في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها الشارع المصري، تعالت الأصوات المطالبة بوقف تنفيذ المشروعات التي أطلقتها الحكومة ووصفتها ب"القومية"، خاصة أن ثمار هذه المشروعات لن يشعر بها المواطن المصري إلا بعد عقود، ولن تؤتى أكلها في الوقت القريب، وطالبت الأصوات الرافضة الدولة والحكومة بمنح أولوية للمشروعات الإنتاجية والصناعية، وخاصة القائم منها حاليا، ويعاني من التعثر لبث الحياة به من جديد لجنى ثمارها بشكل سريع، والحد من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نعاني منها حاليا. يشير مراقبون إلى أن توتر العلاقات المصرية– السعودية مؤخرا يزيد من توقعات تفاقم الأزمة الاقتصادية، وخاصة أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثانية بين الدول المستثمرة في مصر، باستثمارات تقدر بنحو 6.1 مليارات دولار، وكانت المملكة قد تعهدت بضخ المزيد من الاستثمارات بالسوق المصرية خلال الفترة القادمة. وأطلق الرئيس السيسي عددا من المشروعات الكبرى التي تزيد استثماراتها على نصف تريليون جنيه، وفى مقدمتها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تقدر استثمارات الأسبقية الأولى بها بنحو 60 مليار جنيه، تتحمل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان الجزء الأكبر منها، وبلغت استثمارات الهيئة حتى الآن بالمشروع نحو 18 مليار جنيه، وضخت نحو 6 مليارات جنيه خلال العام المالي المنتهي 2015-2016، ومن المقرر أن تضخ نحو 12 مليار جنيه خلال العام المالي 2016-2017، وتبلغ مساحة الأولى 10.5 آلاف فدان، فيما يصل إجمالى مساحة العاصمة الإدارية 168 ألف فدان، ويضم الحى السكنى 20 ألف وحدة موزعة على 1792 عمارة، كما يجرى ترفيق 3130 فدانا. علاوة على مشروع الإسكان الاجتماعي، والذي تقدر تكلفته بنحو 200 مليار جنيه، ويمول صندوق الإسكان الاجتماعي التابع لوزارة الإسكان المشروع خلال العام المالي ب 61 مليار جنيه. وتضم قائمة المشروعات القومية أيضا مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، تقدر باستثمارات بنحو 20 مليار جنيه، أفاق قناة السويس الجديدة بتكلفة 8 مليارات جنيه وغيرها. الدكتور رضا حجاج أستاذ التخطيط العمرانى، قال: إن غياب الإستراتيجية الواضحة والعشوائية، وتخبط الحكومة وراء تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي نعانى منها حاليا، مشيرا إلى أن الدولة اهتمت بمشروعات ذات صخب إعلامي وسياسي دون مردود اقتصادي جيد، أو تحتاج لعقود لجنى ثمارها، وكان من الأولى والأهم التركيز على المشروعات الإنتاجية والصناعية التي تلبى احتياجات المصريين، وتحد من اعتمادنا على الاستيراد من الخارج، والحد من الأزمة الدولارية المتصاعدة حاليا. أضاف أن الدولة اهتمت بمشروعات إعلامية ليس أكثر ومنها مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، وكان من الأولى والأهم استئناف العمل بمشروع قرى الظهير الصحراوى، والذي أطلق منذ سنوات وتوقف العمل به بالرغم من أهميته الكبيرة. الاستشاري عمرو على رئيس مجلس إدارة شركة «بيت العمارة» للاستشارات الهندسية، أكد أنه حذر مرارا وتكرارًا بأن تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة لن يعود على الاقتصاد المصري بشىء، ولن يضبط إيقاع السوق، وهذا ما حدث بالفعل بعد مرور قرابة العامين على تنفيذها، مشيرا إلى البلد في حاجة لأفكار اقتصادية سليمة وليس مشروعات كبرى "سياسية بالمقام الأول" وقد تفيد هذه المشروعات شريحة بعينها لمدة عام أو عامين - شركات المقاولات التي تنفذها- ولكن لن تؤتى ثمارها على الاقتصاد الوطني. وطالب عمرو على وطالب بوقف تنفيذ هذه المشروعات لمدة عام أو عامين لحين تحسن الأوضاع المالية والاقتصادية للبلاد، ونحتاج لخطة شاملة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية، تتضمن تغيير نظام الجمارك وطرح الأراضي بأسعار المرافق ومنع بيع الأراضي للاجانب. وأشار إلى أهمية تغيير توجه الدولة ليتركز على القطاع الصناعي والإنتاجي، ويتم ذلك من خلال طرح الأراضي بأسعار المرافقة لكل القطاعات "سكني - تجاري- زراعي- سياحي"، لأن الأرض تخصص للتنمية وليس للتجارة، مع إعفاء الصناع والمصدرين من الضرائب، وإعفاء استيراد المعدات من الخارج من الرسوم الجمركية والضرائب، مؤكدا على أن إنعاش القطاع الصناعي يوفر 5 ملايين فرصة عمل دائمة، وليست مؤقتة كما يحدث بقطاع المقاولات. واقترح عمرو على منح الأجانب الأراضي بالمجاني بشرط تنفيذ مشروع صناعي جديد، واستقدام التكنولوجيا الصناعية من الخارج بهدف توطينها في مصر، ونقل المعرفة والتكنولوجيا الصناعية الجديدة، مع دخول الدولة في شراكة مع الأجانب وبنسبة 10% تكون ثمن الأرض، مع تيسير وتسهيل الإجراءات، مطالبا بحظر بيع الأراضي لغير المصريين، وإمكانية بيع الوحدات السكنية فقط للأجانب ومنحهم الإقامة والجنسية خلال 5 سنوات، ولكن وفق ضوابط وشروط بعينها تساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى ضرورة تخفيض البنك المركزي لأسعار الفائدة لدعم المشروعات الصناعية، وأكد عمرو على أن تنفيذ تلك الإصلاحات سيرفع معدلات دخل المواطن المصري ل 20 ألف جنيه شهريا. فيما علق عادل رحومة رئيس الاتحاد العربي للمجتمعات العمرانية قائلا: "إن الدولة لا تنفذ مشروعات رفاهية ليتم وقف تنفيذها، ومنح أولوية لمشروعات أخرى بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نمر بها حاليا"، مشيرا إلى أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة أيضا ينفذ وفق اتفاقيات دولية بين مصر والصين، ويتم تمويله من خارج الموازنة العامة للدولة، ولا يمكن خرق الاتفاقية مع الصين بغرض إعادة توجيه تمويلها لمشروعات أخرى قد لا توافق عليها ومشروعات بالعاصمة الإدارية الجديدة. وأوضح أن تنفيذ العاصمة الإدارية له العديد من الإيجابيات ولا يمثل عبئا على الموازنة العامة للدولة كما يرى البعض، ولكن يوفر المزيد من فرص العمل للشباب، ويحرك عجلة الاقتصاد الوطني من خلال تشغيل شركات المقاولات المصرية، والعديد من الشركات والمصانع الأخرى المرتبطة بالمشروع، بما يساهم في إنعاش حركة الإنتاج بهذه المصانع، وينعكس إيجابيا على الاقتصاد المصري بكل قطاعاته. وأشار إلى أن الأزمة المصرية – السعودية مؤخرا لن تعيق تنفيذ هذه المشروعات، خاصة وأن العلاقات بين البلدين قوية وستظل قائمة،والأزمة الحالية ستمر بهدوء خلال أيام قليلة، ولفت إلى أن مشروع أنفاق قناة السويس أيضا من المشروعات القومية الكبرى التي تمثل أولوية قصوى للدولة، ولا يمكن تجاهله أو تأجيله بهدف تنمية محور قناة السويس وتنمية سيناء وتعميرها وهى مسألة أمن قومي مصري، وسيكون له آثار إيجابية واسعة على حركة التجارة المصرية والدولية، ويخلق فرصا استثمارية ضخمة لا غنى عنها، حتى إذا لم تظهر حاليا، وهو ليس بمشروع ترفيهي والسوق في أمس الحاجة له، علاوة على أن شبكة الطرق القومية ومشروعات الطاقة والكهرباء عناصر أساسية لتحديث البنية التحتية للدولة، وهى عناصر ضرورية لإنعاش حركة الاستثمار بالسوق المصرية. وعلى مستوى مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، قال رحومة: إن اهتمام الدولة بالمشروع بالفعل تراجع لحد كبير، ولم يأخذ الحيز والصخب الإعلامي الذي استحوذ عليه في بدايته، نتيجة وجود العديد من العراقيل لتنفيذه. هاني العسال عضو مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري، قال "إن الأصوات العالية التي تطالب بوقف تنفيذ المشروعات القومية ليس لها دراية بأى شىء، ولا تملك إلا الصراخ والتهليل وليس لديها عمل إلا الكلام الفارغ"، وأكد على أن إطلاق الدولة للمشروعات القومية الكبرى سواء العاصمة الإدارية الجديدة أو أنفاق قناة السويس أو العلمين الجديدة أو مشروع الإسكان الاجتماعي أو مدينة الجلالة" كلها مشروعات حيوية ومهمة وتحرك عجلة الاقتصاد المصرى ووفرت ملايين فرص العمل للشباب المصري، خاصة وأن هذه المشروعات تنفذ بأيد وعمالة وشركات مصرية.