ترتكز العلاقات بين الولاياتالمتحدةوباكستان فى حقبة ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على مكافحة الإرهاب، لا سيما فى أفغانستان. وفى المراحل الأولى من الفترة الرئاسية السابقة لدونالد ترامب، استخدمت إدارته الدبلوماسية القسرية للضغط على باكستان من أجل «فعل المزيد» للقضاء على الإرهاب فى أراضيها. ومع ذلك، فى المراحل اللاحقة، كتب ترامب رسالة إلى رئيس وزراء باكستان عمران خان، وسعى بنشاط إلى الحصول على المساعدة فى الملف الأفغانى، وتحسنت علاقاتهما. الآن، تغير المشهد الإقليمى بعد الانسحاب الأمريكى، وسيطرة طالبان على السلطة فى أفغانستان، وأصبحت العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن تتركز فى السياسات المتعلقة بالصينوالهند. لقد أثر الممر الاقتصادى الصينىالباكستانى (CPEC) -على وجه الخصوص- ومبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) عامة، فى العلاقات الباكستانيةالأمريكية إلى حد ما. وتعارض واشنطن هذه المشروعات، وتصفها بأنها «فخ للديون الصينية»، حيث تقدم الصين أولًا قروضًا كبيرة للدول، التى تصبح بعد ذلك غير قادرة على سداد الديون؛ مما يجبر الحكومات على التنازل عن الموانئ المهمة استراتيجيًّا لبكين. كما أثر تورط الهند فى أفغانستان، والعلاقات الهنديةالأمريكية، فى العلاقات الباكستانيةالأمريكية. وتتمثل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الهند فى مواجهة الصين. وتساعد واشنطن نيودلهى بكل الطرق الممكنة، وقد تفاوضت الدولتان على كثير من اتفاقيات الدفاع التى قد تتشاركان بموجبها القواعد العسكرية، وتتمتع الهند بإمكانية الوصول إلى نظام تحديد المواقع العالمى الأمريكى (GPS). وقد زار الرئيسان الأمريكيان السابقان باراك أوباما ودونالد ترامب الهند، وتجنبا زيارة باكستان؛ لإرسال رسالة معارضة قوية لسياسات إسلام آباد. الإرهاب والتعاون الأمنى حافظت باكستان على علاقات إيجابية مع الولاياتالمتحدة منذ تأسيسها عام 1947، وقد اعترفت الولاياتالمتحدةبباكستان دولةً مستقلة. وفى وقت لاحق، تحسنت العلاقة تحسنًا كبيرًا. تلقت باكستان كثيرًا من المساعدات والحزم فى شكل أموال وسلع مقابل الانضمام إلى منظمة حلف جنوب شرق آسيا ومنظمة المعاهدة المركزية (CENTA). فى وقت لاحق، خلق الصراع بين الهندوباكستان فجوة ثقة بين البلدين، مما أدى إلى انسحاب باكستان من منظمة حلف جنوب شرق آسيا ومنظمة المعاهدة المركزية فى السبعينيات. وفى الوقت نفسه، كانت باكستان خاضعة بالفعل للعقوبات الأمريكية. كان غزو الاتحاد السوفيتى لأفغانستان مهمًّا للعلاقات الباكستانيةالأمريكية، حيث وفرت مصالحهما المشتركة الباب لتحسين العلاقات، وانخرطا فى العمل معًا لمحاربة الشيوعية. ومن المثير للدهشة أن تفكك الاتحاد السوفيتى أدى إلى تحطيم العلاقات القوية بين باكستانوالولاياتالمتحدة؛ وهو ما دفع الولاياتالمتحدة إلى استئناف الدبلوماسية القسرية القائمة على العقوبات بموجب تعديل بريسلر فى تسعينيات القرن العشرين بسبب البرنامج النووى. لقد تضررت صورة باكستان فى الأوساط الأمريكية بعد تولى الديمقراطيين البارزين فى إدارة أوباما السيطرة على البيت الأبيض. ولقد أضافت عملية أبوت آباد، التى لم تأخذ فيها واشنطن القيادة الباكستانية على محمل الجد، بل اغتالت أسامة بن لادن دون إعطائها معلومة، فضلًا عن ذلك، فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات على باكستان، وأوقفت المساعدات. وعندما انتُخب دونالد ترامب رئيسًا، زادت الحكومة الأمريكية ضغوطها على باكستان. كانت حركة طالبان الأفغانية هى النقطة الرئيسة للصراع بين البلدين. اتهمت الولاياتالمتحدةباكستان بدعم طالبان الأفغانية ضد أمريكا فى أفغانستان، فى حين أدانت باكستانالولاياتالمتحدة لتقويض تضحيات باكستان فى الحرب على الإرهاب. وقد غرد ترامب فى ليلة رأس السنة الجديدة 2018 أن الولاياتالمتحدة أعطت باكستان (33) مليار دولار أمريكى، وفى المقابل كانت باكستان مصدرًا للعجز والأكاذيب. وردًا على تصريحات ترامب، قال رئيس الوزراء الباكستانى آنذاك عمران خان إن الولاياتالمتحدة لا ينبغى أن تلوم باكستان على فشلها فى أفغانستان. تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها، وانخرط زعماء البلدين فى معركة افتراضية مع بعضهم بعضًا. بالإضافة إلى ذلك، اتهم ترامب باكستان بتوفير ملاذ آمن لقادة الإرهاب. وفى مؤتمر صحفى، صرح وزير الخارجية الأمريكى أن واشنطن تدرك تمامًا أن باكستان توفر ملاذًا آمنًا للمتطرفين فى كويتا وبيشاور؛ مما أدى إلى تأجيج نار العداء بين البلدين. وتحت الحجة نفسها، وضعت الولاياتالمتحدةباكستان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالى (FATF) بسبب الشكوك فى تمويل الإرهاب. واستوفت باكستان (26) شرطًا من شروط مجموعة العمل المالى البالغ عددها (27) شرطًا، لكن من المتوقع أن تستمر واشنطن باستخدام هذه الورقة ضد إسلام آباد. كتب الرئيس ترامب رسالة إلى رئيس الوزراء عمران خان يطلب فيها تعاون إسلام آباد فى الخروج الآمن من أفغانستان (الذى تم فيما بعد فى ظل حكم إدارة الديمقراطيين بقيادة جو بايدن)، وهو ما مثل تحولًا جذريًّا فى العلاقة بين البلدين، وأظهرت باكستان جديتها ورغبتها فى التوصل إلى حل سلمى للأزمة فى أفغانستان، وأطلقت سراح الملا عبد الغنى برادر (صهر المُلا عُمر الزعيم التاريخى للحركة)، وهو شخصية محورية فى عملية السلام الأفغانية. وبالإضافة إلى ذلك، حاولت باكستان ونجحت فى زيادة الضغط على طالبان للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفى وقت لاحق، أشادت الولاياتالمتحدةبباكستان لدورها الجيد والحاسم، وزار زالمى خليل زاد، وهو مفاوض سلام أمريكى من أصل أفغانى، باكستان، وأشاد بموقف باكستان. وردًا على تصرفات باكستان فى عملية السلام الأفغانية، عرض دونالد ترامب الوساطة فى نزاع كشمير على كل من رئيس وزراء الهند ورئيس وزراء باكستان، وحاولت باكستان تدويل قضية كشمير بهذا العرض، ولكن رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى رفض عرض ترامب للوساطة، قائلًا إن كشمير مشكلة ثنائية بين باكستانوالهند. وبعد ذلك، التزم ترامب الصمت بشأن قضية كشمير. الصينوالهند.. عوامل توتر دائمة توترت العلاقات الباكستانية- الأمريكية بسبب مشروع الممر الاقتصادى بين الصينوباكستان؛ فقد أعربت واشنطن فى عدة مناسبات عن تحفظاتها على المشروع عامةً، وفخ الديون الصينية خاصةً. وبسبب هذه العوامل، حذرت الولاياتالمتحدةباكستان من الديون الصينية، وأدلى مستشار الولاياتالمتحدة فى جنوب آسيا أليس ويلز بعدة تصريحات قوية ضد مشروع الممر الاقتصادى بين الصينوباكستان، ورد عليه أسعد عمر، وزير المالية السابق فى حكومة حركة الإنصاف الباكستانية، قائلًا إن الولاياتالمتحدة يجب أن تنظف بيتها أولًا؛ لأنها أكبر مقترض للقروض الصينية. وتدعم الولاياتالمتحدة أيضًا موقف الهند فى المنطقة، الذى يعارض مبادرة الحزام والطريق. ووفقًا للحكومة الهندية، تمر مبادرة الحزام والطريق عبر جيلجيت بالتستان، وهى منطقة متنازع عليها بين الهندوباكستان. وهذا أيضًا أحد الأسباب الرئيسة لرفض الهند الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق. وهناك عامل مهم آخر فى تدهور العلاقات الباكستانيةالأمريكية، هو الموقف الأمريكى من الهند فى صراعها مع الصين، حيث مهدت الصراعات الحدودية بين نيودلهى وبكين الطريق أمام الولاياتالمتحدة لاختيار الهند حليفًا فى المنطقة. منذ تسعينيات القرن العشرين، اتجهت الولاياتالمتحدة بسرعة نحو الهند، حيث وقعت كثيرًا من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع البلاد، منها اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية (BECA)، ومذكرة اتفاقية التبادل اللوجستى (LEMOA)، واتفاقية التوافق الأمنى والاتصالات (COMCASA). ووفقًا لهذا، تزود الولاياتالمتحدةالهند بنظام تحديد المواقع العالمى (GPS)، الذى قد تستخدمه الهند لتتبع مواقع خصومها، وأبرمت الهندوالولاياتالمتحدة اتفاقيات لاستخدام القواعد والموانئ فى كل منهما. كما حصلت الهند على إعفاء من الولاياتالمتحدة لاستيراد النفط من إيران، التى فرضت عليها عقوبات، كما حصلت على نظام دفاع صاروخى من طراز (S-400) لأغراض دفاعية. أدت هذه الصورة الوردية للعلاقات الأمريكية- الهندية إلى تدهور العلاقات الأمريكية مع باكستان؛ لذا أرست باكستان الأساس لعلاقات إيجابية مع روسيا، وبدأت التدريبات العسكرية مع الدولة التى كانت معادية فى السابق، ولكنها أصبحت الآن صديقة. ومن ناحية أخرى، عززت روسيا علاقاتها مع باكستان بناء على طلب الصين. ومؤخرًا، فاجأت روسياالهند عندما أبدت دعمها اللفظى لقرار اقترحته باكستان ردًا على جرائم الهند فى كشمير على نحو غير قانونى، ولكن بمساعدة فرنساوالولاياتالمتحدة، تمكنت الهند من رفض القرار. إن الولاياتالمتحدة فى احتياج إلى المساعدة فى بحر الصينالجنوبى لمواجهة الصين، ودعم حلفائها فى الفلبين واليابان، الذين وقعت معهم معاهدة دفاع تنص على أنه إذا تعرضت البلدان المذكورة للتهديد، فيجب على واشنطن أن تتدخل لحمايتها. ولتحقيق هذه الأهداف، فإن لديها الهند شريك موثوق به، يمكنه المساعدة فى مواجهة بكين، وهذا ما يعطى نيودلهى مجالًا للمناورة أكثر فى جنوب آسيا، وإبراز حضور عسكرى أقوى على حساب باكستان. خاتمة الولاياتالمتحدة شريك تجارى مهم لباكستان بحجم تجارة سنوى يبلغ (6.6) مليار دولار أمريكى، وأكبر وجهة للصادرات الباكستانية، فى حين تعد الصين أكبر مصدر للواردات. وعلى الرغم من ارتباط إسلام آباد الاستراتيجى والاقتصادى القوى بالصين، فإن باكستان تعتمد على مساعدة واشنطن لمواصلة تنميتها، والحفاظ على اقتصادها مستقرًا. إن اعتماد إسلام آباد الشديد على التدفق المستمر للمساعدات المالية والتنموية التى يقدمها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والدور المحورى لواشنطن فى المؤسسات المذكورة، من شأنه أن يدفع باكستان إلى العمل على نحو وثيق مع إدارة دونالد ترامب الجديدة. وخلال الفترة المقبلة، لا يُتوقع أن يتغير الكثير فيما بتعلق بباكستان، وسوف يشكل النمط المعتاد من «العلاقة الزبائنية» التى تحركها احتياجات الأمن لكلا الجانبين كجوهر للتفاعل بين باكستانوالولاياتالمتحدة. وسوف ينظر ترامب إلى باكستان من خلال الزوايا الأمنية، وقد يطالب بمزيد من ضبط العلاقات الباكستانيةالصينية الروسية. * باحث فى العلاقات الدولية ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات العربية الأوراسية