تسعى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني جاهدة لتغيير نظام الثانوية العامة الحالي إلى نظام التقييم التراكمي على المدار السنوات الثلاثة بدلًا من امتحان العام الواحد المطبق حاليًا، وعلى مدار تاريخ التعليم المصري تعد مرحلة الثانوية العامة الأكثر تجريبًا بين مراحل التعليم الأخرى. وكان كل نظام جديد يطبق في الثانوية العامة يهدف إلى تلافي أخطاء ومشكلات النظام السابق عليه، وتهدف الوزارة كما أعلن الدكتور طارق شوقي وزير التعليم الحالي من النظام الجديد للثانوية العامة المتوقع تطبيقه في سبتمبر القادم على الصف الأول الثانوي للعام الدراسي القادم، إلى القضاء على المشكلات الضخمة التي يعاني منها المجتمع في امتحانات الثانوية، وعلى رأسها أزمة الدروس الخصوصية باعتبار أن تغيير نظام التقييم ووجود عدة امتحانات تقيس قدرات الطالب بجانب الأنشطة سيربط الطلاب بالمدرسة وسيغلق الباب أمام مافيا الدروس الخصوصية، بالإضافة إلى أنه سيجعل الطلاب أكثر تحررًا من الضغط النفسي الذي يعانون منه عند خضوعهم لامتحان إتمام الشهادة الثانوية والذي يعد امتحان فرصة وحيدة. وبحسب وثائق وزارة التربية والتعليم فإن تاريخ المدارس الثانوية في مصر يمتد إلى ما قبل الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1885؛ حيث كانت نشأة مدرسة قصر العيني سنة 1825 وكان يُطلق عليها في ذلك التاريخ مسمى المدرسة التجهيزية، لأنها كانت "تجهز" الطالب لكي يلتحق بالمدارس العليا في ذلك التوقيت، والتجهيزية تعادل الثانوية حاليًا. أما الثانوية العامة كشهادة عامة على مستوى الدولة فعمرها يمتد إلى نحو 131 سنة؛ حيث كان أول امتحان عام يُعقد للشهادة الثانوية في سنة 1887، وقبل ذلك كانت كل مدرسة تعقد امتحان طلابها داخلها بنفسها، فلم يكن امتحانًا عامًّا. وكان عدد المدارس الثانوية قليلًا جدًّا، فتشير المصادر التاريخية إلى أنه في عام 1893 لم يكن في مصر سوى ثلاث مدارس ثانوية أميرية وهي التوفيقية، والخديوية بالقاهرة ورأس التين بالإسكندرية، وفي سنة 1906 أنشئت المدرسة السعيدية الثانوية، كما أنشئت العباسية الثانوية بالإسكندرية. ولم يزد عدد الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية سنة 1893 على 42 طالبًا.. وحتى سنة 1903 - أي ما يقرب من عشرين عامًا على بدء الاحتلال البريطاني - لم يزد عدد الحاصلين على الشهادة الثانوية على 125 طالبًا. وفي الفترة من عام 1891 حتى عام 1905، أي طوال 15 عامًا، تغيرت مدة التعليم الثانوي أربع مرات! فقد كانت حتى سنة 1891 أربع سنوات، ثم زيدت سنة 1891 لتصل إلى خمس، ثم أنزلت إلى ثلاث سنة 1897 لزيادة عدد الخريجين؛ حيث كانت الحاجة ماسة إليهم للتوظيف الحكومي، ثم رفعت إلى أربع سنوات عام1905! وقسمت الدراسة الثانوية إلى مرحلتين مدة كل منهما سنتان، ويحصل الطالب الذي يجتاز المرحلة الأولى على شهادة الكفاءة، ثم يتخصص في القسم الأدبي أو القسم العلمي، وتستمر دراسته في أحدهما مدة عامين، يحصل بعدها على شهادة "البكالوريا"، وفي سنة 1907 ألغيت شهادة الكفاءة، ثم أعيدت تحت اسم "القسم الأول من الشهادة الثانوية". واستقرت هذه المرحلة عام 1928 على أن تكون مدتها خمس سنوات، وتنقسم إلى قسمين: الأول عام لجميع التلاميذ ومدته ثلاث سنوات، والثاني تتفرع فيه الثانوية إلى فرعين "علمي وأدبي"، ومدته سنتان، وعند قيام ثورة 1952 كان الذي يحكم التعليم الثانوي هو القانون رقم 110 لعام 1935 الذي نظم للتعليم الثانوي تنظيمًا جديدًا، أصبحت الدراسة فيه تنقسم إلى قسمين: القسم العام أو مرحلة الثقافة العامة ومدتها أربع سنوات للبنين وخمس للبنات؛ حيث كانت هناك مواد إضافية خاصة بالبنات. وكانت الدراسة بها واحدة لجميع التلاميذ، ثم القسم الخاص أو المرحلة التوجيهية، وتتنوع به الدراسة إلى ثلاث شعب «آداب - رياضة - علوم»، وهذه المرحلة التوجيهية مدتها سنة واحدة للجميع، وأول قانون للتعليم الثانوي في عهد ثورة يوليو هو القانون رقم 211 لسنة 1953، وكان وزير المعارف وقتها أستاذ التربية الشهير إسماعيل القباني، وفي هذا القانون تم تحديد مدة الدراسة الثانوية بثلاثة أعوام؛ حيث اقتطع من التعليم الثانوي عامان، ومن الابتدائي عامان وضمت لاستحداث مرحلة جديدة سميت بالتعليم الإعدادي كانت مدتها أربع سنوات، ثم أصبحت بعد ذلك ثلاث سنوات. ونص القانون على تقسيم المرحلة الثانوية إلى فترتين، أولاهما: عامة تضم الصف الأول فقط؛ حيث يدرس الطلاب كل المقررات مشتركة، وثانيهما لمدة عامين، تنقسم إلى أدبي وعلمي، وكانت وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليًا) تعقد في نهاية السنة الثالثة من التعليم الثانوي امتحانًا عامًا يمنح الناجحون فيه "شهادة الثانوية العامة". وكان امتحان الثانوية العامة يعقد تحريريًّا في جميع مواد السنة الثالثة حسب نوع الشعبة التي تخصص فيها الطالب، بالإضافة إلى اختبار شفهي لطلاب الشعبة الأدبية في اللغتين العربية والأجنبية الأولى، إلا أن الأخير ألغي بالقانون رقم 562 لسنة 1955. ثم تقرر اعتبارًا من العام الدراسي 76/1977 تشعيب الدراسة بالصف الثالث العلمي إلى شعبتين إحداهما شعبة للعلوم وشعبة أخرى للرياضيات، وكان وزير التربية في ذلك الوقت هو الدكتور مصطفى كمال حلمي. وفي قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 طال التشعيب إلى علمي وأدبي الصف الثاني من التعليم الثانوي، لكنه ألغي وفقًا للقانون رقم 233 لسنة 1988، في عهد الدكتور أحمد فتحي سرور وأصبحت الدراسة عامة في الصفين الأول والثاني وقصر التشعيب على الصف الثالث وحده اعتبارًا من العام 88/1989. مع الأخذ أنه بدءًا من عام 91/1992 عقد الامتحان بنظام المواد الاختيارية في الثانوية العامة داخل الشعب المختلفة، وفي نطاق المواد التي تعبر عن ميول الطالب، والأخذ بنظام المستوى الرفيع في مادتين على الأقل من المواد المؤهلة لدخول الجامعات. ثم صدر القانون رقم 2 لسنة 1994 لتصبح الدراسة عامة في الصف الأول الثانوي لجميع الطلاب وتخصيصها في الصفين الثاني والثالث، وأصبحت مواد الدراسة تتكون من مواد إجبارية وأخرى اختيارية يحددها الوزير، وكان الوزير في ذلك الوقت هو الدكتور حسين كامل بهاء الدين. كذلك تقرر في القانون نفسه أن يتم الامتحان للحصول على شهادة الثانوية العامة على مرحلتين: الأولى في نهاية السنة الثانوية الثانية، والثانية في نهاية الصف الثالث، فضلًا عن تقرير عقد امتحان دور ثان، ويسمح بدخوله للطالب الراسب. وكذلك الناجح الذي يريد تحسين مجموع درجاته لكن عندما تولى الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الوزارة وقف مجلس الوزراء ضد التحسين وقرر إلغاءه، وكان ذلك على غير إرادة الوزير. وفي عام 2008 بدأت وزارة التربية والتعليم تبني مشروعا جديدا للثانوية العامة، وهو المشروع الذي عرف ب"الجذع المشترك" وكان يهدف إلى دمج التعليم الفني مع التعليم العام، بحيث يدرس طلاب الثانوية العامة وطلاب الدبلومات الفنية مواد واحدة في العام الأولى ثم يبدأ التخصص بعد العام الأول، وهو المشروع الذي تبناه رجال الحزب الوطني المنحل خلال مؤتمر التعليم الذي تم تحت رعاية الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، إلا أن المشروع لم يكتمل وتوقف حتى عام 2011، وفي عام 2012 ومع حكومة جماعة الإخوان المصنفة إرهابية، والتي كان يرأسها الدكتور هشام قنديل أعيد طرح المشروع من جديد في عهد وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم غنيم. وتشكلت لجنة عليا من قيادات وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي لدراسة المشروع وتطويره تمهيدا لتنفيذه، خاصة بعد أن أصدر مجلس الشعب المنحل في العام نفسه مشروع قانون الثانوية العامة الجديد، وكان يهدف المشروع الجديد إلى أن تكون الثانوية العامة شهادة منتهية، ويحق للطالب التقدم إلى الجامعة خلال 5 سنوات من تخرجه، مع العلم أن نظام دخول الجامعة في المشروع ذاته كان يقوم على التنسيق واختبارات القبول بالجامعات، مع تحويل الكليات إلى قطاعات تتمثل في القطاع الطبي والهندسي والحقوق والكليات النظرية والفني، ويكون لكل قطاع شريحة محددة من المجاميع ومن يحصل على مجموع ضمن أي شريحة من تلك الشرائح فيحق له دخول الكلية التي يريدها ضمن القطاع المتخصص فيه، وذلك بعد اجتياز اختبارات القبول. وأنفقت الدولة على ذلك المشروع ملايين الجنيهات، إلا أنه توقف وبات حبيس الأدراج وانتهى التفكير في تنفيذه مع فصل وزارة التعليم الفني عن التربية والتعليم عام 2015؛ حيث كان المشروع يقوم في الأساس على فكرة الجذع المشترك.