جبل الصعيد «بعبع» الجنوب الذى لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه لاحتضانه المطاريد والجماعات المسلحة.. هذا المكان كان محل جولة قامت بها «فيتو» بين هضابه ودهاليزه، ولا شك أنها واجهت أخطاره، لترصد حياة «ذئاب الجبل» التى أضحت أسودًا تروضها شهواتها وما تصبو إليه طبيعتهم البرية.. فمطاريد الجبل الأسطورة التى صنعها النظام السابق، لم يعد الخطف والترويع والاتجار بالسلاح والمخدرات الصنيع الوحيد لهم، فالتعامل مع إسرائيل وتنظيم القاعدة وسرقة السلاح من أقسام الشرطة وتسليح البلطجية خلال الثورة من الملامح الرئيسية لهم. المطاريد الآن حصروا معاقلهم فى الصعيد الجوانى «محافظة قنا» وغادروا الجبل ليتخذوا من الوادى المجاور معقلا لهم مستغلين ضعف جهاز الشرطة وحالة الانفلات الأمنى التى عصفت بالبلاد مؤخرًا. تبعد «أبوحزام» 4 كيلومترات عن الطريق العمومى، ويحظر على أى سيارة مهما كان نوعها أو وظيفتها الاقتراب من البلدة لخطورتها.. فهى أشبه ببلدة الأشباح من الخارج.. الجبل يحدها من جهة الغرب و يمتد ليعانق حقول القصب التى امتدت على مساحات واسعة من ناحية الشرق تاركا طريقا بعرض 8 أمتار هو مدخلها، المدخل يغطيه شجر كثيف على جانبى الطريق، وبطوله يصطف عدد من الكشافة حاملين بنادق آلية وبعض الأسلحة البيضاء. المنازل تبدو آيلة للسقوط يحيط بكل منزل حوش كبير.. أبوابها من الحديد أو الخشب المتين.. مصممة وكأنها قلاع أو مخابئ .. تحوى من الداخل سراديب بعرض يبدأ من 2 ل3 أمتار يصل المنزل بالجبل. الأعيرة النارية هى اللغة السائدة هناك بشكل يبدو مألوفا لدى القرويين فى البلدة، فعائلتا الطوالب والسعدية فى خلاف مستمر والثأر أضحى مسالة معقدة بينهما مع ارتفاع أعداد القتلى من الجانبين، علما بأن جذور المشكلة تعود إلى اعتداء إحدى العائلتين على كلب الأخرى. شيخ العرب سرحان هو أحد القيادات القبلية هناك وعلى علم بأوضاع المطاريد، الشيخ سرحان قال ل«فيتو» إن الجبل هنا هو المأوى والملاذ لتجارة السلاح التى تطورت مؤخرا خاصة بعد الثورة، فمطاريد الجبل يتاجرون فى أحدث الأسلحة منها البنادق 56 والعراقى ورجل الغراب والمظلات والآلى والخشب الثقيل والمسدسات عيار 9 مم وعيار 14 مم». شيخ العرب فجر مفاجأة من العيار الثقيل عن الأسلحة المهربة فقال: «أحدث الأسلحة من البنادق والأظرف تأتى من إسرائيل عن طريق الحدود المصرية الليبية ومنها لمطروح على أن يتم نقلها للمطاريد عبر الطريق السريع ومنها لطرق وعرة فى الجبل، ويتولى هذه المسألة «ولاد على» اللى من المطاريد لأن لهم فرعا كبيرا فى مطروح، وفرعا آخر فى ليبيا يتولى الإتيان بالسلاح للحدود المصرية ، وتربطهم علاقات قوية مع بدو سيناء فى تهريب السلاح والمخدرات». واستطرد الشيخ: «بيجيبوه عن طريق الجبال من خلال الخرائط والمدقات والرسوم اللى بيمشوا عليها بين الجبال الموصلة إلى شبه جزيرة سيناء وبيتقابلوا عن طريق التليفون ويسلموها لبعض جوه الجبل وبيكونوا مسلحين وليهم ناسهم اللى بيرشدوهم فى الطريق الجبلى لغاية ما يوصلوا لأبوحزام وطالما مفيش بلاغات عنهم بيعدوا من أى كمين لغاية ما يوصلوا لأبوحزام ومكان استقرارهم فى الجبل وزادت تجارة السلاح والمخدرات على الحال ده من بعد الثورة». وكشف شيخ العرب ل»فيتو» عن سر اختفاء الأسلحة التى تمت سرقتها من أقسام الشرطة أثناء ثورة يناير قائلا: «كل الأسلحة اللى اتسرقت من الأقسام وصلت هنا واتجمعت فى قرية «أبوحزام»، و«الصمدة»، و«حمردوم» من تجار وبلطجية على مستوى الجمهورية؛ لأن لها سوقها والإقبال زاد عليها واللى عايز سلاح بيشتريه من هنا وبأسعار لا تختلف عن السلاح المهرب من الخارج ولم يحدث تفاوض بين المطاريد وبين الأمن على رد السلاح المسروق لمراكز الشرطة حتى الآن». ويقول الشيخ سرحان: «البلطجية اشتروا من عندنا السلاح أثناء الثورة وكانوا بيجوا لحد ابوحزام ولغاية دلوقتى بيشتروا»، مضيفا: الأسعار بتبدأ بشكل عام سواء للسلاح الميرى من25 و30 ألف جنيه، وهو ثمن البندقية عيار 56 بعد الثورة والتى كانت لا تتعدى 12 ألف جنيه قبلها». وتابع: «القرية هنا تقدر تقول دولة داخل دولة وفيه حدود لكل عائلة ومسجدها وشوارعها الخاصة بها ومينفعش نعدى من طريقهم تجنبًا لإطلاق النار علينا، وده بيرجع لخلافات منذ الستينيات». وعن تعامل جهاز الشرطة مع هؤلاء المطاريد.. يوضح الشيخ سرحان أن الحكومة لا تدخل فى صراع معهم، وذلك لتشعبهم فى الجبال وتسلحهم بأحدث الأسلحة وأقواها، ويكفيها مصادرة السلاح من مرتكب الجريمة، وهو ما يعد إهانة له تسجيل المحضر بخارج الحيازة، وتقيد القضية ضد مجهول؛ لأنها لا تقوى على الدخول فى نزاع مع أبناء الجبل». شيخ العرب سرحان تطرق إلى كواليس الانتخابات فى بلاد المطاريد، فقال: «لا صوت فى الانتخابات فوق صوت السلاح والعصبية القبلية، وقليلا ما تجد تقديسا لمكانة المثقف ودعمه ضمن المرشحين للوصول إلى كرسى البرلمان، فهناك طريقان لاعتلاء الكرسى لا ثالث لهما، إما الدم أو النار حيث «دائرة الدم والنار» المسمى المشهود و لدائرة «الرئيسية» بنجع حمادى». أما أبوالفرج، أحد سكان أبوحزام، الذى اصطحب «فيتو» فى جولة بالقرية، فجر خلالها عددًا من المفاجآت عن مطاريد أبوحز كان أغربها عودة أسطورة خط الصعيد مرة أخرى، قائلا: «الخط الحقيقى دلوقتى هو«أ.ح» وإخوته، وهو اللى راعب البلد كلها، وبيتاجر فى السلاح والمخدرات لدرجة إنه بيوصل تجارته للعريش بنفسه عبر ممرات فى الجبل، وليه تعامل مع السيناوية فى تجارة المخدرات». وأضاف: «وكمان بيبيع سلاح لولاد الإرهاب فى البلد، وبيكونوا مرتبين مواعيد بينهم وبمجرد ما يسلمهم السلاح بيخلى مسئوليته، لكن عادة مابيسلكوا طريق الجبل لأنهم بيكونوا معاهم عربيات جيب، وبيوفر لهم كل أنواع السلاح اللى همه عايزينه الآلى مثلا والآر بى جى وممكن بنادق القنص لأن الأنواع دى هى المتداولة هنا». وأوضح: «أشرف وراه عيلة وعزوة، ودايما عامل شغب وليه معارف كبيرة قوى فى الدولة، الخط الجديد يفضل التعاون مع الإرهاب والمتطرفين عن الحكومة، على عكس نوفل خط الصعيد الذى لقى حتفه على يد الشرطة على الرغم من أنه كان لفترة طويلة ذراع الشرطة فى تحقيق مأربها». وعن أنواع التجارة اللى بيتعاملوا فيها يقول أبوالفرج: ال«سلاح بكل أنواعه، دى وصلت للمدافع المضادة للعربيات المصفحة ومخدرات وعربيات مسروقة ونصب وبلطجة، ومفيش عربية شرطة تقدر تهوب من مدخل البلد لأن الجبل مادد على البلد وكله متلغم بالآلى والآربى جى ده غير إن أراضى القصب دى كلها مجرمين والبلد شوارعها كلها دوريات زى ما انتو شايفين». أبوالفرج أضاف: «دوريات المطاريد تجوب البلد طول ال24 ساعة بالموتوسيكلات المسروقة والآلى وأى غريب بيدخل بيتفتش ويتاخد كل اللى معاه ويفاوضوا أهله أو قرايبه على فدية، وإن ما اندفعتش بيتقتل فى الحال وغالبا ما بتحصل حالة قتل أو اتنين كل أسبوع»، واستطرد: بالنسبة لأهالى القرى من الأعراب فعايشين فى رعب دائم وحالة خوف مستمر من الاعتداء عليهم ومن الساعة 5 العصر البلد بتتقفل على اللى فيها اللى بره ميدخلش واللى جوه ميطلعش ولو خالف يبقى بيخاطر بحياته وحياة ولاده لأنهم فى الوقت ده بيبادلوا بضاعتهم على الملأ ويصفوا حسابات التار اللى بينهم». وأوضح أن «المطاريد تركوا الجبل لفترة لكنهم لم يستغنوا عنه ونزلوا إلى حمردوم وأبوحزام والصمدة وهى أكتر المناطق خطورة وتضم مطاريد الجبل من هوارة والمخالفين للقانون ولما نزلوا لقونا احنا العرباوية موجودين فيها فعاملونا أسوأ معاملة واغتصبوا أراضينا». أما القرشى محمد أحد الأهالى فقال إن «الأمن يستعين بالمطاريد لمطاردة أوكار الإرهاب بزراعات القصب والجبل وبعد انتهاء المطاردة بيجردهم من أسلحتهم دون أى عقوبات أخرى وكأنه يبيح ليهم حيازة الأسلحة». وتحدث ل«فيتو»عن القبلية والدموية التى تشهدها الانتخابات فى صعيد مصر قائلا: «يعتمد بعض المرشحين فى مختلف المحافظات على مطاريد الجبل كمأجورين لمواجهة مشكلات الانتخابات بين المرشحين ومختلف العائلات» واستطرد: «أبوحزام ليها حالة خاصة فى الانتخابات، وبيتم حسم الانتخابات بالتزكية، وأى خلاف بين العائلات يطلع المرشح منهم ويقول هناخد الكرسى بالدراع أو الدم أو النار وبتتقفل الصناديق بالقوة لصالح المرشح وكله بعلم الحكومة».