البورصة المصرية تربح 34 مليار جنيه في ختام التعاملات    الجريدة الرسمية تنشر قرارات الرقابة المالية بشان ضوابط غسل الأموال بشركات التمويل    اليونيفيل تعلن إطلاق دبابة إسرائيلية النار على قواتها في جنوب لبنان    د. معتز صلاح الدين يكتب : مصر والسودان لنا... وإنجلترا إن أمكن!    نتنياهو يواجه الانتقادات.. عام انتخابى وهجمات تمهيدية من داخل الليكود وخارجه    شاهد فرحة فريق مرموش بالفوز على دونجا فى مران منتخب مصر قبل مواجهة كاب فيردى    دقيقة حداد على روح محمد صبرى نجم الزمالك السابق فى قمة 2005    مدرب منتخب مصر للكوميتية: مستعدون لبطولة العالم للكاراتيه.. وننتظر مساندة الجماهير    محافظ الفيوم يتابع جهود ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار    تأجيل نظر استئناف «توربيني البحيرة» ل20 ديسمبر للمرافعة    ضبط طرفي مشاجرة بالشرقية بسبب خلافات الجيرة    جهود صندوق مكافحة الإدمان.. تخريج 100 طالب من دبلوم خفض الطلب على المخدرات بجامعة القاهرة    عرض فيلم «المهاجر» ضمن برنامج كلاسيكيات القاهرة    الحالم البهيج    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    إيطاليا ضد النرويج.. هالاند يطارد المجد فى تصفيات كأس العالم    اعتماد تعديل تخطيط وتقسيم 5 قطع أراضي بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر    أجواء شتوية رائعة فى أسوان واستقبال أفواج سياحية جديدة.. فيديو    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    أصوات انفجارات لا تتوقف.. قصف مدفعي إسرائيلي على المناطق الشرقية لخان يونس بغزة    تشكيل البرتغال المتوقع لمواجهة أرمينيا.. رونالدو يغيب للايقاف    عودة قوية للجولف في 2026.. مصر تستعد لاستضافة 4 بطولات جولف دولية    دولة التلاوة.. مصر تُعيد تلاوتها من جديد    كاتب بالتايمز يتغنى بالمتحف المصرى الكبير: أحد أعظم متاحف العالم    ترامب يواصل إفيهات للسخرية من منافسيه ويمنح تايلور جرين لقبا جديدا    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    تشمل إمدادات الغاز.. زيلينسكي يعلن عن اتفاقيات جديدة مع شركاء أوكرانيا    حكاية وباء يضرب الحياة البرية.. إنفلونزا الطيور تفتك بآلاف أفيال البحر في الأطلسي    «الإسماعيلية الأهلية» تهنئ بطل العالم في سباحة الزعانف    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    عراقجي: النهج الحالي للولايات المتحدة لا يدلّ على الاستعداد لمفاوضات عادلة ولن نشارك في مفاوضات هدفها الإملاء    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    الإحصاء: حجم قوة العمل 34.727 مليون فرد بزيادة 3.3% خلال 3 شهور    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    أيمن عاشور يبحث سبل التعاون مع وزيرة التعليم والعلوم وسفيرة دولة مقدونيا الشمالية بالقاهرة    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    محمد فراج يشعل تريند جوجل بعد انفجار أحداث "ورد وشيكولاتة".. وتفاعل واسع مع أدائه المربك للأعصاب    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة السيسي وطابونة المحافظين
نشر في فيتو يوم 06 - 06 - 2017

قبل أن يغلق الشهر بابه على عبارة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي أعلن فيها أننا في دولة ولسنا في طابونة، لايزال الجدل دائرا: هل نحن فعلا في دولة أم نعيش عصر الطابونة؟ وما الفرق بين الدولة والطابونة أولا ؟ وهل ما فعله المحافظون والوزراء تنفيذا لتعليمات الرئيس يصل إلى ما يمكن أن نسميه وباطمئنان "تصرف دولة " وليس "صاحب طابونة".. أظن أن سياحة في المعانى تكشف لنا ماهو أبعد من الطابونة وأعمق من الدولة.
الدولة في تعريفها الأبسط بعيدا عن التعريفات السياسية التي لا أتصور أن واحدا منها ينطبق على مصر.. الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطا على مساحة جغرافية معينة ويحكمهم نظام سياسي، من المفترض أنهم ارتضوه أو شاركوا في وضعه، وبالتالى فإن عناصر الدولة هي (أرض- ناس- حكومة) والحكومة هي أداة الدولة في ممارسة القمع الشرعى لمواجهة الفوضي، وتسيير أمور الناس.
اما الطابونة فهى مفرد طابون أو طوابين، والطابون هو المكان الذي تٌطبن فيه النيران أي تدفن حتى لا تنطفئ، وهو الفرن، والفرن مساحة جغرافية يمارس عليها عدد من البشر نشاطا هو العجن والخبز، ويحكمهم نظام يضعه صاحب الطابونة، وبطريقة أو بأخرى شاركوا في وضعه، وأصبح لديهم دستور حاكم، وهو بالطبع دستور مطاط يمكن لصاحب الطابونة أن يتجاهل بعض مواده إذا ما احتاج لذلك.
إذن الفارق بين الطابونة والدولة ليس كبيرا في منطقتنا العربية، بل إن الميزة تميل أكثر إلى الطابونة، حيث يحرص صاحبها على تحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب العاملين بها، ليحقق لنفسه مكاسب أكبر، في حين أن الدولة في المفهوم العربى يحقق فيها الحاكم وزمرته ورفاقه وأصدقاؤه ما يمكن أن يتعارض مع مصالح أعضاء الجمعية العمومية للدولة، وهو ما ينطبق على حالات كثيرة، ليس من بينها مصر!!
نعود إلى تحذير الرئيس وإعلانه أننا نعيش في دولة وليس طابونة، وهو إعلان بالمناسبة أثلج صدور العامة والخاصة، حيث عبرت بلادهم من طابونة إلى شبه دولة، والآن هي تعيش مرحلة الانتقال إلى الدولة، وشيئا فشيء سنتعرف على ملامح دولتنا، وما إذا كانت تنتمى إلى النموذج الليبرالى الذي يعتبر الدولة حكما محايدا بين المصالح والجماعات، أما أننا سنعود فجأة إلى النموذج الماركسى الذي يعتبر الدولة أداة للقمع الطبقى.
الذي حدث من بعض المحافظين هو نصب بكل ما تحمل الكلمة من معني، والنصاب هي صيغة مبالغة من "نصب"، والنصاب هو من ينصب نفسه لعمل لم يطلب منه، والنصاب هو المخادع والمحتال، والمعانى الثلاثة تنطبق على عدد غير قليل من المحافظين المتورطين في النصب، فالتكليف الصادر لهم هو منع التعدى على أرض الدولة، أو مواجهة مغتصبى أرض الدولة، على أن تتم هذه المواجهة وفق مفهوم الدولة وليس الطابونة.
الذي حدث أن بعضهم نصب نفسه للقيام بعمل لم يطلب منه، فاعتدى على منشآت ومزروعات وبيوت وعشش وقرى، وفق مفهوم الطابونة الذي حذر منه السيسي، ثم إن بعضهم خدع الرئاسة بالإعلان عن تحرير أرض الدولة، وهو يعلم أنه اغتصب حقا من الناس، وجار عليهم على طريقة أنها طابونة، بل وأكثر ظلما من طابونة، يديرها صاحب مصلحة في تحقيق المصلحة، وفريق منهم مارس ما لا يمكن لصاحب الطابونة ممارسته، فطالت بلدوزاراته ما لا يجوز أن تطاله يد الهدم والتخريب.
المشاهد التي نرويها اختزالا واختصارا لما حدث ويحدث الآن في مصر، حيث تسير الأمور في طريق أضيق بكثير من أفق صاحب الطابونة... خراب زرعته بلدوزارات الطابونة، ومدراء الطابونة، وكذابى الطابونة.. وجولة يسيرة على ما حدث تؤكد المعنى الحقيقى للطابونة، وتهرب بعيدا عن مغزى ومفهوم ووظيفة الدولة التي يعيش سكانها على خمسة عشر مليون فدان، من جملة مائتى وأربعين مليون فدان بالتمام والكمال.
على أن مساحة الدولة الحقيقية ليس بما تملك من أرض، وإنما بما يملك الناس من وطنهم، فالدولة التي يعيش سكانها على خمسة بالمائة فقط من مساحتها، ليس منطقيا أن تطاردهم فيما يسعون إليه وفق آليات هي من قامت بوضعها، وأولها وضع اليد الذي حددت مفهومه قوانين الدولة وليس قوانين الغاب أو الطابونة، والأرض لا قيمة لها إلا بما يمارس عليها من نشاط، فمن زرع أرضا فهى له، وأهلا وسهلا به معمرا وبانيا وصاحب حق، وهو ما ينطبق على المشروع العملاق الذي وضعه العالم الجليل الدكتور مصطفى البرادعى، الذي رأى من خلاله أن يتملك الناس أرض بلادهم، ليصبحوا مواطنين أسوياء وأصحاب حق في بلادهم.
هناك وفى عمق الجنوب المصرى على حدودنا مع الشقيقة السودان، يعيش أناس لم يروا من الدولة إلا البلدوزر..عاشوا مهمشين بلا أية رعاية، ابتنوا لأنفسهم عششا تحميهم من حر لا يطيقه المقيمون في تكييفات الحكومة، وتقيهم ويلات رياح شتاء عاتية لا تعرف الرحمة، فلم يكن من السيد محافظ البحر الأحمر سوى أن هاجمهم فجرا ببلدوزارات، وهم العدد اليسير الذي لا ناقة لديه ولا جمل إلا عشة استكثرتها الدولة عليهم، فتحولت بالنسبة لهم إلى طابونة، يديرها محافظ لايعرف المعنى الحقيقى للدولة.
قبل أن تصل الدولة إلى دمياط الجديدة، ومنذ ستين عاما، وعندما لم يجد الناس دولة تبنى لهم بيوتا، استطاعوا بجهودهم أن ينشأوا قرية الصيادين.. عاشوا فيها على الهامش، سلمتها أجيال لأجيال، وارتضوا من الدنيا أن يعيشوا على الأطراف، حفظت لهم أعراضهم وشرفهم سنوات تلو سنوات، فلم يكن من السيد محافظ دمياط إلا أن هاجمهم بآليات جعلت بيوتهم والتراب سواء، دون جريرة ارتكبوها..أليسوا مواطنين قاموا بما لم تقم به الدولة تجاههم.. أليسوا شعبا لم يجد إلا أن يأوى نفسه بنفسه مادامت غابت الدولة ؟!!
في محافظة البحيرة استطاع الشباب وبجهود ذاتية أن ينشئوا لهم مركزا يمارسون فيه الرياضة بعيدا عن رياضة التغييب الدينى لجماعة نشأت وترعرعت في هذه المحافظة، حتى تمكنت منها، فلم يكن من السيد محافظ البحيرة إلا أن خطط لهجوم مباغت على مركزهم بدعوى أنه أنشئ على أرض الدولة، وذلك على اعتبار أنهم أجانب محتلون وغاصبون لأرض الدولة، ويجب نسف مركزهم بالبلدوزارات.
في محافظة الدقهلية فوجئ رئيس جامعة المنصورة باتصال هاتفى من السيد المحافظ، يخبره بأنه سيقوم بإزالة تعديات جامعة المنصورة على ثمانين فدانا، هي في الأساس جزء من المزرعة النموذجية للجامعة، وذلك بدعوى أن الجامعة احتلت واغتصبت واعتدت على أملاك الدولة، وذلك يقينا لأن المحافظ يرى أن محراب العلم الحكومى هو في الأساس كائن مغتصب للأرض، يجب إزالته بناء على تعليمات الرئيس.. هكذا تحول المحافظ إلى صاحب طابونة، وأصبحت الجامعة كيانا محتلا للأرض!!
في إحدى القرى وقفت القوات تساندها قوات لمواجهة السكان الغلابة، لأنهم ابتنوا بيوتا من الطين، يحتمون بها من ويلات الدنيا.. تعلق الطفل الصغير بقدمى ضابط الشرطة الذي هزه أن يرى حجم قواته غير متناسب مع جريمة أم ابتنت لنفسها وولدها بيتا من طين فرفض تنفيذ قرار الإزالة، وغادر غير نادم على إنسانيته.. على نيل بنها خالف أحد المواطنين القواعد، وابتنى برجا كبيرا احتفلت القوات بتفجيره، رغم أن الرجل تبرع به للدولة.. فضلت القوات تفجيره وتحويله إلى كومة تراب بدلا من استغلاله والاستفادة به..إنها نزعة الطابونة وليست قواعد الدولة.
أما الزراعات فحدث ولا حرج.. كان الرئيس واضحا فيما قال، غير أن التنفيذ كان غامضا فيما فعل.. في بر مصر يتحدث الناس عن الخراب والدمار..صادروا ماترونه مخالفا إلى أن يثبت أنه مخالف، فإن ثبت العكس فالحق لأصحابه يعود.
مشكلة مصر ليست في عشرات وآلاف الأفدنة التي سعى الناس لإعمارها أو زراعتها، وإنما آفتنا الكبرى في أن تبقى الأرض خرابا يسكنها الفراغ.. أن يحاول الشعب سد الفراغ الذي تركته الدولة التي لم تبن، ولم تزرع له، فحاول أن يبنى ويزرع ويتملك جزءا منها.. وضع اليد على أرض الدولة بقصد التعمير أمر محمود، ووضع له القانون قواعد حاسمة، أما الهدم الذي حدث ويحدث، فإنه استبدال للناس بالفراغ الموحش.. آلاف السنين والأرض كما هي لا قيمة لها.. أصبح لها قيمة عندما تصدى الشعب لتقاعس الدولة، ومارس ما لم تمارسه.. إن نظرة واعية لما يحدث تفرض علينا أن نخرج الناس من الوادى الضيق لا أن نطاردهم ليبقوا في حظيرة الفئران التي تكاد تنفجر!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.