طوال الفترة الماضية قام المسئولون الإيرانيون ووسائل الإعلام بمحاولات مضنية لوصف عداء طهران المتصاعد ضد أذربيجان كرد على علاقات باكو الوثيقة مع إسرائيل، حيث يصورون الجمهورية الإسلامية بأنها ضحية التعاون بين الدولتين، ومع ذلك، لا يدعم التاريخ هذا الادعاء - فقد عملت طهران ضد أذربيجان المستقلة منذ إنشائها في عام 1991، قبل وقت طويل من إقامتها علاقات وثيقة مع إسرائيل. ويعد التفسير الأكثر قبولاً لهذا العداء هو الخوف من أن الرخاء والنزعة القومية الأذرية قد يثيران المجتمع الأذربيجاني في إيران الذي يشكل ثلث سكان البلاد. وأياً كان السبب، فقد دأبت طهران على تهديد أمن جارتها وتقدمها الاقتصادي، حيث تقدم طهران الرعاية للإسلاميين وغيرهم من الجماعات المناهضة للحكومة أو تحتفظ بعلاقات معهم في البلد المجاور. وقد نجحت باكو في إحباط عدد من المؤامرات الإرهابية الداخلية كادت أن تقوم بها جماعات ذات صلة بإيران كانت تستهدف السفارات الأمريكية والإسرائيلية فضلاً عن مؤسسات الطائفة اليهودية في العاصمة. ففي عام 2008، على سبيل المثال، أعلن مسئولون عن نجاحهم في إحباط خطة لتفجير سيارات مفخخة بالقرب من السفارة الإسرائيلية؛ وفي وقت لاحق أدانت محكمة أذربيجانية اثنين من المواطنين اللبنانيين لهما علاقات مع إيران، لتورطهما في تلك العملية الإرهابية. وفي عام 2011، حاول عملاء يرتبطون بعلاقات مع إيران اغتيال السفير الأمريكي في أذربيجان. ومن جانبها، اتخذت باكو جوانب الحيطة والحذر إلى حد كبير في سياستها تجاه الأقلية الأذربيجانية في إيران. وعلى سبيل المثال، يتم بشكل واضح استبعاد الوفود الإيرانية من مؤتمرات الشتات التي يتم رعايتها رسمياً في باكو خلال عقدين من الزمن. ومع ذلك، فخلال فترات العداء الإيراني المكثفة كثيراً ما تستغل باكو قضية "جنوب أذربيجان"، لتذكير طهران بأن في جعبتها الوسائل التي تمكنها من تهديد استقرار إيران. ففي يوليو 2001، على سبيل المثال، هددت الزوارق الحربية الإيرانية إحدى سفن الاستكشاف التابعة لشركة "بي بي" في القطاع الخاضع للسيطرة الأذرية من بحر قزوين، كما خرقت الطائرات الحربية الإيرانية أجواء البلاد عدة مرات. وما كان من باكو إلا الرد بنشر كتب مدرسية تحتوي على خرائط لأذربيجان تضم شمال غرب إيران، بينما جددت منافذ التليفزيون بث سلسلة من البرامج حول ثقافة "جنوب أذربيجان.". وفي الآونة الأخيرة، سمحت باكو ل "حركة التحرير الوطني لجنوب أذربيجان" بعقد مؤتمر في العاصمة في 30 مارس، يهدف إلى تسليط الضوء على أحدث ما شهدته التوترات مع طهران. ورداً على ذلك، طالب حسين شريعتمداري - ناشر صحيفة كيهان (أكبر صحف إيران) ومستشار مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي - أذربيجان بإجراء استفتاء حول ما اذا كانت ستنضم إلى إيران. ومع هذا، فإن أجواء التوتر الأخيرة على وجه التحديد ليست استثنائية على الإطلاق. وقد اصطدمت طهران مع باكو مرات عديدة على مدى العقدين الماضيين، ولم تكن طبيعة علاقتهما متأتية كنتيجة مباشرة لتعاملات أذربيجان مع إسرائيل. ومن المؤكد أن التقارب الأذري الإسرائيلي هو شكل من أشكال التحدي الاستراتيجي الأوسع نطاقاً الذي تواجهه باكو(بما في ذلك محاولات متكررة لزعزعة الاستقرار تقوم بها إيران وروسيا في محاولاتهما لاستعادة السيطرة على منطقة بحر قزوين)، ولكن طهران لا تشكل سوى جزء من هذه الحسابات. وباختصار، لدى أذربيجان أسباب استراتيجية وجيهة ومستقلة وراء تعاونها مع إسرائيل وعلاقتها الضعيفة مع إيران. وعلى الرغم من تصريحات طهران التي تأتي على النقيض من ذلك، هناك توجهات إقليمية مشتركة تربط باكو وإسرائيل، كما يوجد تعاون استراتيجي قوي مع الولاياتالمتحدة، بينما تشكل إيران تهديداً أمنياً قوياً على البلاد. نقلاً عن مهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى