مضت سنوات عدة على رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، افتقدنا حكيم العرب فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها أمتنا العربية؛ حيث الفرقة والشتات، حيث الأزمات التى تتداعى والهجمة الأمريكية الصهيونية التى تتصاعد بينما الأمة غارقة فى خلافاتها التى تهدد كيانها القومى. كان الشيخ زايد بن سلطان عروبياً بمعنى الكلمة، كانت له وقفاته التى لا تنسى مع مصر والمصريين على مدى عقود طويلة من الزمن، وأنت تستطيع أن تلمس بعضاً منها فى هذه المدن التى سميت باسم الشيخ زايد فى العديد من المحافظات والمناطق المصرية، ناهيك عن مساعداته التى كان لها دورها فى العديد من المشروعات التنموية وسداد الديون المصرية. فى حرب أكتوبر 1973 كان الشيخ زايد فى زيارة إلى بريطانيا، لم يتردد الرجل فى إعلان دعمه الكامل، ووقوفه فى الخندق الأمامى، قرر دعم الحرب بكل ما يملك، قدم ما فى خزينة بلاده، ثم اقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية من البنوك الأجنبية ليقوم بإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا. قال كلمته الخالدة «ليس المال أو النفط العربى أغلى من الدماء العربية»، التى لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم فى جميع الأوساط بلا استثناء. وكان دوماً يردد خلال اللقاءات مع القادة العرب ويقول «عندما تبدأ المعركة مع إسرائيل، فسوف نغلق على الفور صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبداً»، لقد التقت إرادته مع إرادة الملك فيصل رحمة الله عليه، الذى أطلق شرارة حظر البترول عن الغرب تضامناً مع معركة العرب فى 1973 وإلى جواره حكام الأمة، فقد كانوا جميعاً على قلب رجل واحد. عندما سئل الشيخ زايد فى هذا الوقت من أحد الصحفيين الأجانب: ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟ لم يتردد العروبى الأصيل فى أن يقول «إن أكثر شىء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتى، وسأضحى بكل شىء فى سبيل القضية العربية، إننى رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله». كان الشيخ زايد منحازاً دوماً إلى مصر، وحتى عندما قوطعت مصر بعد قمة بغداد بسبب اتفاقية كامب ديفيد، قال مقولته الشهيرة: «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأى حال أن تستغنى عن الأمة العربية»، وظل على تواصله مع مصر رغم مقاطعة الآخرين. كان يعطى بلا حدود، ويمد يد العون فى العلن والخفاء، ولذلك لم يبالغ الفريق صدقى صبحى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية عندما قال خلال زيارته الأخيرة إلى دولة الإمارات، إن العلاقات التاريخية بين مصر والإمارات تضىء سماء الأمة بمواقف وطنية صلبة، لن تنساها مصر -مهما مرت السنون والأزمات- للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤكداً أن القيادة الإماراتية الحكيمة ورثت هذا الميراث الكبير من تاريخ العلاقات المصرية الإماراتية، وأن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، كان وما زال يعلى من شأن بنيانها وصروحها، إيماناً بحتمية التضامن العربى وأن العرب ليس أمامهم سبيل لنصرة قضاياهم إلا الوحدة والعمل المشترك. كانت كلمات رئيس الأركان واضحة؛ فالعلاقة المصرية - الإماراتية لن يعوقها أى خلاف سياسى أو أزمة طارئة، إنها علاقة تضرب بجذورها فى عمق التاريخ، ومن ثم لا يمكن نسيان دور الشيخ زايد الذى أوصى أبناءه جميعاً بمصر قبل الرحيل. إن الخلافات السياسية أياً كانت لا يجب أن تؤثر على مسار هذه العلاقة التاريخية، وهذا هو ما تعكسه حقائق الواقع على الأرض؛ فالعمالة المصرية باقية على أرض دولة الإمارات ورغم التجاذب السياسى أحياناً إلا أن الأمور لم ولن تصل إلى حد القطيعة. ورغم أن بعض وسائل الإعلام تحاول تصوير الخلافات السياسية ومواقف بعض الإماراتيين من حكم الإخوان على أنها موقف من مصر، إلا أن ذلك لا يعكس حقيقة الواقع، فالإخوان تيار سياسى وصل إلى الحكم فى غفلة من الزمان وقد يمضى سريعاً، ولكن العلاقة مع مصر حتماً سوف تبقى رايتها مرفوعة، تحكمها حقائق التاريخ وواقع الانتماء العروبى المشترك. إننى على ثقة أن هذه العلاقات ستبقى راسخة، رغم كل المحاولات ومحاولة افتعال الأزمات، ذلك أن المصريين لن ينسوا أبداً دور الإمارات ودور الشيخ زايد وأبنائه، كما أن أبناء الإمارات يفرقون دوماً بين خلافهم مع نظام سياسى يحكم وبين مصر؛ الدور والشعب والتاريخ.