ابن تيمية، رحمه الله، كان عالما مجتهدًا.. ومجددًا.. مواكبًا لعصره في فتاواه.. وحتى تتضح لنا صحة هذا الوصف لابن تيمية لابد لي أن أعود إلى الماضي.. إلى حيث عصر ابن تيمية، وبالتحديد في عام 1260.. وقبل أن أخوض في هذا الحديث أنوه إلى أن كثيرًا من فتاوى ابن تيمية هي عمدة الأحكام لجماعات العنف!! وحتى أبرهن على أن ابن تيمية كان بالفعل عالمًا مجتهدًا لم يقف على الظاهر من الأحكام الشرعية فقط، ولكنه حاول أن يفهم ما وراء النص من أحكام.. ولكن كل ذلك كان على أرض صلبة من العلم والفقه الشرعيين. ففي عام 1260 ميلادي، حدث، بعد هزيمة التتار في عين جالوت، أنهم انسحبوا إلى بلاد فارس. وفي هذه الفترة وما قبلها كان كثيرون من التتار قد دخلوا الإسلام، وبعدها بنحو 40 سنة، جاء ملك تتاري اسمه "قازان"، على رأس جيش كبير من التتار الفُرس لكي يغزو الشام ويدخل دمشق. وكان "قازان" هذا داهية، فأراد أن يفرق جيش المسلمين المكوَّن من جنود مصريين وشاميين؛ فلجأ إلى حيلة خبيثة. وكانت هذه الحيلة أن قام "قازان" بإشهار إسلامه، وسمى نفسه "محمود غازان"، وبعث برسالة للخليفة العباسي (الشرفي) الموجود في القاهرة يعلن له أنه سيحارب تحت راية خلافته !! واستمر "محمود غازان" بالزحف والتقدم نحو دمشق لغزوها !! وطبعًا، أعلن جنود التتار دخولهم الإسلام بأمر من قائدهم "محمود غازان". ولم يكن إعلان "غازان" إسلامه سوى حيلة لتشتيت معسكر المسلمين وإضعافه. والتطور المهم والخطير هذا أتى بثماره، وأدى إلى إضعاف معنويات المسلمين، والتباس الأمر عليهم. فعندها رأى كثير من المسلمين أنه لا داعي لمقاومة التتار ما داموا قد أصبحوا مسلمين، وأنه لا فرق بين التبعية للمماليك أو التتار، خصوصًا أن "محمود غازان" بدأ حربًا نفسية ودعائية. وحتى تكتمل أركان حيلة "قازان"، الذي سمى نفسه محمود غازان، بعث جواسيس له يخدِّمون على حيلته فنشر هؤلاء الجواسيس بين جنود الشام ومصر دعاوى حُرمة قتال جنود التتار المسلمين، وكان محور كلامهم حول الحديث الشريف: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". وعليه تمكن هذا القائد التتري من هزيمة المماليك، ودخل هو وجنوده دمشق سنة 1299، واستباحوا المدينة وعاثوا فيها فسادًا، وأحدثوا مذبحة عامة بين أهالي دمشق !! في هذا الوقت كان ابن تيمية قد صار عالمًا مشهورًا، وعمره لم يتعدَ 37 سنة، فعندما رأى ابن تيمية أن جنود المسلمين خارت قواهم، وضعفت عزائمهم من حيلة جنود التتار بدخولهم الإسلام (!!) أصدر فتوى بوجوب قتال "جيش الطاغوت" حتى وإن قالوا بالشهادتين. .. وللحديث بقية، إن شاء الله.