العلاقة التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعبًا بمصر قلب العروبة النابض هي علاقة أخوية وتاريخية راسخة وثابتة، تتميز بالمحبة وبالتعاون الوثيق، وتهدف إلى تحقق تطلعات البلدين وآمال الشعبين الشقيقين من خلال تعزيز الشراكات الثنائية وتطويرها في جميع المجالات. ويرجع الفضل في تلك العلاقة الممتدة للشيخ الأمير الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، والذي امتد عطاؤه من حدود دولته إلى كل أرجاء الوطن العربي وخاصة مصر لإيمانه الشديد بأهمية التكافل والتكامل الاجتماعي بين الشعوب العربية، وهو ما جعله يستحق لقب "حكيم العرب". وتذكر المصريون عطاء هذا الرجال العظيم بشكل أكبر عن ذى قبل حين قامت مؤخرًا دولة الإمارات بإعلان وقوفها ودعمها لمصر ضد الهجمة الأمريكية والأوربية على ثورة 30 يونيو ثورة شعب مصر، وهو عطاء يتذكره المصريون أيضًا من خلال العلاقات الراسخة والمتينة بين البلدين، فضلا عن المقولات العظيمة للشيخ التي قالها الشيخ زايد في حب مصر وكانت أساس لترسيخ واستمرار تلك العلاقة ومنها وصيته لأبنائه بمصر حيث قال: "نهضة مصر نهضة العرب كلهم، وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، وهذه هي وصيتي أكررها لهم". ولم ينس المصريون قيادة وشعبًا مواقف الشيخ زايد في حرب أكتوبر 1973،حيث منع تصدير النفط للدول التي تناصر اسرائل وعلي رأسهم الولاياتالمتحدةالامريكية فعندما اشتعلت الحرب في أكتوبر عام 1973 بين العرب وإسرائيل كان الشيخ/ زايد في زيارة للعاصمة البريطانية، وكان طبيعيًا أن تتحرك الدول العربية وتقف إلى جانب شقيقاتها المشتبكة مع العدو الصهيوني. ولم يتردد الشيخ زايد لحظة واحدة في اتخاذ قراره التاريخي بدعم المعركة القومية حتى آخر فلس في خزينته، وعندما عجزت خزينته لم يتردد إن يقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية من البنوك الأجنبية في لندن وإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا، كما قام بقطع زيارته العاصمة البريطانية وعاد ليشارك الأشقاء معركتهم المصيرية، والوقوف مع دول المواجهة بكل إمكانياته المادية وثقله السياسي. وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في لندن في أكتوبر 1973 قبل عودته إلى البلاد أكد الشيخ زايد موقف بلاده في دعم دول المواجهة، ووقوفه إلى جانبهم بكل وضوح وحسم، ويومها قال كلمته الشهيرة التي تكررها الجماهير في العالم العربي في كل مناسبة سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك، ليس المال أغلى من الدم العربي وليس النفط أعلى من الدماء العربية التي اختلطت على أرض جبهة القتال في مصر وسوريا. وفضلًا عما سبق فقد وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة بتوجيه من الشيخ زايد كل ثقلها في المعركة فأجهزة الإعلام أعلنت الطوارئ القصوى في أجهزتها المختلفة، ووجهت كل طاقاتها الإعلامية لدعم المعركة، وتهيأ جيش الإمارات للتحرك في أي وقت يطلب منه المشاركة الفعلية في القتال، وفتحت الدولة رسميًا مكاتب للتطوع في المعركة، وفرضت ضريبة جهاد على التجار، والشركات العاملة، فيها ونظمت مكاتب للتبرع الشعبي، بالإضافة إلى تبرع العاملين فيها براتب شهر كامل بمبادرة ذاتية، بالإضافة إلى الرصيد الضخم الذي حدده الشيخ زايد للمعركة وقدره مائة مليون جنيه إسترليني لمساندة مصر وسوريا. ولم يتوقف عطاء الشيخ زايد بعد حرب أكتوبر بل إنه كان من أهم الداعمين مصر حتى تخرج من كبوتها، وبالفعل أسهم في إعادة إعمار مدن القناة "الإسماعيلية وبورسعيد والسويس" التي دُمرت في العدوان الإسرائيلى عليها عام 67، وفى كل مدينة من هذه المدن حى كبير باسم الشيخ زايد تسكنه آلاف الأسر ا المصرية والتي بناها لهم هذا الرجل العظيم بعد أن دمرت الحرب بيوتهم. واعترافا من جانب أهالي الإسماعيلية بجهود الرجل قاموا بعمل محطة قطار بأحد الأحياء وأطلقوا عليه اسم الشيخ زايد على الرغم من أنها لم تبعد عن محطة الإسماعيلية إلا 3 كيلو متر فقط. ومن المواقف التي لا تنسى للشيخ زايد هو قيامه عام 1991 بتحويل القرض المقدم من صندوق الائتمان الاقتصادي لأبوظبي إلى منحة لا ترد لمصر ويتم استخدامها في تنفيذ مشروعين من مشروعات التنمية الدائمة في مصر وهما مشروع امتداد ترعة الحمام بالساحل الشمالي ومشروع استصلاح وزراعة 40 ألف فدان شرق قناة السويسبسيناء. قام الشيخ زايد بعد ذلك بتخصيص 200 مليون دولار لتنفيذ مشروعات تنموية رائدة، منها استصلاح وزراعة 300 ألف فدان في منطقة النوبارية بالإسكندرية والبستان والساحل الشمالي وقام بشراء معدات زراعية وإنشاء محطات لتوليد الكهرباء بهذه المناطق. وأسهم الشيخ زايد في تنفيذ مشروع ترعة الشيخ زايد بمنطقة توشكي والتي يبلغ طولها أكثر من 8 كم والتي بلغت تكلفتها أكثر من 725 مليون جنيه لتصل الاستثمارات الموجهة لمشروع توشكي أكثر من 4 مليارات و104 ملايين جنيه. ولم يقتصر دعم الشيخ زايد لمصر في داخلها فقط، بل قام بفتح أبواب الإمارات أمام الشركات والعمالة المصرية حيث حصلت إحدى الشركات المصرية على عقد تنفيذ مشروع مد أنابيب المياه من محطة "الطويلة " بمدينة "العين" الإماراتية والتي بلغت تكلفة هذا المشروع المليار جنيه مصري. وكان لشركة المقاولون العرب نصيب أيضًا في مشاريع الإمارات، حيث حصلت على عدد من العقود لتنفيذ مشروعات بالإمارات وبلغ حجم أعمالها في عهده نحو 800 مليون درهم إماراتي، فضلا عن عقد لتطوير كورنيش ميناء المصفح الاماراتي بتكلفة 47 مليون درهم. العمالة المصرية التي كانت موجودة بالإمارات في عهد الشيخ زايد بلغت 95 ألف عامل وكانت تحظي برعاية كريمة هناك، وكان حريصًا على فتح ابواب الشركات الإماراتية أمامهم للعمل وكفالة الحياة الكريمة لهم. وقد حصلت مصر على قروض من صندوق ابوظبي للتنمية بلغت 5.3 مليارات درهم عام 2008 وتم استخدام هذه الأموال في تنفيذ بعض المشروعات منها مستشفي الشيخ زايد بجانب مشروع ضخ وتنقية المياه وتوصيلها إلى سيناء والساحل الشمالي. واعترافًا بدور الامارات في مسيرة تنميتها قامت مصر بتقدم تسهيلات كبيرة للمستثمرين الإماراتيين بهدف جذب المزيد من الاستثمارات الإماراتية إلى مصر، ويتم معاملة هؤلاء المستثمرين نفس معاملة المصريين من حيث حرية التملك والتسجيل في الشهر العقاري بجانب تأسيس مجلس رجال أعمال مصري إماراتي مشترك بين اتحاد غرف التجارة والصناعة بالإمارات والاتحاد العام للغرف التجارية بمصر. وما يؤكد أن العلاقات تنمو وتترسخ بشكل أكبر هو أنه تم تأسيس جمعية لرجال الأعمال المصريين في الإمارات، وتم إبرام اتفاق للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين واتفاق آخر للتعاون الفني والتقني في المجال الزراعي بالإضافة إلى اتفاقيتين إحداهما لتجنب الازدواج الضريبي والثانية لتشجيع وحماية الاستثمارات، رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان صحاب العقل والحكمة والقلب المليء بحب الوطن العربي.