هذا الصبر الجميل‏,‏ لعل النبأ الفاجع بلغك‏.‏ وإلا فلماذا جئت اليوم رغم أنك كنت في القاهرة‏,‏ ويبدو علي وجهك التعب‏,‏ لعلك لم تنم طوال الليل‏..‏ أنت لم تقابلني بالصدفة البحتة كما تدعي دائما أيها المكار‏..‏ أيها المكار الجميل‏,‏ أنا رأيتك‏..‏ شفتك ياحبيبي وأنت تهرول حين رأيتني قادمة من بعيد‏,‏ شفتك وأنت تهرول ناسيا شنطتك ووقارك يادكتور‏,‏ كدت أفطس من الضحك والجرسون يناديك الحساب ياأستاذ شفتك وأنت تتعثر في خجلك عائدا الي المقهي لتلتقط شنطتك ثم تهرول ثانية لتكون في استقبالي‏,‏ ثم تدعي أن هذا اللقاء جاء بالصدفة‏..‏ أنا رأيت هذا كله‏..‏ ليست هذه المرة الأولي‏,‏ أنا أعرف ركنك في هذا المقهي‏..‏ هذا المقهي المطل علي المحطة‏..‏ هذا الركن الذي تستطيع أن تلمحني منه علي البعد‏,‏ كل مرة كنت أتلصص علي هذا الركن‏,‏ وفي كل مرة أتخيل أنك جالس تنتظرني‏,‏ كنت أحزن دائما المرة التي لا ألقاك فيها جالسا في هذا الركن‏..‏ لكنك في كل مرة تدعي أن لقاءنا تم صدفة‏..‏ ما أحلي صدفك ياحبيبي‏..‏ رب صدفة خير من ألف ميعاد‏..‏ لكن هل عرفت حقا الحرائق التي تشتعل في بيتنا‏,‏ أنت قريب من أبي‏,‏ ولعلك تعرف أخبارنا أولا بأول‏,‏ ففيم الانتظار؟ هل تريدني أن أقول لك‏:‏ جاءني عريس‏..‏ ليس عريسا واحدا ياحبيبي‏,‏ عشرون عريسا‏..‏ أموت ياحبيبي قبل أن أفتح فمي بكلمة عن هذا‏,‏ أنت قلت الآن‏:‏ إنك تريدني في موضوع آخر مهم‏,‏ فلماذا لا تتكلم في هذا الموضوع المهم‏..‏ هذا الموضوع أعرفه أنا تمام المعرفة‏,‏ فماذا تنتظر؟ لماذا لا تتكلم‏,‏ الوقت ليس في صالحنا‏,‏ علاقتنا تدخل الآن مرحلة جديدة‏..‏ إما حياة وإما ممات‏..‏ فماذا تنتظر‏,‏ لماذا تتباطأ ياسيد المتباطئين‏..‏ قل لي بالله‏:‏ ماذا أفعل ماذا أفعل معك‏,‏ بالله عليك ماذا أفعل معك يارجل؟ بذلت كل ما في وسعي‏,‏ ألم أقلها لك يارجل‏,‏ ألم أقلها لك صراحة يارجل‏..‏ بل قلتها صريحة‏..‏ قلتها في القصيدة‏..‏ القصيدة كتبت عنك ولك‏,‏ القصيدة كانت عنك وإليك‏..‏ بدماء قلبي قلتها لك‏,‏ وبكل ما في جوانحي من شجن أسمعتها لك‏..‏ غنيتها لك‏..‏ كيف لم تعرف وأنت العاشق القديم للشعر أن القصيدة كانت لك وعنك‏,‏ لعلك عرفت‏,‏ قلبي يحدثني أنك عرفت‏,‏ لهجتك المتعالية في التعامل مع القصيدة‏,‏ طريقتك الغريبة في نقدها‏..‏ كل هذا يجعلني أتأكد الان أنك عرفت‏..‏ عرفت أنك موضوع القصيدة‏..‏ أنك الرجل الذي يسكن في القصيدة‏..‏ هل لهذا تعاملت مع القصيدة بضراوة لم ألمسهامنك حتي مع شخبطاتي الأولي‏..‏ ألا تذكر ذلك اليوم البعيد‏..‏ ألا تذكر تلك اللحظة السعيدة التي تعرفت فيها عليك‏..‏ كنا أثناء الفسحة وأنا أجلس وحدي في الفصل منخرطة في بكاء شديد حين شعرت بيد حانية تمتد الي‏,‏ وحين فتحت عيني وجدتك أمامي‏,‏ لم نكن قد تبادلنا كلمة واحدة حتي هذه اللحظة‏,‏ لم أكن أعرف عنك إلا أنك مدرس التاريخ المعين حديثا بالمدرسة‏..‏ حين سألتني عن سبب بكائي تلعثمت وترددت طويلا لكن أمام إلحاحك العطوف وجدتني أبوح لك بالسبب‏,‏ ووجدتك تضحك بشدة حين بحت لك بالسبب‏..‏ كان مدرس العربي قد أهانني إهانة بالغة حين أطلعته علي بعض أشعاري‏,‏ كانت مجرد بدايات‏,‏ لكن المدرس أخذ يتهكم علي بطريقة أضحكت زملائي ياشيخة عيشي عيشة أهلك‏..‏ أنت عايزة تعملي زي الخنساء ولا مي زيادة‏..‏ ياشيخة عيشي عيشة أهلك‏..‏ مش ناقص إلا صفط تراب تطلع شعراء‏,‏ لا وشاعرات كمان‏..‏ وعلت ضحكاتك أكثر حين سمعتني أقلد لهجة المدرس وهو يختم كلامه متفاصحا‏:‏
كيف يخرج التبر من التراب‏..‏ إن هذا لشيء عجاب ووجدتني أضحك لضحكاتك‏,‏ وأعطيك القصائد‏,‏ أبديت إعجابك الشديد بها رغم أنك أخرجت قلمك الأحمر وأجريت بعض التصحيحات‏,‏ ثم وجدتك تحدثني عن شيء كنت أسمع عنه للمرة الأولي‏..‏ العروض وموسيقي الشعر‏,‏ لكنك أضفت أن قصائدي موزونة بالسليقة وأنني أمتلك أذنا موسيقية‏,‏ لكن لابد من الدراسة والقراءة‏..‏ في اليوم التالي كنت تمدني بدواوين الشعر‏..‏ أنت أدخلتني مدائن العشق والحكمة ولم أخرج منها حتي الحظة‏...‏
مجنون ليلي وليلي والمجنون‏,‏ شوقي وعبد الصبور‏,‏ أمل دنقل وطاغور‏,‏ المتنبي وشكسبير‏,‏ لولاك ما درست الأدب الإنجليزي‏,‏ أنت الذي نصحتني بهذا حتي أتعرف علي تجربة أخري وعالم آخر‏..‏ لولاك ياحبيبي ما كتبت الشعر‏,‏ لولاك يامولاي ما كنت شيئا‏,‏ أنا بك ولك أكون‏..‏ فلماذا تعاملت مع قصيدتي الأخيرة بهذه القسوة‏..‏ هل لأنك عرفت أن القصيدة هي أنت وأنك أنت القصيدة‏..‏ ألهذا أمسكت هراوة الأستاذ وسوط الناقد ونزلت ضربا في القصيدة‏..‏ لابد أن القصيدة لامست شغاف قلبك ففعلت هذا لتداري ضعفك‏,‏ فعلت هذا لتداري خوفك‏..‏ أخفت أن تضعف وتبوح بحبك ياأحمد‏..‏ لماذا تخاف من هذا البوح‏..‏ هل تخشي أن أرفضك‏..‏ هل تخشي هذا حقا‏..‏ ألا تشعر بدقات قلبي المتعالية المتسارعة حين ألقاك‏..‏ ألا تشعر بهذا حقا‏..‏ منذ تفتحت عيناي علي الدنيا وأنا أحبك‏..‏ لم أعرف رجلا إلا أنت‏..‏ تفتحت أنوثتي عليك‏..‏ فلماذا لا تأخذني إليك‏..‏ لماذا تتعثر الكلمات علي شفتيك‏..‏ أسرع يارجل فقد انفتح المزلقان‏,‏ ها هي صفط تراب تقترب فقد انفتح المزلقان‏,‏ هل سيظل هذا القفل الكبير علي فمك‏,‏ فلأ حاول محاولة أخيرة أن أخلع هذا القفل الكبير‏,‏
كنت تريد أن تقول شيئا‏..‏ خير
آه لماذا تروغ بعينيك بعيدا عني‏,‏ هل تخجل مني‏..‏ هل تخجل من حبيبتك‏..‏ آه‏,‏ هزنت أخيرا تفتح شفتيك‏,‏ ها أنت تتكلم‏,‏ ها هي الحروف تتجمع‏,‏ تري هل تنطق الكلمة أخيرا‏,‏ سوف تنطلق الكلمة‏..‏ ياالله‏..‏ ماذا تقول‏..‏ يالغرابة ما تقول‏..‏ هذه ليست الكلمة‏..‏ هذه ليست الحروف التي لمحتها علي شفتيك‏..‏ هذه حروف أخري غريبة‏..‏ ما هذا الكلام الغريب‏..‏ زميل لك في نفس سنك تقريبا يحب واحدة في نفس سني‏..‏ ياالله‏..‏ لماذا في نفس سني وسنك‏,‏ أم أنه شيء في نفس يعقوب‏,‏ وزميلك هذا يريد أن يصارح حبيبته لكنه يخاف‏,‏ تري مم يخاف؟ أهذه آخرة صبري أن تحكي عن زميلك وزميلتي ونفس سنك ونفس سني‏,‏ لكن ياالله لماذا يدق قلبي الآن بعنف‏,‏ ألا تسمع قرع الطبول ودقات الصنوج يارجل؟ لماذا رقصة الفرح تهز بدني كله‏,‏ ألا تشعر بهذا يارجل‏,‏ أهذه الفرحة تغمرني لأنك تقول هذه الكلمات البائسة‏,‏ أم لأنك تقترب‏,‏ هأنت اقتربت جدا‏..‏ هأ انت قاب قوسين أو أدني‏.‏ هاأنت علي حافة البوح‏,‏ فدعك ياحبة القلب من زميلك وزميلتي وقل لي فورا ودون تأجيل أحبك‏..‏ أحبك ياحسناء‏..‏ قلها يارجل ولا تلف ولا تدور‏,‏ لماذا تلف وتدور‏..‏ ها هو ذا الأتوبيس يسرع‏,‏ ها هي صفط تراب تقترب‏,‏ وقد تكون هذه فرصتنا الأخيرة‏...‏ لماذا تسرع أيها السائق‏.‏ لماذا أيها السائق المتهور‏..‏ أيها السائق مهلا‏..‏ هل طارت الدنيا‏..‏ أيها السائق اتئد فالعجلة من الشيطان‏..‏ رفقا أيها السائق بالقلوب المتعبة‏..‏ رفقا بقلوب العاشقين‏..‏ تمهل أيها السائق تمهل قليلا حتي يجف عرق حبيبي‏,‏ ويبوح القلب بما فيه‏,‏ لكن لماذا هذا العرق أيها الأحمق‏..‏ أنت الآن اقتربت‏..‏ اقتربت جدا‏.‏ ليتك بدأت هكذا من أول الطريق‏,‏ أنت بدأت بداية ممتازة حين ضغطت يدي بهذه القوة‏,‏ هذي كانت ضغطتك الأولي‏..‏ يا لقوة يديك يارجل‏,‏ حين اعتصرت يدي كاد قلبي يزغرد من الفرحة لكنك سرعان مانكصت علي عقبيك‏...‏ أضعت الوقت الثمين كله في حصة التاريخ‏..‏ كانت حصة مفيدة‏..‏ مفيدة جدا لا أنكر‏,‏ لكن ليس هذا وقتها أبدا‏,‏ يا لبلاغتك وأنت تتحدث عن مصر وتاريخ مصر‏,‏ يا لشدة حبك لمصر‏,‏ جعلتني أغار عليك من مصر‏,‏ رغم أني أحبها مثلك‏...‏ لكن مصر يا حبيبي عشاقها كثيرون وليس لي إلا حبيبا واحدا هو أنت‏...‏
أنت تطالب بالعدل لمصر ولشعب مصر‏,‏ فلماذا لاتكون عادلا معي‏..‏ في محاضرتك الطويلة قلت أن مصر لم تشهد طوال تاريخها إلا فترتين قصيرتين من العدل‏...‏ مصر علي الأقل شهدت فترتين من العدل علي حد قولك‏...‏ أما أنا فلم أشهد علي يديك لحظة واحدة من العدل‏...‏ كيف تطالب بالعدل للناس وأنت ظالم آه ياظالمي‏!‏ أنت جعلتني أندم لأنني سألتك هذا السؤال‏...‏ كان مجرد وسيلة لفتح الكلام‏..‏ لكنك ما صدقت أمسكت بالميكروفون‏...‏ هل صرت تحب الميكروفون‏...‏ لم أعرف عنك هذا أبدا‏...‏ هل تخيلت يا حبيبي أنك تخطب في أهل البلد‏..‏ هل تخيلت الجماهير يملأون الساحة‏..‏ ماهذا يارجل‏..‏ لكل مقام مقال‏.‏
ثم تأتي الآن لتلف وتدور وزميلتي وزميلتك وكلام المسلسلات البايخ‏,‏ والله لأوريك النجوم في عز الظهر فلأعابثك‏,‏ لأعابثك قليلا ياحبيبي علك تفيق‏,‏ علك تفيق من نومك الذي طال‏.‏
لماذا لايرسل صديقك بمشكلته إلي باب قلوب حائرة؟
هل ارتبكت ياحبيبي‏,‏ هاهو العرق ينضح من مسامك كلها‏..‏ ياربي ماذا فعلت‏..‏ هل جئت أكحلها فعميتها‏...‏ لماذا لا أحاول أن أصلح ما أفسدته
لماذا لايصارح زميلك حبيبته علي الفور؟
إنه يخاف
مم يخاف
فارق السن‏,‏ قلت لك إنه في مثل سني وهي في مثل سنك‏,‏ خمس عشرة سنة ليست بالفارق الهين
هأنت ذا تقترب‏..‏ المحطة أيضا تقترب‏,,‏ تري من ذا الذي سيفوز في هذا السباق‏,‏ صفط تراب تقترب‏..‏ تقترب‏..‏ لماذا لايواصل السائق طريقه‏...‏ ألا بد أن يتوقف الأتوبيس في صفط تراب‏...‏ لماذا لايواصل طريقه إلي المحلة‏,‏ لكن هل ستنفك عقدة لسانك في المحلة‏..‏ هل ستبوح ياحبيبي حين نصل إلي المحلة‏,‏ أم أنك ستؤجل الأمر كله لفرصة أخري‏..‏ للأسف ياحبيبي ليست هناك فرصة أخري‏,‏ هذه فرصتنا الأخيرة‏,‏ فلننتهز هذه الفرصة الأخيرة‏..‏
لماذا لايواصل السائق طريقه ولايتوقف إلا في آخر الدنيا‏..‏ لماذا لايقتحم الأتوبيس الحدود‏,‏ يقفز فوق الحواجز والسدود‏,‏ لماذا لايصعد الهضاب والجبال‏,‏ ويهبط الوهاد والوديان حتي يصل إلي آخر الدنيا‏..‏ هل هذا الوقت كاف لك ياحبيبي‏.‏
هل لو وصلنا لآخر الدنيا تكون قد استجمعت شجاعتك لتقول لي بوضوح وصراحة‏:‏ أحبك‏..‏ أحبك يا حسناء‏,‏ لكن لماذا أتركك في حيرتك ياحبيبي‏,‏ وأزيد من ارتباكك‏,‏ لماذا لا أساعدك وأحفزك علي الكلام؟‏!‏
أليس هناك أي نوع من الكلام بينهما‏,‏ ألا يلتقيان تحت أي ظروف
هناك كلام كثير‏,‏ إنها كانت تلميذته وهما يتقابلان أحيانا في المواصلات‏,‏ ويعيرها كتبا أخري‏,‏ وأحيانا تطلعه علي بعض قصائد‏...‏
آه ياحبيبي‏.‏ لماذا احمر وجهك فجأة وتعثرت الحروف علي فمك فلم تخرج‏..‏ يا لقدرتك الهائلة علي ابتلاع الكلمات‏..‏ لماذا لم تكمل الكلمة‏...‏ أكمل بالله عليك‏..‏ كنت ستقول قصائدها‏,‏ فلماذا ابتلعت الحروف‏,‏ زميلتي كانت تلميذة لزميلك‏,‏ وأنا أيضا كنت تلميذة لك‏...‏ ياللمصادفات السعيدة‏,‏ أما أن تكتب زميلتي شعرا هي الآخري فلعلك وجدتها مصادفة بعيدة‏..‏ هل مستحيل أن تكون زميلتي شاعرة هي الأخري‏..‏ هذا رائع‏..‏ ماهذا التماهي بيني وبين زميلتي وبينك وبين زميلك‏..‏ لم يبق إلا أن تقول إن زميلتي اسمها حسناء‏..‏ حسناء الهنداوي وأن زميلك هو أحمد‏..‏ أحمد عبدالله مدرس التاريخ‏,‏ آه والحاصل علي دكتوراه في التاريخ‏..‏ آه ياحبيبي لم يعد هناك وقت لهذه الألعاب الصغيرة‏...‏ آه ياحبيبي لو تتحول هذه العربة إلي سفينة فضاء‏...‏ تعرج بنا إلي السماوات العلا‏..‏ حيث نضرب في آفاق الكون‏,‏ ندور بين الكواكب والنجوم‏,‏ آه لو نتحول أنا وأنت إلي نجمتين جاريتين‏/‏ من شرفة واحدة مطلعنا‏/‏ في غيمة واحدة مضجعنا‏/‏ نضيء للعشاق وحدهم‏/‏ وللمسافرين نحو ديار العشق والمحبة‏(*)..‏ لو حدث هذا ياحبيبي فمن حقك أن تتدلل كما تشاء‏..‏ وأن تتلعثم كما تشاء‏..‏ لكننا هنا علي الأرض‏..‏ هنا والآن نريد بعضا من السرعة‏..‏ قليلا من السرعة‏..‏ بل كثيرا من السرعة‏..‏ لابد هنا والآن أن نكون أسرع من السرعة نفسها‏..‏ لكن اسمح لي ياحبة القلب أن أضربك ضربة قوية علي رأسك علك تفيق‏,‏ لكن علي قبل أن أوجه إليه هذه الضربة أن أقول لك كلمة رقيقة علها تخفف عنك قليلا من عنف الضربة‏,‏ فلتسمع ياحبيبي كلمتي الأولي الرقيقة‏.‏
أولا فارق السن بينهما ليس مهما مادام هناك حب‏.‏
هل سمعت هذا ياحبيبي‏,‏ لعلك ارتحت قليلا‏,‏ طيب تعال الآن للمهم‏,‏ اسمح لي أن ألقي عليك بهذه القنبلة‏,‏ فلتتحملها يا أخيب العاشقين
لكن اسمح لي‏,‏ زميلك هذا إما جبان وإما مدرس تاريخ
آه لماذا اصفر وجهك واحمر‏,‏ هل شعرت بالإهانة‏,‏ وإلا فلماذا تصرخ بهذه الطريقة‏.‏
صديقي ليس جبانا‏,‏ ولكن مامعني حكاية مدرس التاريخ هذه‏..‏ ماعلاقة تدريس التاريخ بموضوعنا
له علاقة وطيدة يا أستاذي‏..‏ المؤرخون وأنت سيد العارفين لايميلون إلي تناول الأحداث المعاصرة ولعل زميلك إذا كان مدرس تاريخ فهو لن يصارح حبيبته إلا بعد أن تصبح أثرا بعد أن تصبح مومياء‏.‏
هل تضحك ياحبيبي‏,‏ هل أعجبتك النكتة‏,‏ أنا أعرفك‏,‏ أعرفك تمام المعرفة‏,‏ أنت تفتعل الضحكات فقط أنت الآن تغلي من الداخل‏,‏ ولعلك الآن سوف تبوح‏....‏ سوف تبوح‏,‏ إنني أغمض عيني وأنتظر‏..‏ أنتظر
هزته كلماتها الأخيرة من الأعماق‏,‏ أحس أنها صادقة رغم السخرية اللاذعة‏,‏ وجد نفسه ينتفض انتفاضه هائلة‏..‏ أراد أن يصرخ بكل قوته‏:‏
لا‏..‏ زميلي ليس جبانا‏..‏ أنا لست جبانا‏,‏ أنا هو زميلي وزميلي هو أنا‏,‏ وأنت هي زميلتك وزميلتك هي أنت‏..‏ أنت ياحسناء‏...‏ أنا أحبك‏..‏ أحبك ياحسناء‏.‏
لكن الكلمات تيبست علي شفتيه حين فاجأته صفارة الكمساري الزاعقة وصوته الجهوري صفط تراب‏..‏ اللي نازل
فصل من رواية أكان لابد ان يتوقف الأتوبيس في صفط الاتراب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.