يبدو أن "الخطوة العنترية" التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية بتحويل مجرى النيل الأزرق لاستكمال مشروع سد النهضة، مهددة بالفشل بسبب ضخامة المبالغ المالية المرصودة لبناء السد وعدم قدرتها على توفير هذه المبالغ خلال السنوات الأربع المقبلة. وخلال الساعات القليلة الماضية، أعلنت حكومة أديس أبابا نيتها ملء خزان سد النهضة الإثيوبي ب75 مليار متر مكعب في 3 سنوات بمعدل 25 مليار متر مكعب يتم خصمها سنويًا من حصة مصر والسودان، إلا أنها تراجعت عن ذلك وأعلنت أنها تملأ خزان السد في 5 سنوات بمعدل 15 مليار متر مكعب من حصة مصر والسودان. هنا تجدرة الإشارة إلى أن ملء خزان السد هناك بالكمية المذكورة خلال ثلاث سنوات، يحرم 5 ملايين فدان مصرى من مياه النيل، وفي حالة الخمس سنوات فإن هذا يعني بوار 3 ملايين فدان، ما يعنى أن 10 ملايين مزارع يتعرضون للفقر والمرض. وما بين هذا وذاك، تواجه إثيوبيا أزمة طاحنة بعدما رفض كل من البنك الدولي وقبرص وكوريا الجنوبية تمويل إنشاء "النهضة" الذي تصل تكلفته الإنشائية ل7 مليارات دولار، منها 5.5 مليار توجه لبناء جسد السد و1.5 مليار دولار أخرى لاستيراد توربينات وخطوط الكهرباء. ولعل ما يثير قلق الحكومة الإثيوبية، أن القرض الصيني الموجه لهذا المشروع لا يتجاوز المليار ونصف دولار، بالإضافة إلى الأموال الذي تسعى لجمعها من طرح سندات للشعب الإثيوبي لتوفير المبالغ المطلوبة للإنشاء، وسط توقعات من الخبراء بفشل جمع "5.5 مليار دولار" من المواطنين. لكن اللافت للنظر أن إسرائيل والصين تسعيان للاستفادة القصوى من هذا المشروع لخلق علاقات وطيدة في منطقة منابع المياه بحوض النيل عن طريق الاستثمارات التي تسعى لها بكين في هذه المناطق، بالإضافة إلى وجود نصف مليون فدان تزرعها إسرائيل في إثيوبيا والتحركات الإسرائيلية الجادة في جنوب السودان التي باتت على وشك التوقيع على اتفاقية "عنتيبي" والتي تقضي بخفض حصة مصر من المياه، حيث كان الرئيس الإسرائيلي أول الزائرين لجنوب السودان، في الوقت الذي بات التحرك السياسي والدبلوماسي المصري فيه عقيم جدًا. وفى تعليق منه على ما سبق، قال الدكتور نادر نورالدين الخبير المائي، إن لغة الاستقواء والاستعلاء التي كان يتبعها النظام السابق مع إثيوبيا كانت مجدية معهم وكانت توقفهم عند حد معين لا يجرؤون على تجاوزه، مؤكدًا أن تصريحات الفريق السيسي وزير الدفاع عن أن الجيش يتفهم جيدًا ما يجري في ملف المياه وهو ليس بعيدًا عن الأحداث يشير بوضوح إلى إمكانية التدخل العسكري لوقف بناء سد النهضة الإثيوبي، لاسيما مع تصريحات السفير الإثيوبي بالقاهرة عن أن إثيوبيا ماضية في بناء السد وافق من وافق واعترض من اعترض. وذكر الخبير المائي، أن إثيوبيا تمادت في تصريحاتها عندما قال سفيرها بالقاهرة إن مصر لن تستخدم القوة والتهديد؛ لأن العواقب تكون مؤلمة لمصر والخطر على القاهرة يكون مؤكدًا. وأشار "نورالدين"، إلى أنه في حال الانتهاء من بناء السد الإثيوبي فإن مصر تتعرض لخسائر فادحة لا يمكن تداركها ولا تنفع معها حلول غير تقليدية لتخفيض الآثار السيئة في الزراعة والري والكهرباء، مؤكدًا أن الخراب يعم على مصر ونسب الجفاف ترتفع والأراضي تموت عطشا ويعش جزء كبير من المصريين في ظلام.