البرلمان لم يقدم استجوابا واحدا ويجب المصالحة بين الأمن والشعب.. والصحافة الورقية في «محنة حقيقية» نحتاج إلى هيكلة الجهاز الأمني وإعادة تثقيفه من جديد الكاتب الصحفى عبد الله السناوى... يتشوق إلى الحديث في السياسة، يعلم كثيرا عن الماضى والحاضر، ويمتلك قدرات استشراف المستقبل، والتنبؤ بأحداثه بخبرة المتابع الجيد للواقع، نشأ في مناخ العمل السياسي والإعلامي، له آراؤه الجريئة والقوية التي لاتعرف المواراة أو الميوعة السياسية في كل حدث. "السناوى" الذي التقته "فيتو" مؤخرا، يرى أن العمليات الإرهابية مرشحة للتزايد في النصف الثانى من عام 2017، حيث أكد أن الستة أشهر المقبلة سوف تكون صعبة على مصر والإقليم العربى. ملف الأمن.. كان واحدًا من الملفات التي وضعناها على طاولة الحوار مع "السناوى"، الذي أوضح أن الأكمنة الأمنية تعد صيدا سهلا لجماعات الإرهاب، ولابد من تدريب القوات على أعلى مستوى، مؤكدًا أن المجتمع المصرى تغير بعمق بعد ثورة 25 يناير، وأنه لولا ثورة يناير ما كانت يونيو، مشددًا على أن الرئيس السيسي سوف يبقى رهانًا قويًا وربما وحيدًا للمصريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة... فإلى نص الحوار: بداية.. طلب المصريون الحرية في يناير 2011 وعندما جاءتهم جعلوها فوضى.. كيف تفسر هذه الظاهرة ؟ نحتاج أولا إلى أن نعرف ما المقصود بالفوضى، لا أعتقد أن هناك فوضى كبيرة في مصر، ليست هناك فوضى بالمعنى الأمني، لكن هناك حربا مع الإرهاب، والدولة بشكل أو بآخر ليست مهددة بالسقوط، لكنها سوف تعانى لفترة طويلة، باعتقادى إلى نصف العام المقبل، وبالنظر إلى ما يحدث في الإقليم حاليًا، التوقعات الشائعة ترى أن فلول "داعش" قد تذهب إلى أماكن منها شمال سيناء تحديدًا، وأماكن أخرى على الخريطة العربية وليبيا والسعودية، كل هذه الدول مهددة تحت قصف "نيران داعش". بالحديث عن الإرهاب.. هل هناك تقصير من الأجهزة الأمنية في مواجهة العمليات الإرهابية؟ علينا الآن إصلاح الأجهزة الأمنية بشكل حقيقي، لدينا مشكلة كبرى تكررت في كثير من الحوادث الإرهابية، الأكمنة الأمنية ليست مدربة على نحو كاف، ليس لديها معلومات كافية، فهى تبدو صيدًا سهلا لجماعات العنف والإرهاب، أنا من الذين يدعون إلى تسليح القوات الأمنية وتدريبها بأعلى درجات الكفاءة حتى يمكنها المواجهة وألا تكون صيدا سهلا للإرهاب، لكن المشكلة أنه في ظل الثقافة الأمنية الحالية قد يساء استخدام السلاح، وهو ما يؤكد أيضًا أننا نحتاج إعادة هيكلة الجهاز الأمني وإعادة تثقيفه من جديد، «طالع المحقق ص16» وأن يعرف أن له عدوا واحدا هو الإرهاب، ثم بعد ذلك الجريمة الجنائية، وأنه حتى يكسب هذه المعركة يحتاج أن يكون الشعب في صفه جنبا إلى جنب، كما نحتاج إلى إعادة المصالحة بين الشعب والأمن، وهى مشكلة حقيقية تواجهنا، نحتاج أيضًا إلى بيئة سياسية مختلفة من خلال فتح المجال العام والاستماع إلى النقد، فليس كل نقد مؤامرة كما يعتقد البعض، نظرًا لأنها ثقافة مدمرة قد تؤدى إلى مزيد من تمركزات الإرهاب، خاصة أن أحد أسباب تغذية الإرهاب وتقويته الإحباط واليأس الاجتماعى، خلال الأربع سنوات الماضية وجهنا ضربات موجعة للإرهاب، لكن من أين يتجدد الآن، قد تكون هناك دول إقليمية تساعده، لكن في اعتقادى العمليات الإرهابية لن تنخفض بل إنها مرشحة للزيادة. من وجهة نظرك.. ما الذي تغير في تركيبة المجتمع المصرى منذ السنوات التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى الآن؟ أعتقد أن المجتمع المصرى تغير بعمق بعد ثورة 25 يناير، أصبح أكثر ثقة في نفسه وفى قدرته على التغيير، وقد أطاح على التوالى برئيسين هما مبارك ومرسي، وقام بالتوالى أيضًا بثورتين اختطفتا، الأولى من جماعة الإخوان، والثانية من أشباح الماضى وفلوله. في أعقاب ثورة يناير، المصريون الذين كانوا يعملون في الخارج كانوا يريدون العودة إلى البلاد، وحاليًا في اتجاه عكسى، فنحن محل اتهام في الخارج، هناك إيجابيات كثيرة حدثت في الشخصية المصرية بعد يناير، أخشى أن يكون هناك من يريد كسرها، نحن ما بين الثقة الكبيرة في النفس وما بين مجتمع مجهد ومتعب وخائف، لكنه لا يمكن الرهان على مجتمع مجهد أبدا، فالأفضل حاليًا أن نسارع في إصلاح المجال السياسي العام، وأن تكون هناك فلسفة واضحة، باحترام حقوق الإنسان والحريات العامة. قانون الطوارئ لم يستخدم ضد الإرهاب ولم يحقق ما كان مرجوا منه، فليس بالطوارئ وحدها نحارب الإرهاب، والطوارئ، قد يستخدم أحيانا وفق الدستور بمنطق آخر المطاف أن يكون آخر شىء يتم استخدامه، لكننا الآن لا أظن أن لدينا إستراتيجية واضحة في الحرب على الإرهاب، نحن الآن في مناطق الخطر المحتمل حتى هذه اللحظة، هناك مشروع معلن من نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وهو ضم شمال سيناء لغزة، والضفة الغربية للأردن، وهو الأمر المستحيل. هل هناك أوجه قصور أمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية؟ وكيف يمكن التعامل مع العائدين من نيران داعش من سوريا والعراق وليبيا؟ هذه الأمور تتعلق بإستراتيجية مكافحة الإرهاب، وتتعلق ثانيا، بالقدرة على الحركة في الإقليم، أن نؤثر وأن نفعل وأن نبادر، وأن تكون القدرة متسقة مع الأمن القومى، لنستطيع الحفاظ على مصالحنا السياسية والاقتصادية والأمنية، أظن هناك مشكلة في السياسة الخارجية المصرية، أنها لا تبادر، حيث يجب أن تبادر ولا يصح أن تكون تابعة. التعامل مع العائدين من نيران الدواعش من ليبيا وسوريا والعراق يتطلب أن يكون المجتمع أكثر تماسكًا، الرئيس السيسي يكرر تعبير تثبيت الدولة كثيرا، وأعتقد أنه تعبير صحيح لكن أي تثبيت؟ دولة الأمن أم دولة الدستور، الدولة التي تتصادم فيها المؤسسات هي دولة ضعيفة وهشة، الدولة القوية هي الدولة الدستورية، والدستورية ليس معناها أن يكون الأمن قويًا، نحن نحتاج إلى الأمن القوى لكن يكون أمن له إستراتيجية وتعاد هيكلته وتدريبه من جديد وأن يصالح شعبه، حتى يساعده الشعب، الدولة حاليًا في حالة انكشاف والدول المنكشفة على هذا النحو لا تقدر على حسم معركة مع الإرهاب. هل تتوقع أنه حال المصالحة مع جماعة الإخوان "المصنفة إرهابية" تتوقف العمليات الإرهابية؟ أعتقد أن جماعة الإخوان من الناحية الموضوعية، لمدة عشر سنوات على الأقل خارج أي احتمالات للمصالحة أو إعادة الدمج، نتيجة التورط في عمليات عنف وإرهاب، أو تحريض عليه. الجماعة خسرت مرتين الأولى في تجربتها في السلطة، وبعد الخروج من السلطة أيضًا خسرت كثيرًا، أظن لا توجد فرصة لعودة الإخوان مرة أخرى. هناك من يتهم الشرطة بالتقصير وعدم القيام بدورها في إنهاء حالة الفوضى في الشارع، ويرى أنها تعاقب الشعب على قيامه بثورة يناير.. ما رأيك؟ قضية الأمن قضية كبيرة وحساسة للغاية، تستحق حوارا مفتوحا في المجتمع المصرى، كيف نقوى جهاز الأمن في الحرب على الإرهاب، ومواجهة الجريمة الجنائية، وتنشيط الاقتصاد، وفى نفس اللحظة كيف نصححه ونصوبه، بحيث يتسق أداؤه مع شعاره الشرطة في خدمة الشعب، هناك مشكلة حقيقية في أوساط أعداد كبيرة من أفراد الشرطة، وهى أن لديهم ثأرًا مع ثورة يناير، وأن الثورة هي التي كسرت جهاز الشرطة. أظن أن كسر الشباب هو كسر مستقبلى لجهاز الأمن، لابد من التفكير جيدا في العواقب، وخاصة أن الشباب هم العمود الفقرى للمستقبل، وهو ما يولد كراهيات، ومع أول منحنى في الحرب على الإرهاب أو في أي ظروف أخرى لن تجد الشعب يقف معك، وستجد الشباب في الجانب الآخر، هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة، أذكر أن أعدادًا كبيرة من قيادات الشرطة برتبة لواء كانت تسأل باستمرار أين سننتهى من الإخوان. قبل يونيو، كانت إجاباتى أن البركة في الشباب، أظن أننا في حاجة إلى مصالحة الدولة مع شبابها وقد تأخرت، وأظن أن بعض قيادات الأمن تعرقل هذه التصالحات، وبالتالى فشلت لجنة العفو الرئاسى الأخيرة في الإفراج عن الشباب. ما توقعاتك للانتخابات الرئاسية المقبلة؟ عندما نتحدث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة فهناك ملاحظات رئيسية، الأولى أن ضيق المجال العام يمنع المنافسة الجادة وبالتالى يبدو أن الرئيس السيسي هو الخيار الوحيد في الانتخابات المقبلة، ربما تخرج بعض الشخصيات كنوع من التعبير الرمزى عن المنافسة، لكن ربما لا يكون هناك منافسة حقيقية. أما الاعتبار الثانى، أن شعبية الرئيس السيسي انخفضت نسبيًا نظرا لأنه كان هناك رهانات كبرى على الرئيس، ولكن ارتفاعات الأسعار وضيق المناخ العام، كل ذلك خفض من الشعبية. هناك من يرى أن البرلمان الحالى جزء من الحكومة وينفذ إملاءاتها وليس برلمان الشعب.. إلى أي مدى تتفق وهذا الرأى؟ إذا قسنا الأداء البرلمانى على النصوص الدستورية والأمور التي وكلت له، أعتقد أنه لم يمارس أي شىء، من صلاحياته الدستورية، على الأقل هل هناك برلمان لم يقدم استجوابا واحدا للحكومة، ويكون اسم التكتل الرئيسى فيه هو دعم مصر، والمقصود بدعم الدولة هو دعم السلطة التنفيذية، ونحن نتحدث عن توازن بين السلطات، لكن على أساس مناقشة عامة وصلاحيات دستورية؟ نحن أمام برلمان يتغول على السلطة القضائية، ويتبع السلطة التنفيذية، لا يمكن أن ننظر له على أنه برلمان حقيقى ولا يليق ببلد قامت بثورتين، نحن لا نهاجم البرلمان من أجل أننا نريد الهجوم، لكن ما نتمناه أن يكون هناك برلمان حقيقى يمارس صلاحياته، ويقوم بواجباته الدستورية. تواجه الصحافة الورقية أزمات كثيرة في مصر.. كيف ترى ما هو قادم على صعيد الصحافة الحزبية والمستقلة والقومية؟ لا أمل ولا مستقبل للإعلام المصرى في ظل خنق المناخ العام، لأن الصحافة هي بنت الحرية والتنوع، وأتذكر كيف زادت نسبة القراءة ونسب توزيع الصحف بعد ثورة يناير، وكيف انخفضت في العامين الماضيين، بحيث أصبح إجمالى أرقام التوزيع نصف مليون نسخة، أو أكثر قليلا، كنا نتحدث عن الأخبار والأهرام في عام، 1974،1973، كانت تتجاوز مليون نسخة، وعدد السكان حينها كان أقل من النصف، خنق المجال العام وأيضا الأزمة الاقتصادية تلقى بظلالها على الصحف، مع غلاء أسعار الورق والسبب المهنى أن الصحافة الورقية تحتاج دائما إلى تطوير في المحتوى.