"البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"، كلمات لن ينساها التاريخ، قالها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مسانداً بها مصر في حربها لاسترداد العزة والكرامة في السادس من أكتوبر عام 1973. مواقف الشيخ زايد في حرب أكتوبر لن ينساها التاريخ، صحيح أن قادة البلاد العربية جميعا قد وضعوا كل إمكانياتهم في خدمة المعركة لكن وقفة زايد كانت ذات طابع خاص فلم يكن تأييده للأشقاء على جبهات القتال حين دوت المدافع مجرد برقيات تأييد أو تمنيات طيبة بل كان موقفه في الحرب أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى انتصار الأمة العربية فيها. منذ اللحظه الأولى التي اندلع فيها القتال في سيناء والجولان أعلن زايد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقف بكل إمكاناتها مع مصر وسوريا في حرب الشرف من أجل استعادة الأرض المغتصبة ولم يسمح لنفسه أن يدخل في حساب طويل معقد حول إمكانيات بلده وقدرتها لكن الشيء الوحيد الذي كان في اعتباره هو أن لحظة المصير التي يمر بها النضال العربي تتطلب عطاء بلا حساب. وكان للإمارات الدور الرائد في مساندة الشقيقة مصر في حربها حيث كانت ومازالت وستظل دوما خير عون لأشقائها وكان لقائدها الحكيم ومؤسسها المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان موقفا رائعا لا ينسي. في ذلك اليوم المشهود عندما اندلعت الحرب لم تكن الإمارات قد بلغت عامها الثاني وكان زايد يومها يقضي إجازة خاصة في لندن عندما تواترت إلى أسماعه البلاغات الأولى للحرب فسارع بالاتصال بالقاهرة ودمشق يؤكد لهما، أن المعركة ليست معركة مصر وسوريا وحدهما ولكنها معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة. وفي نفس الوقت طلب زايد من مستشاريه العمل على حجز جميع غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة المعروضة للبيع في جميع أنحاء أوروبا وشرائها فورا وإرسالها جوا وفي الحال إلى دمشق والقاهرة مع كميات من المواد الطبية والتموينية لاحظ زايد وقتها وهو يتابع أنباء المعركة عبر الصحف والوكالات ومحطات الإذاعة والتلفزيون الأجنبية انحيازها لإسرائيل فقرر الإسهام في دعم المعركة إعلاميا عندها أمر على الفور باتخاذ خطوات أخرى أحرجت وسائل الإعلام أمام الرأي العام العالمي وجعلها تلتزم الصدق فيما تنشره أو تذيعه عن سير المعركة فجمع أربعين صحفيا من مختلف دور الصحف في إنجلترا وأوروبا الغربية وأمر بتقديم كافة التسهيلات لهم للسفر إلى جبهات القتال العربية، وأن تكون نفقاتهم على حسابه الخاص وبفضل هذه الخطوة أتيح للعالم أن يسمع أخبار المعركة وتفاصيلها بلا تحيز. وفي ثالث أيام المعركة كان زايد أول حاكم عربي يعلن تبرع بلاده بمبلغ مائة مليون جنيه استرليني للمعارك الدائرة على الجبهتين ولم تكن لدى زايد يومها الأموال التي قرر إرسالها إلى الأشقاء بسبب الضائقة المالية التي تعاني منها أبو ظبي في ذلك الحين فجمع رجال البنوك والمال في لندن واستدان منهم المبلغ بضمان البترول وبعث به لدعم الأشقاء وعندما سئل عن قيمة هذا الدعم قال: "إن الثروة لا معنى لها بدون حرية أو كرامة، وعلى الأمة العربية وهي تواجه منعطفاً خطيراً أن تختار بين البقاء والفناء بين أن تكون أولا تكون، بين أن تنكس أعلامها إلى الأبد أو أن تعيش أبية عزيزة مرفوعة أعلامها مرددة أناشيدها منتصرة".