الحكومات المصرية المتعاقبة لم تقرأ إلا كتابا واحدا، صلاحيته انتهت منذ سنوات عديدة.. الحكومات المصرية المتعاقبة لا تتقن سوي وضع رأسها في الرمال عندما تهب رياح الأزمات.. ولا ترفع رأسها إلا لتطمئن على الخسائر، وتقدر حجم الكارثة.. "الإرجوت".. واحدة من الأزمات التي كشفت – بما لا يدع مجالا للشك- أن حكوماتنا – مع اختلاف مسميات من يديرونها- لا تمتلك مناعة ضد "الفساد"، وجسدها من السهل جدا أن تغزوه الجراثيم السياسية، طالما كان "البيزنس" حاضرا. قرار تراجع الحكومة عن "منع استيراد قمح الإرجوت"، البعض تعامل معه كونه المشهد الأخير ل"مسرحية الفطر المسموم"، غير أن الأوضاع التي ترتبت على القرار داخل وزارة الزراعة، تؤكد أن هناك مشاهد عدة لم يتم عرضها بعد، مشاهد أكثر دموية، من الممكن أن تتحول إلى مذبحة تتعرض لها قيادات الوزارة وعلى رأسهم الدكتور عصام فايد وزير الزراعة واستصلاح الأراضى بعد أن وافقت الوزارة على دخول الإرجوت ورفضته ثلاث مرات خلال 8 أشهر. "مذبحة القيادات" كانت بتوجيهات من مجلس الوزراء للدكتور عصام فايد، حيث تلقى التعليمات بالإطاحة بكل من كان له دور في الحديث عن أزمة الإرجوت بشكل أضر صورة الحكومة في الشارع وأظهرها عاجزة عن التعامل الأزمات، وهو ما عجل بالإطاحة بعيد حواش المستشار الإعلامي لوزير الزراعة، والذي أقيل بعد يوم واحد من قرار الحكومة بالتراجع عن قرار حظر دخول الإرجوت. مصادر مطلعة بالوزارة كشفت أن الدكتور عصام فايد حذر عيد حواش، المستشار الإعلامي للوزارة من الحديث في وسائل الإعلام حتى صدور قرار نهائى من الحكومة بخصوص الإرجوت، خاصة وأن "حواش" رفع لواء الدفاع عن قرار الوزير بحظر الإرجوت وتحدث في غالبية وسائل الإعلام عن خطورة هذا الفطر السام على صحة المصريين والبيئة الزراعية المصرية، قبل القرار الأخير للحكومة. المثير في الأمر هنا أن "حواش" لم يلتزم بالقرار وتحدث في عدد من وسائل الإعلام عقب صدور قرار إلغاء الحظر حيث أكد في مداخلة هاتفية لأحد البرامج أن وزير الزراعة تعرض لضغوط من المستوردين جعلت الحكومة تتراجع عن قرارها، وهو ما أدى إلى صدور قرار إقالته في اليوم الثانى. المصادر ذاتها أكدت أيضا أن "حواش" عقب قرار إقالته حاول لقاء الوزير لشرح وجهة نظرة ومحاولة إثنائه عن القرار ولكن "فايد" رفض لقاء مستشاره الإعلامي وهو ما دفعه إلى العودة إلى مكتبه والتواصل مع عدد من المواقع الإخبارية لتوضيح أنه من ترك منصبه ولم تتم إقالته. تتضمن التعليمات الموجهة إلى وزير الزراعة بضرورة إقالة كافة المتورطين في الأزمة التي أحرجت الحكومة وعلى رأسهم الدكتور إبرهيم إمبابى رئيس الحجر الزراعى الذي تسربت له مكالمة هاتفية يهاجم فيها قرار وزير الزراعة الأول بدخول الإرجوت والتي كشف خلالها الضغوط التي تعرض لها الوزير من الحكومة ومن وزير التموين السابق خالد حنفى على وجه الخصوص لتمرير القرار، إلى جانب دوره في إقناع الوزير بإصدار قرار حظر الإرجوت رقم 1421 الذي ألغى القرار 1117. الصادم في مكالمة "إمبابى" المُسربة والتي حاول نفيها أكثر من مرة اعترافه أن وزير الزراعة منعه من الحديث لتوضيح خطورة "الإرجوت" في اجتماع مصغر عقد في مجلس الوزراء نهاية يوليو الماضى، بحضور رئيس مجلس الوزراء ووزير التموين وقتها خالد حنفى، وهو ما جعل أيامه معدودة داخل الوزارة وقتها لكن الوزير تراجع عن إقالة "إمبابى" منعًا لإثارة الرأى العام كونه أقال قبلها بشهرين الدكتور سعد موسى من منصبه رئيسا للحجر الزراعى بسبب رفضه – هو الآخر- دخول" الإرجوت". الإقالة أيضا تنتظر الدكتور أحمد أبواليزيد رئيس قطاع الخدمات الزاعية والمتابعة والذي تصدر مشهد الدفاع عن القرار 1421 خلال المؤتمر الصحفى الذي عقده وزير الزراعة في مقر الوزارة يوم 28 أغسطس الماضى لشرح أسباب إلغاء قرار دخول الإرجوت وجلس "أبو اليزيد" بجوار رئيس مركز البحوث الزراعية الدكتور عبد المنعم البنا، لتفنيد أسباب إلغاء القرار ويعددا أضرار "الإرجوت" بعد أن تغيب الوزير عن المؤتمر خشية مواجهة الرأى العام. وهو مايعد سببًاً رئيسيًا في عزم الوزير إقالتهم خاصة أن الإثنين كشفا عدم صحة تقرير خبيرة الفاو التي استعانت بها الوزارة للفصل في أزمة الإرجوت وجاء تقريرها يسمح بدخوله.