يعد الدكتور نادر نور الدين - الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة ,الخبير الزراعي وخبير بورصات الغذاء والحبوب والعالمية- أحد ملوك الزراعة لذا التقته «فيتو» ليرسم لنا خريطة الطريق لتحقيق اكتفاء مصر الذاتي من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية, فكان هذا الحوار: كيف تري اهم معوقات الزراعة المصرية؟ -تعاني الزراعة المصرية العديد من المعوقات ,أهمها: تعمد نظام مبارك تهميش دور الزراعة , والسماح لرجال أعمال بشراء الأراضي الزراعية والبناء عليها, وكان تعيين رجل أعمال كوزير للزراعة في الحكومة الأخيرة لمبارك - وهو أمين أباظة- الذي صرح بأن بناء مصنع على الأراضي الزراعية أفضل وأفيد من الزراعة، وهو الذي وصف زراعات القطن في مصر بأنها أصبحت مثل «الطربوش» انتهي زمنها، وفي عهده تم رفع الدعم عن جميع مستلزمات الزراعة وأهمها الأسمدة التي تضاعف ثمنها من 30 جنيها للشيكارة إلى 75 جنيها، وبيعت في السوق السوداء بمائتي جنيه,برغم أن قطاع الزراعة هو القطاع الأفقر في مصر, وبالتالي كان يجب أن يكون آخر قطاع يرفع الدعم عنه، ولكنها كانت سياسة ل«تطفيش» المزارعين من أراضيهم وتمكين رجال الأعمال منهم ومن حاصلاتهم بأسعار بخسة. ومن مظاهر تهميش الزراعة المصرية في عهد مبارك إظهارها بأنها لا تشارك في الدخل القومي إلا بنسبة 17% فقط ,والقول بإن قطاع الزراعة يستهلك 80% من المياه العذبة في مصر, ولو تم استغلال هذه المياه في الصناعة أو السياحة لتضاعف دخل مصر عدة مرات ,بلا زراعة ,بلا أمن غذائي ,وشراء العبد ولا تربيته، كما أنه لا يشارك في العمالة إلا بنسبة 30% فقط من إجمالي القوى العاملة في مصر.. وهذا الأمر غير صحيح بالمرة لأنه تم انتزاع جميع منتجات الزراعة ونسبها إلى قطاع التجارة والصناعة، فمثلا محال العلافة وبيع الحبوب الجافة التي تشتري اللوبيا والفاصوليا والذرة والقمح والفول من الفلاح لبيعها للمستهلك، تنسب إلي قطاع التجارة، ومحال بيع اللحوم التي تشتري العجول من المزارعين أيضا تنسب إلى قطاع التجارة، ومصانع تجميد الدواجن وتقطيعها إلى صدور وأوراك وغيرها أيضا تجارة وزراعة، ومصانع المكرونة، ومحال النجارة والموبيليات،ومصانع النسيج والزيوت والصابون والمسلي ومصانع الجبن ومصانع تجميد وتعليب الخضراوات وغيرها,جميعها تتاجر في السلع الزراعية ,وبدونها لا تقام هذه الصناعات, ومع ذلك انتزعت من الزراعة لتعمد تهميش دورها,لكن قطاع الزراعة - سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- يساهم في الدخل القومي بأعلي نسبة ,ونسبة العمالة لا تقل عن 60%. هل نقص المحاصيل يمكن أن يؤدي ذلك إلي ثورة الجياع التي كنا نتوقعها منذ سنوات؟ -الفجوة الغذائية في مصر رهيبة وتزداد عاما بعد عام، فمثلا مصر تستورد الآن 70% من احتياجاتها من القمح بكميات وصلت إلى 11 مليون طن سنويا, من إجمالي استهلاكنا الكلي من القمح الذي يبلغ 15 مليون طن, بمعدل 175 كجم لاستهلاك الفرد، بعد أن كنا نستورد 5 ملايين طن من القمح فقط عام 2005 وقت عملي كمستشار لوزير التموين بهيئة السلع التموينية. هل نحن قادرون على سد الفجوة الغذائية في هذه الحاصلات؟ - نعم نحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل لخمسة محاصيل استراتيجية ,فورا, وقادرون أيضاعلى تحقيق الأمن الغذائي بنسبة 80% في السلعتين الباقيتين.. ويمكننا تحقيق الاكتفاء الذاتي من: الذرة بزراعة 1.5 مليون فدان إضافية بالذرة،ومن زيوت الطعام إلى زراعة 750 ألف فدان فقط بفول الصويا وعباد الشمس ,وبذلك نكون حققنا الاكتفاء الذاتي الكامل منهما وهربنا من استخدامهم في إنتاج الوقود الحيوي وتجنب الارتفاع الدوري في أسعارهما. وأكد أن مشكلة القمح المنافس الأول لمحصول البرسيم الأعلى ربحية، والذي يفضله الفلاح من أجل مواشيه ,وبسبب أن تجار اللحوم والمواشي يدفعون للفلاح مقدمات نقدية للزراعة قبل زراعته، ويوفرون سيولة مالية للفلاح في بداية الموسم ,بالإضافة إلى تقلب أسعار القمح كل عام بسبب أسعاره في البورصات العالمية. حاليا نحن نزرع نحو 2.5 مليون فدان بالقمح, مقابل 3.5 مليون فدان بالبرسيم, والمطلوب العكس, وأن يصاحب ذلك تخفيض زراعات الخصراوات والفاكهة الشتوية (مثل الموالح) التي تدهورت أسعارها لإحلال جزء منها بالقمح مع التوسع في زراعاته في شرق العوينات وباقي مشروع ترعة السلام داخل أراضي سيناء والتي تبلغ 400 ألف فدان ,يمكن زراعة نصفها بالقمح, هذه الأمور تصل باكتفائنا الذاتي من القمح إلى 80% بدلا من النسبة الحالية التي لا تتجاوز 30%. وماذا عن مقترحات الزراعة فى السودان؟ - هناك أيضا مقترحات بحتمية الزراعة في السودان، ودول حوض النيل لمساحة تصل إلى 2 مليون فدان، لتحقيق مستقبل الأمن الغذائي للأجيال القادمة ,نتيجة للزيادة المرتقبة في عدد السكان ,فسوف يصل عدد سكان مصر إلي 104 ملايين نسمة عام 2030, ثم إلى 129 مليون نسمة عام 2050 ,ولابد أن نعرف كيف سنوفر الغذاء لهذه الزيادات من الآن, ودول العالم ترسم من الآن مستقبل الأمن الغذائي العالمي في عام 2050 بينما هذا الأمر غير مطروح في مصر، وإذا لم نقم بزيادة المساحات الزراعية داخليا وخارجيا,فيمكن أن تندلع في مصر أزمة جياع في عام 2030 أو 2050 بسبب تكرار ارتفاع أسعار الغذاء العالمي. لابد أيضا من تحقيق تنمية لإحداث زيادة كبيرة في دخل المواطن، تمكنه من شراء الغذاء دون معاناة ,حتى لا يقع ضمن تعريف الأممالمتحدة «الوجه الجديد للجوع»، الذي يعني توافر الغذاء في الأسواق، ولكن بأسعار أعلى من قدرات عامة الشعب, وبالتالي يستوى وجوده مع عدمه لعدم قدرة الفقراء الحصول عليه، ويتهدد السلم المجتمعي وتقوم الإضرابات والعنف من أجل الحصول على الطعام. هل ترى أهمية تعمير سيناء والانتهاء من مشروع ترعة السلام؟ - مشروع ترعة السلام هو المشروع الوحيد في العالم الذي استغرق الانتهاء منه أكثر من 32 عاما,فقد تم وضع حجر أساسه والتخطيط له في عهد الرئيس السادات, ويتضمن المشروع -اسمه الرسمي «المشروع القومي لتنمية شمال سيناء»- إنشاء ترعة شمال سيناء بجزئيها السلام غرب قناة السويس والشيخ جابر داخل سيناء, والتي تحصل علي المياه من فرع دمياط أمام سد فارسكور بزمام كلي 620 ألف فدان, منها 400 ألف فدان داخل أراضي شمال سيناء، و220 ألف فدان جنوب بورسعيد وبحيرة المنزلة وسهل الحسينية وبحر البقر. نستطيع أن نقول إنه أنتهي العمل من إنشاء الترعة والبنية الأساسية لاستصلاح أراضي المشروع داخل سيناء بنسبة 80% ,وقد وصلت الترعة إلى منطقة «السر والقوارير» قرب سهل ووادي العريش, وهي منطقة كثبان رملية متحركة ينبغي أن تعبرها الترعة عبر مواسير ثم تستكمل ترعتها المفتوحة حتى وادي العريش. وتعمد النظام السابق سحب الاعتمادات المخصصة لمشروع ترعة السلام دوريا وتخصيصها لمشروع توشكي الذي كان يظن أنه سيخلد اسمه, حتى أنفق على توشكي نحو 12 مليار جنيه لاستصلاح 540 ألف فدان فقط، في حين تركنا 620 ألف فدان في سيناء تحتاج إلى أقل من مليار جنيه فقط للانتهاء منها تماما, بالإضافة إلى المناخ البارد والممطر في شمال سيناء الذي لا يستهلك الكثير من المياه بعكس مناخ توشكي قائظ الحرارة الذي يستهلك ضعف كميات المياه التي يستهلكها نفس المحصول عند زراعته في شمال سيناء ,مع صلاحية سيناء لزراعة جميع الحاصلات الاستراتيجية مقابل توشكي التي تتطلب زراعة الحاصلات المتحملة للحرارة والجفاف فقط. هناك تخطيط كامل في هيئة المجتمعات العمرانية ,وفي محافظة شمال سيناء ووزارة الزراعة ووزارة الري بتخطيط متكامل لإنشاء قرى متكاملة لتوطين نحو 3 ملايين مواطن هناك ,وتم حسابها على أساس أن الفدان يتطلب 5 أفراد لزراعته وحصاده وخدمته, وعاملين في العمل غير المباشر للخدمات التي تقام حول المشروع ,مثل ورش الميكانيكا للجرارات والسيارات وسيارات نقل المحاصيل ونقل العمال ,ومحال بيع الأسمدة والتقاوي والمبيدات و بيع الغذاء والحبوب الجافة. وتضم القرى المخطط لإنشائها مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس ودور للثقافة ومصانع للتصنيع الزراعي وأقساما للشرطة وملاعب للرياضة وغيرها لإنشاء مجتمعات متكاملة. وبالنسبة لتوزيع الأراضي على المنتفعين, فقد وضعنا في المجالس المتخصصة الدراسات التي تراعي موقف أراضي شمال سيناء الأمني والحدودي,واقترحنا توزيع مساحات كبيرة من الأراضي على الشباب الذين أنتهت فترات تجنيدهم، والمسرحين من القوات المسلحة ليكونوا قادرين على حمل السلاح وقت اللزوم، ويكونوا قادرين على رصد الإرهاب ومقاومته ,وهو نفس ما تفعله إسرائيل في مستوطناتها الزراعية التي توزع على الشباب القادر على حمل السلاح، ليكونوا مزارعين وحارسين للحدود, ومقاتلين وقت الاحتياج إليهم. أراضي سيناء يمكن ان تحقق الاكتفاء الذاتي الكامل لمصر في الفول والعدس مثلا, خاصة أن هناك صنفا مصريا جديدا من العدس يسمي «سيناء 1» مستنبط خصيصا ليناسب أراضي وأجواء سيناء, والجو هناك مناسب أيضا لزراعة القمح في نصف زمام المشروع ,والبذور الزيتية وجميع الحاصلات, مستغلين ما يسقط عليها من أمطار غزيرة في فصل الشتاء لإنتاج حاصلات جيدة وغسيل التربة دوريا من الملوثات والأملاح. ما جدوى توطين 3 ملايين فلاح فى سيناء؟ - توطين 3 ملايين فلاح سيؤدي إلى ذوبان بدو سيناء في المجتمع الزراعي الجديد، ويتحولون إلى أفراد منتجين، ومالكين لبعض أراضي المشروع, وبالتالي يوفر فرص معيشية جيدة لسكان سيناء, كما يمنع أيضا الحركات الإرهابية والمتشددين والتهريب عبر الحدود والأنفاق, وتعود سيناء منطقة مزدحمة يخشاها الكثيرون. لا يمكن لمصر أن تترك سيناء (62 ألف كم2) التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل دون استغلال ,وبالتالي تكون نهبا وطمعا للآخرين ,كمجال خصب للإرهاب لانعدام الأمن والحراسة والعيون المصرية الساهرة, وهناك أيضا نحو 200 ألف فدان قابلة للزراعة في جنوب ووسط سيناء, ومواد خام لتصنيع الأسمدة والأسمنت والحديد والسجاد,فضلا عن صناعة السياحة ,وهذه المجالات يمكنها استيعاب 2 مليون مصري في وسط وجنوبسيناء.