يواصل الرئيس الأمريكي ترامب جولته الآسيوية التي تستمر قرابة أسبوع، والتي بدأها في ماليزيا ووقع خلالها اتفاقيات تجارية معها ومع كمبوديا وتايلاند، تضمنت التزامات بالمساعدة في احتواء النفوذ الصيني، ومن المقرر أن يزور اليابان يوم الاثنين، وفقًا لوكالة "فرانس برس". وفي تحرك دبلوماسي لافت، تكثف باكستان جهودها لاستمالة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهدف نهائي يتمثل في إبعاد واشنطن عن تحالفها الدفاعي المتنامي مع نيودلهي. وتعتمد إسلام أباد في استراتيجيتها على مزيج من الإطراء والهدايا الرمزية، بالإضافة إلى عرض مغرٍ لمشروع بنية تحتية بقيمة مليار دولار، وذلك وفقًا لما كشفه موقع "One-World" الأمريكي. بحسب الموقع، يتمحور العرض الباكستاني حول إنشاء ميناء جديد للمياه العميقة في منطقة "بَسني" على بحر العرب، بتكلفة تقدر بمليار دولار وبتمويل أمريكي. ولا يقتصر العرض على الميناء فحسب، بل يشمل أيضًا إمكانية وصول الولاياتالمتحدة إلى مخزونات باكستان من العناصر الأرضية النادرة والمعادن الحيوية، عبر إنشاء خطوط سكك حديدية تربط الميناء بحزام المعادن في إقليم بلوشستان. وقد تم تقديم المشروع على أنه "مشروع تجاري بحت" وليس منشأة استراتيجية، إلا أن موقعه يثير الانتباه، حيث يبعد 70 ميلًا فقط عن ميناء جوادر الذي تديره الصين، وحوالي 100 ميل عن إيران، مما يجعله، من وجهة نظر عسكرية، موقعًا "مثاليًا" لواشنطن لمراقبة خصميها الرئيسيين في المنطقة. بدأت هذه الحملة الدبلوماسية بشكل واضح خلال زيارة قام بها رئيس أركان الجيش الباكستاني، الفريق أول عاصم منير، إلى واشنطن هذا الصيف. ووصل منير مسلحًا بنقاط حوار مُعدة بعناية وهدايا رمزية، حيث سلّم الرئيس ترامب صندوقًا يحتوي على عينات من العناصر الأرضية النادرة، في خطوة تهدف إلى الترويج للثروة المعدنية في بلاده ودورها المحتمل في تقليل اعتماد الولاياتالمتحدة على الصين في هذا المجال الحيوي. يأتي هذا التحرك بعد أن تباهى الرئيس ترامب بوساطته لتهدئة التوترات الأخيرة بين الهندوباكستان، وهو ما يبدو أن القيادة العسكرية في إسلام أباد قد استغلته كفرصة لفتح قنوات تواصل جديدة مع الإدارة الأمريكية. الهدف الحقيقي وراء الكواليس يشير موقع "One-World" إلى أن هذا العرض السخي ليس مجانيًا، فالهدف الحقيقي لإسلام أباد هو تقويض الشراكة الدفاعية العميقة بين واشنطنونيودلهي، وهي العلاقة التي تشكل حجر الزاوية في استراتيجية الولاياتالمتحدة الأوسع نطاقًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. يرى مراقبون أن هذا التقارب المحتمل قد يعيد إلى الأذهان فصولًا مضطربة من تاريخ العلاقات الباكستانيةالأمريكية. فلطالما استخدمت واشنطنإسلام أباد كأداة لتنفيذ سياساتها في المنطقة، وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، كان أبرزها دعم حركات متشددة. ويستشهد المراقبون بأمثلة تاريخية، ففي عهد الرئيس أيزنهاور، قامت الولاياتالمتحدة بتسليح باكستان لمواجهة الشيوعية، لكن سرعان ما استُخدمت هذه الأسلحة ضد الهند في حرب عام 1965. وحتى بعد هجمات 11 سبتمبر، ورغم تصنيف الرئيس جورج دبليو بوش باكستان "حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو"، إلا أن الموقع يؤكد أن البلاد قامت في الوقت نفسه بإيواء قادة حركة طالبان وسهلت عودتهم إلى أفغانستان. بحسب تحليل الموقع، فإن ترامب ومساعديه السياسيين قد ينظرون إلى باكستان من منظور الصفقات قصيرة الأمد: الحصول على المعادن، وموازنة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وربما تحقيق "لحظة نوبل" عبر التوسط في قضية كشمير. لكن هذا الإغراء، كما يوضح الموقع، يتجاهل حقيقة أن باكستان لا تبتعد عن المدار الصيني، بل إنها تعمق علاقاتها معه. ويظل الممر الاقتصادي الصينيالباكستاني (CPEC) هو الاستثمار الرائد لبكين، مع احتمالية استخدام ميناء جوادر كمنشأة بحرية مزدوجة الاستخدام (مدني وعسكري).