سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو.. عمال النظافة أبطال اللقمة الحلال في الشهر الكريم.. 60% منهم مصابون بفيروس سي.. عبد السميع: كله إلا القرش الحرام.. حسين: نصف رواتبنا تلتهمها المواصلات
رغم الظروف القاسية التي تحيط بهم أثناء ساعات عملهم الطويلة، فإن عمال النظافة.. على الجانب الآخر، لا يجدون أي تقدير على جهودهم، ماديا أو معنويا، فراتبهم لا يزال يلامس الحد الأدنى، الذي لا يوفر لهم حياة كريمة، ليس هذا فحسب، لكن ظروف عملهم تجعلهم دائما عرضة للأمراض؛ بسبب تعاملهم مع القمامة بشكل مباشر، دون أي إجراءات وقائية، أو بدلات تصرف لهم تحت بند "بدل عدوى". ورغم صعوبة المهنة، وعدم تقبل المجتمع لها، وعدم وجود راتب مجز، إلا أنهم ارتضوا بما قسمه الله عز وجل لهم في هذه الدنيا، لا يبحثون إلا عن الستر، يتحلون بكنز القناعة، ويتمسكون بأنه كنز لا يفنى، ورغم مصاعب الحياة لا يسخطون، يملكون الدنيا أثناء استراحة قليلة من العمل يشربون الشاى، ويتسامرون مع بعضهم البعض، وتتعالى ضحكات الرضا، رغم وجوههم الشاقة. "فيتو" التقت مجموعة من عمال النظافة بوسط القاهرة والخليفة، يعملون ليلا ونهارا لتنظيف أطهر وأقدس مكان بالعاصمة، فهم يرفعون القمامة من محيط مساجد أولياء الله الصالحين، وفي أيام الاحتفالات تزداد معدلات عملهم، لكنهم رغم هذا يعملون دون ضجر، فهم يعملون في رحاب الإشراف. إحصائيات مزعجة الإحصائيات تؤكد وجود 3 ملايين عامل نظافة على مستوى الجمهورية، حسبما أكد المهندس أمين حسن، النقيب العام للعاملين بالنظافة والبيئة، يعملون في جمع القمامة وكنس الشوارع وتدوير القمامة و"تباعين سيارات القمامة"، وهم الذين يقومون بتفريغ القمامة من الصناديق بالسيارات. أوضح أن 25% من هذه النسبة يعمل في القطاع العام، و75% المتبقية منهم يعملون في القطاع الخاص كشركات النظافة الأجنبية، وعمال الشركات التي تعمل داخل المستشفيات والمصانع والهيئة القومية لمترو الأنفاق والسكك الحديدية. 18 ألف عامل وأوضح النقيب العام للعاملين في النظافة والبيئة، أن هناك ما يقرب من 18 ألف عامل نظافة بهيئة النظافة والتجميل بمحافظة القاهرة، إضافة إلى العاملين في شركتي النظافة الأجنبية، حيث يعمل في شركة "أما العرب" المنوط بها تنظيف شمال وغرب القاهرة، 15 ألف عاملا منهم 5 آلاف عامل كنس، و10 آلاف عامل جمع، ويعمل في شركة "إف إف سى" المنوطة بتنظيف شرق القاهرة 7 آلاف عامل، منهم ألفان في الكنس، و5 آلاف في جمع القمامة، أي يعمل ما يقرب من 40 ألف عامل نظافة في القاهرة بالقطاعين العام والخاص. وأكمل: عامل النظافة بالقطاع العام، يحظى بالتأمين الصحى والاجتماعى، وله راتب ثابت ولكنه قليل، أما بخصوص بدل العدوى فهو لا يتعدى ال30 جنيها شهريا، وهكذا بدل الوجبة، أما العاملون في القطاع الخاص ف5% منهم فقط يحظون بالتأمين الصحى والاجتماعى، أما الباقى فهو غير آمن في وظيفته. 3 آلاف جنيه وشدد "حسن" على ضرورة أن تهتم الدولة بتحسين مستوى معيشة عمال النظافة، وأن يتم رفع راتبهم ليتقاضوا 3 آلاف جنيه كحد أدنى، مع زيادة بدل العدوى وبدل المخاطر؛ ليصل إلى 300 جنيه، كأي موظف في الدولة، موضحا أن عامل النظافة يتعامل مع القمامة التي تمتلئ بالفيروسات والبكتيريا، كاشفا أن 60% من عمال النظافة مصابون بفيروس سي وأمراض سرطانية وأمراض جلدية، وأمراض في الجهاز العصبي، نتيجة تعاملهم المباشر مع القمامة دون وجود أي وسائل وقائية. وسائل وقائية وطالب بضرورة توفير الدولة وسائل وقائية لهؤلاء العمال؛ لحمايتهم من الأمراض التي تظهر عليهم بعد سن معين، مشيرا إلى أن عمال الهيئة يتعاملون مع القمامة بدون "قفازات" والبعض منهم يرتدي "شباشب"، مشيرا إلى أنه لابد من حماية عمال النظافة، وأن تعاملهم الدولة كمواطنين مصريين. من جانبه قال المهندس فرج الشيخ، مدير فرع هيئة النظافة والتجميل بوسط القاهرة: عمال النظافة بالهيئة يتم صرف بدل عدوى لهم بواقع 10% من أساسى الراتب و10% بدل وجبة من أساسى الراتب، وبدل مخاطر 60%من أساسى الراتب، مشيرا إلى أن هناك تفاوتا في أساسى الراتب للعمال وفقا لوقت تعيينهم بالهيئة، فهناك أساسى يصل إلى 200 جنيه وهناك أساسى يصل إلى 1200 جنيه. وأضاف: عمال النظافة يعانون من تدني الرواتب والخدمات، مشيرا إلى أنه لا بد أن تعمل الدولة على رفع الحوافز والبدلات وأن يتم صرف بدل المخاطر 300%، قائلا: «عامل النظافة لما بنصرف له منحة رمضان 300 جنيه، كأنه خد 20 ألف جنيه». كارنيه النادي في تمام الخامسة صباحا، يستيقظ شحاتة عبد السميع السعودى، يؤدى صلاة الفجر ويستعد للانطلاق في رحلته اليومية إلى "القاهرة"، فيقبل أبناءه الثلاثة وهم نائمين، ويوصي زوجته بأن يؤدوا صلاة الصبح، قبل أن يبدأوا رحلتهم إلى مدارسهم، فيحضر شنطة "الشغل"، التي تحتوي على ملابس بالية و"سندوتش جبنة قديمة"، تعده له زوجته ليفطر به مع كوب الشاى، قبل أن يبدأ عمله. يكسو السمار وجهه، فالشمس منحته هذا اللون شرفا له؛ لعمله تحت أشعتها الحارة، جسده نحيل ضعيف، فوجبته قد تكون هي الفول والطعمية لسد جوع بطنه، ليكون قادرا على العمل، وبعد يوم شاق في تنظيف الشوارع ورفع القمامة، يعود إلى منزله، يستقل مواصلاته ليصل إلى الغربية، وفى أحد الأيام بعد انتهاء فترة عمله، واستعداده للركوب للعودة، وجد شنطة أسفل كوبرى الإباجية، لم يعرف ماذا يفعل؟ فالعمل قد أنهك قواه وشل تفكيره. عاد "شحاتة" وبيده الشنطة إلى منزله، وفور وصوله ذهب مسرعا إلى أخيه فهو على دراية بالتعامل مع الإنترنت، وطالبه بالبحث عن صاحب الشنطة لردها إليه، لكنهم لم يجدوا بداخل الشنطة أي رقم أو بيانات تدل على صاحبها، إلا أن كارنيه نادي سموحة أرشدهم عن صاحبتها. وروى لنا "شحاتة" أن شقيقه أجرى اتصالا بالنادي، وأبلغهم أنهم وجدوا شنطة مهمة بها مبلغ 500 جنيه وأوراق مهمة تتضمن فيزا كارت ورخصة سيارة وبعض الأوراق الشخصية تخص صاحب العضوة المشتركة في النادي، لم تمر دقائق خمس حتى تواصل النادي مع العضوة ومنحها رقم شحاتة للتواصل معه، وبالفعل تم التواصل بينهما. "مجاش ولا لحظة والشيطان وسوس ليا وطمعت في الشنطة، أنا متربى على الشرف والأمانة" بهذه الكلمات رد "شحاتة" مدافعا عن نفسه عندما سألناه، ماذا فعلت مع وسوسة الشيطان عندما وجد الشنطة؟ بل كشف لنا أنه لم يحصل على أي أموال من صاحبة الشنطة بالرغم من عرضها عليه تقديرا لأمانته، واكتفى بتكريم الهيئة له الذي يعد بمثابة وسام شرف، قائلا: "مرضتش آخد أي فلوس من صاحبة الشنطة، عشان ميدخلش بيتى مليم متعبتش فيه". وأوضح "شحاتة" أن لديه بنتان أمل في الشهادة الابتدائية وأميرة في الصف الثالث الابتدائى، وولد صغير بالحضانة، مشيرا إلى أنه لا يريد من الدنيا سوى تربيتهم بالحلال وتعليمهم. حاجة مش بتاعتنا محمد حسين يوسف، الرجل الأربعيني يضرب مثلا آخر للأمانة، يرتدي عمامته، وبدلة رسمية حصل عليها "عهدة" من هيئة النظافة والتجميل، يداه تشققتا من كثرة الإمساك ب"المقشة"، وظهره ودع الاستقامة منذ أن قرر أن يجعل مجتمعه نظيفا، يحمد الله على توظيفه بالهيئة، رغم معاناة قيادات الهيئة من نفور الشباب وأبناء القاهرة من الوظائف التي تطرحها الهيئة للعمل في نظافة الشوارع، فإن محمد حسين يرى أن الله قد استجاب لدعوته بتعيينه كعامل نظافة. وظيفة ثابتة وأكد "محمد" أثناء حديثه لنا أنه كان يعمل في إحدى شركات النظافة الأجنبية، ولكن تم الاستغناء عنه ومكث في البيت دون عمل لفترة طويلة، ذاق فيها مرارة الأيام، لذلك فور تعيينه في الهيئة كعامل نظافة سجد لله حامدا نعمته على تعيينه في وظيفة ثابتة، تضمن له راتبا ثابتا شهريا حتى وإن كان قليلا. ثمانى ساعات.. يعملها "محمد".. تبدأ من الثانية ظهرا وحتى العاشرة مساء، يشد الرحيل يوميا من محافظة القليوبية، تكلفة المواصلات يوميا 15 جنيها، يعود لمنزله في الثانية فجرا، وينزل منه مع أذان الظهر، يعود منهكا فيتناول طعامه، ويذهب مسرعا إلى السرير حتى يأخذ قسطا من الراحة يمكنه من عمل الغد، لا يجد فرصة للجلوس مع زوجته وأبنائه، راتبه الشهري لا يتعدى 1200 جنيه. وأكد لنا "محمد" أنه رغم ضعف راتبه، فإنه يحمد الله، ولا يطلب سوى الستر له ولبناته الثلاث، معربا عن حزنه الشديد لغلاء الأسعار الفترة الأخيرة وارتفاع أسعار المواصلات، موضحًا أن المهندس فرج الشيخ، مدير فرع الهيئة بحى وسط القاهرة، يحاول في أي فرصة صرف مكافآت لهم، تساعدهم في ظروف المعيشة، كزيارات المحافظ والأعياد. وكشف لنا أن هناك تعليمات من الهيئة بتسليم أي مفقودات للفرع أو قسم الشرطة؛ لتوصيلها إلى صاحبها، مشيرا إلى أنه بالرغم من أنهم عمال نظافة وراتبهم ضعيف، فإنهم لا يطمعون فيما لا يملكون، قائلا: «مش بنمد إيدينا على حاجة مش بتاعتنا». «نفسى عيالى مايتبهدلوش» لم يختلف الحال كثيرا عند محمد صلاح، الشاب الثلاثيني، الذي يأتي كل يوم من منشأة البلد بالجيزة إلى حى وسط القاهرة، لتنظيف الشوارع، موضحا أن لديه ثلاثة أبناء، الكبيرة بالشهادة الابتدائية والباقي ما زال صغيرا، لم يصل لسن التعليم، قائلا: «مرتبى آه قليل، ومش بيكفي، بس الحمد لله على كل شيء بعيش على قدي». كغيره من الآباء يريد أن يحصل أبناؤه على فرصة تعليم حتى يصبحوا أفضل منه، ولكن قد تزيد الرغبة عند صلاح كأى أب آخر، بعد أن ذاق بنفسه شغل الشارع ونظرة المجتمع له، حيث قال: «نفسي أعلم عيالى أحسن تعليم عشان ميتبهدلوش ويبقوا زيي». وأوضح "صلاح" أن ظروف المعيشة أصبحت أصعب من الأول، والمواصلات أصبحت تلتهم أكثر من ربع الراتب، وما يتبقى للمعيشة يكون غير كافٍ، مشيرا إلى أنهم ينتظرون المكافآت بفارغ الصبر التي تصرفها الهيئة في المواسم والمناسبات، مبتسما: «نواية تسند الزير». طبيبة ومهندسة يرتدى "طاقية" تحمي رأسه من حرارة الشمس، ويمسك في يده "مقشة" يكنس بها التراب، ويزيل القمامة من الشوارع، حتى تصبح نظيفة وجميلة، رغم شقاء الحال، فإن الابتسامة لا تفارق وجهه، إنه محمد عبد الواحد الشاب الذي يودع العشرينات، يعمل بهيئة النظافة والتجميل بالقاهرة، يأتي يوميا من شبين القناطر من القليوبية، مؤكدا أنه يقتطع من راتبه 600 جنيه للمواصلات، وهو ما يعادل نصف الراتب. رغم الراتب المتدني الذي يحصل عليه "محمد"، فإن هذا لم يمنع أحلامه من الظهور والتمدد أمامه، حيث أكد أنه يحلم بأن تصبح ابنته الكبرى مهندسة، والصغرى يتمنى لها أن تكون طبيبة، وأنه يسعى جاهدا أن يحقق حلمه حتى لو اضطروا ألا يأكلوا حتى يتعلموا كلهم. «كل ما اشتري لبس للبنات ألاقى الطقم ب 200 جنيه، مش عارف أجيب هدمة ليهم»، بهذه الكلمات تحدث "محمد" عن وضعه الحالى، مؤكدا حزنه الشديد لعدم تمكنه من شراء ملابس جديدة لبناته، وعدم مقدرته على توفير حياة جيدة لهم، شاكيا من غلاء الأسعار والمعيشة وعدم سد الراتب لأقل احتياجاتهم، مناشدا الحكومة التحسين من مستوى معيشة عامل النظافة.