اختلف أو اتفق معه .. قل إنه حكم بالحديد والنار ، أو صفه – كما الشاعر نزار قباني - بأنه آخر الأنبياء ، قل إنه سبب «نكسة» مصر وانتكاستها أو انعته ب «الملهم» باعث عزتها وكرامتها، لكنك لا تستطيع، مهما اختلفت معه، أن تنكر أنه كان شخصية وطنية بامتياز .. كان «واحد مننا» ، كان حلما للبسطاء في القرى والنجوع.. كان قبسا من نور هذا الوطن، باختصار: كان عهدا مضى بحلوه ومره، بأحلامه وطموحاته، ما تحقق منها وما صار حبرا على ورق أو أفكارا في الذاكرة لم تبصر النور. عن «ابن البوسطجي» نتحدث .. عن جمال عبد الناصر، الزعيم صاحب الكاريزما، الذي عاش لمصر، ومات عاشقا لترابها .. عن رئيس اجتهد فأصاب وأخطأ فقدم قرابين الغفران، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في 28 سبتمبر 1970. 42 عاما مضت ولا يزال عبد الناصر حاضرا في العقل والوجدان ..42 عاما ولا تزال صور «الزعيم الملهم» ترتفع في التظاهرات والفعاليات السياسية ليس فقط في مصر، ولكن في العديد من الدول العربية .. 42 عاماً ولا يزال ناصر يتربع في قلوب ملايين البسطاء من أبناء «المحروسة». ولد عبد الناصر في 15 يناير 1918، في باكوس بالإسكندرية ، وكان الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد عام 1888 في قرية بني مر بالصعيد وكان يعمل «بوسطجي» بمصلحة البريد. تنقل ناصر ما بين القاهرة والإسكندرية، وعاش وهو يحمل بداخله حلما كبيرا، حلم الوطن على اتساعه، لذا لم يكن غريبا أن يكون زعيما طلابيا وهو في سن صغيرة، حيث انضم أثناء دراسته الثانوية إلى حركة «مصر الفتاة» التي كان يقودها المحامي الشهير آنذاك أحمد حسين، وقد شارك وقتها في مظاهرات عام 1935 ضد الاحتلال الانجليزي، والتي شارك فيها طلاب المدارس الثانوية إلى جانب طلاب جامعة القاهرة الذين استشهد عدد منهم عند كوبري عباس، وأصيب آخرون كان من بينهم عبد الناصر. حرص عبد الناصر على الالتحاق بالكلية الحربية فور حصوله على البكالوريا، وتقدم بالفعل للالتحاق بالكلية غير أنه أخفق في هذا، لعدم وجود واسطة معه، ولم يكن أمامه سوى الالتحاق بكلية الحقوق، وبعد أن مرت سنة كاملة، وجد صديق عمره عبد الحكيم عامر يطلب منه التقدم مرة ثانية للالتحاق بالكلية الحربية، ونجح في إقناعه بهذا فتقدم ناصر مجددا ليتم قبوله هذه المرة ، ويبدو أن عامر كان هو الواسطة، حيث كان خاله حيدر باشا أحد قيادات الجيش وتولى فيما بعد منصب وزير الحربية. تخرج ناصر في الكلية الحربية وسافر إلى السودان مع كتيبته، ورغم هذا كان قلبه متعلقا بما يحدث في مصر وكان يطمح في خلاصها من الاحتلال ومؤامرات القصر وفساد الأحزاب. وكان عام 1948 فاصلا في تاريخ جمال عبد الناصر ومصر عموما، فقد لحقت الهزيمة بالجيش المصري والجيوش العربية فى حرب فلسطين، وأثارت قضية الأسلحة الفاسدة ضجة داخل الجيش، ليبدأ ناصر فى تكوين «حركة الضباط الأحرار»، التى نجحت فى الإطاحة بالملك فاروق فى 23 يوليو عام 1952، وإلغاء الملكية، ليتولى اللواء محمد نجيب حكم مصر كأول رئيس للجمهورية. وقد استطاع عبد الناصر أن يصل إلى سدة الحكم عام 1954 بعد إزاحة اللواء محمد نجيب، وهو العام الذي وقع فيه اتفاقية الجلاء مع الجيش الإنجليزي، وفى عام 1956 أصدر قرارا بتأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، لتقود بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر، فأصدر الاتحاد السوفييتي إنذارا بضرب لندن وباريس بالصواريخ الذرية وأمرت أمريكا كل من بريطانيا وفرنسا بالانسحاب الفوري من الأراضي المصرية، وانتهت الحرب بفضيحة كبرى وخرج عبد الناصر منتصرا نصرا سياسيا كبيرا. محطات كثيرة فى حياة عبد الناصر، كان من أبرزها الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة، والبدء فى بناء السد العالي عام 1960، وتأسيس حركة عدم الانحياز وقيادة حركات التحرر الوطني فى الوطن العربي وأفريقيا والبدء فى مشروعات التصنيع الكبرى، بالإضافة إلى هزيمة عام 1967 والتي أعلن بعدها تنحيه عن الحكم فخرجت الجماهير تطالبه بالبقاء، ليبدأ بعدها حرب الاستنزاف وتجهيز الجيش لمعركة استرداد سيناء التي احتلتها إسرائيل في «النكسة» لكنه فارق الحياة قبل 3 سنوات من حرب أكتوبر التي أعادت سيناء إلى مصر. كثيرة هي الإنجازات التى حققها عبد الناصر لمصر ولأمته العربية، لذا لم يكن غريبا أن يشهد له الجميع أعداؤه قبل أصدقائه ، فهذا شارل ديجول – رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك - يقول عنه :»إن الرئيس جمال عبد الناصر قدم لبلاده وللعالم العربي بأسره خدمات لا نظير لها بذكائه الثاقب وقوة إرادته وشجاعته الفريدة، ذلك أنه عبر مرحلة من التاريخ أقسى وأخطر من أي مرحلة أخرى. لم يتوقف عن النضال في سبيل استقلال وشرف وعظمة وطنه والعالم العربي بأسره». وعندما قررنا في «فيتو» أن نحتفي ونحتفل بالذكري الثانية والأربعين لوفاة جمال عبد الناصر، شعرنا أن أي كلمات لن تكون معبرة عن تاريخ هذا الزعيم ومراحل حياته وما حدث في عهده من انتصارات وانكسارات، خاصة أن هناك الكثير من الكتب والصحف خلال السنوات العديدة الماضية قد تناولت مسيرته بدقة، لذا رأينا أن الصورة التي لا تكذب هي خير معبر عن مراحل تاريخ «ناصر». وفى هذا الملحق سيجد القارئ صورا مهمة ونادرة ل «ناصر»، حصلنا على بعضها من أرشيف المصور سمير الغزولي، والبعض الآخر من أرشيف جريدة «الأهرام» ، فضلا عن «كتاب جمال عبد الناصر بالصور».