عودة المياه إلى 5 مناطق بالجيزة بعد إصلاح كسر الماسورة الرئيسية أمام مستشفى أم المصريين    مكتب نتنياهو: الرفات الذي تسلمناه من غزة يخص الأسير التايلاندي    الأحفاد جمعتنا، إعلامية شهيرة تفاجئ حسن شحاتة داخل المستشفى (صور)    «ما تسيبوش حقه».. نداء والد السباح يوسف محمد خلال تلقى العزاء (فيديو وصور)    ممثل وزير الشباب يشارك في وداع السباح يوسف محمد إلى مثواه الأخير.. فيديو وصور    استشهاد 6 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة    اليوم، آخر فرصة لسداد رسوم برامج حج الجمعيات الأهلية 2025 بعد مدها أسبوعا    قناة دي فيلت: إذا لم تجد أوكرانيا المال لتغطية عجز الميزانية فستواجه الانهيار الحقيقي    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    وزير الخارجية الفنزويلي: استقبلنا رحلات جوية حملت مواطنين مرحلين من الولايات المتحدة والمكسيك    د. خالد سعيد يكتب: إسرائيل بين العقيدة العسكرية الدموية وتوصيات الجنرال «الباكي»    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    موعد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    في جولة محطة العبادلة بالقليوبية.. فودة يشدد على التشغيل القياسي وتعزيز خطط الصيانة    الصحة: لا تراخيص لمصانع المياه إلا بعد فحوصات دقيقة وضوابط رقابية مشددة    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    بالمستند.. أكاديمية المعلم تقرر مد موعد المتقدمين لإعادة التعيين كمعلم ل31 ديسمبر    الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    نجاح جراحة دقيقة لمريض يعاني أعراضًا تشبه الجلطة في الجانب الأيسر    لا خوف من الفيروسات.. الصحة توضح سبب شدة الأعراض في هذا الموسم    أستاذة بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية تكشف أفضل أساليب الطهي للحفاظ على جودة اللحوم    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    أكسيوس: إسرائيل تحذر من استئناف الحرب في حال استمرار تسلح حزب الله    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    خبر في الجول - انتهاء مهلة عبد الحميد معالي ل الزمالك في "فيفا" ويحق له فسخ التعاقد    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    مشاجرة بين طالبات وزميلتهم تتحول إلى اعتداء بالضرب عليها ووالدتها    القانون يحدد عقوبة صيد المراكب الأجنبية في المياه الإقليمية.. تعرف عليها    ماكرون يستعد لإعلان تعديلات جديدة على العقيدة النووية الفرنسية    تواصل عمليات البحث عن 3 صغار بعد العثور على جثامين الأب وشقيقتهم في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    بيراميدز يتلقى إخطارًا جديدًا بشأن موعد انضمام ماييلي لمنتخب الكونغو    الإسكان تحدد مواعيد تقنين الأراضى بمدينة العبور الجديدة الإثنين المقبل    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    هجوم روسي على كييف: أصوات انفجارات ورئيس الإدارة العسكرية يحذر السكان    أهلي بنغازي يتهم 3 مسؤولين في فوضى تأجيل نهائي كأس ليبيا باستاد القاهرة    استئناف المتهمة في واقعة دهس «طفل الجت سكي» بالساحل الشمالي.. اليوم    بالأسماء.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ب بني سويف    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كراسة رسائل الميدان
وثيقة من الوثائق النادرة بخط يد جمال عبد الناصر
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 07 - 2012

الصدفة وحدها قادتني للاطلاع علي » كراسة رسائل الميدان« المدونة بخط يد جمال عبد الناصر، فأثناء تجولي في معرضه المقام بدار الكتب بباب الخلق، وفي الفاترينة المخصصة لمقتنيات الزعيم، التي من تضم مصاحف كان يقرأ فيها، وولاعته والمنظار الخاص به، ومضرب تنس الطاولة، ووسط هذه المقتنيات، وقعت عيني علي »كراسة رسائل الميدان« الموضوعة علي صفحة العنوان، ولم أكن أعرف ما بداخلها، ولكن فضولي دفعني لطلب فتح الفاترينة ورؤية صفحات هذه الكراسة، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا تدخل د. زين عبد الهادي رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق في ذلك الوقت، ووعدني باستئذان د. هدي جمال عبد الناصر، لكي اطلع علي مقتنياتها وبعد فترة قصيرة تحقق لي ما أردت، لأجد نفسي لأول مرة أمام خط يد جمال عبد الناصر مباشرة، فالكراسة التي تم ترميمها من قبل خبراء دار الكتب، مدون فيها ما يحدث في كتيبة الزعيم عبد الناصر في حرب فلسطين، وفيها صفحات عن تسليم معدات وأموال وتحركات للسرايا التابعة للكتيبة ورسومات بخط يده لمواقع مطلوب الاشتباك معها، أو أخري مطلوب تحصينها.
في الصفحات التالية استطلعت رأي عسكريين ومؤرخين علي أهمية هذه الكراسة، وملامح التاريخ العسكري لجمال منذ التحاقه بالكلية الحربية، وصفاته التي أشتهر بها طالبا وعسكريا من طراز فريد، وننشر عددا من صفحات هذه الكراسة، وكذلك ننشر بعض رسائله- في ذات فترة كراسة رسائل الميدان- التي تضمنها كتاب زوجته تحية »ذكريات معه« لألقي الضوء أيضا- علي الجوانب الإنسانية في حياته.
يؤكد العميد أركان حرب متقاعد طارق الحريري أن هذه الكراسة تعتبر إضاءة علي أن هذا الرجل باعتباره قائدا ميدانيا فريدا، وفي العرف العسكري أن الضابط الحقيقي هو الذي يحقق نجاحا ميدانيا، وأن الأوراق التي رأيتها تكشف عن أنه رجل عسكري ناجح يهتم بالتفاصيل ويدونها بدقة متناهية، ومن ذلك علي سبيل المثال تدوينته لما يحمله القطار القادم من العريش، وقد رصد التفاصيل الدقيقة لمحتويات هذا القطار، واضعا بخط واضح وبين دائرة وفي صدر الصفحة كلمة هام، ليلفت نظر من يقرأ من مرؤوسيه إلي أهمية كل تفصيلة في هذا التسجيل، فيسرد أن القطار به ذخيرة ومدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25، والبانجلور عبارة عن مواسير تركب في بعضها البعض وبها مواد شديدة الانفجار ويتم إدخالها في حقل الألغام ليتم تفجيره من أجل فتح ثغرة فيه تمكن القوات من المرور بسلام.. وكذلك أتوقف عند تدوينته التي يحدد فيها تحركات إحدي السريات التابعة له، والسرية تتكون من ثلاث فصائل، كل فصيلة يحدد مهام عملها، وجاء: »السرية تتحرك اليوم في 4 ساعات ولا يظهر العفش ويوزع علي العربات وكذلك الذخيرة« وهذه الأوراق لا تنفصل عن أوراق أخري تبين مدي المهارات العسكرية لجمال عبد الناصر، الذي هو بكل وضوح قائد ميداني نابه.
ويلفت طارق الحريري الانتباه إلي أن هذه الكراسة هي امتداد لطريقة استخدام الجيش المصري لأدوات وأساليب الجيش الإنجليزي، بدليل أن عنوان الكراسة والملاحظات المكتوبة علي غلافها مدونة باللغتين العربية والإنجليزية: « نلفت النظر إلي قانون التمرين علي الحروب المجلد الأول البند 55 والملاحق رقم 1و5و6 «. »هذه الكراسة مقسمة مربعات ضلع المربع ربع بوصة«.
مسيرة عسكرية متكاملة
بلاشك أن هذه الكراسة تكشف عن أن مسيرة جمال عبد الناصر العسكرية هي مسيرة متكاملة .. فالتزامه ودقته المتناهية في تنفيذ واصدار الأوامر لم تكن في أية لحظة بعيدة عن الزعيم، فقد كانت ذات صفاته منذ التحاقه بالكلية الحربية، فقد قال عنه اللواء عبد الواحد عمار المدير السابق للكلية الحربية في العدد الخاص الذي أصدرته الهلال عن عبد الناصر، بعد وفاته بشهر، »كان أشهر طالب في دفعته. كان قليل الابتسام. رزينا. كثير التأمل. قوي الشخصية يعتز بكرامته اعتزاز الرجال.«.. لهذا رقوه إلي رتبة »قائد الجماعة« وهو في القسم النهائي.. وهي رتبة عسكرية تمنح للمتفوقين من الدفعة، وتخول حاملها حق تأهيل الطلبة المستجدين، وتلقينهم مبادئ القيادة العسكرية.. من فجر أيامه، كان جمال معلما.
ولكن كيف وصل جمال عبد الناصر إلي هذه الدرجة من الكفاءة العسكرية والمهارة القتالية والتخطيط والحشد، هذا السؤال توجهت به إلي د.خالد عزب مؤلف كتاب »جمال عبد الناصر.. من القرية إلي الوطن العربي الكبير« بالتعاون مع الباحثة صفاء خليفة، فأجاب: لابد من استرجاع المشهد العسكري برمته لهذا الزعيم، وكيف أنه أصر علي الالتحاق بالكلية الحربية، رغم الصعوبات التي أعترضت طريقه، فعندما نجح جمال في البكالوريا عام 1936، قرر بينه وبين نفسه أن يستكمل دراسته العالية بالكلية الحربية، فقد كان يحلم بأن يكون ضابطا يصنع الحرية لشعبه، كما كان يهوي العسكرية باعتبارها كما يراها - الطريق الوحيد للتحرير واسترداد الكرامة، كان صغير السن، رياضي التكوين، فارع الطول، قوي البنية، وقد قبل مسئولو الكلية أوراقه، وحددوا له موعدا لإجراء الكشف الطبي للتعرف علي لياقته البدنية، وبعد الفحص قررت اللجنة صلاحيته من كل النواحي، وأبلغته بموعد آخر لإجراء امتحان الهيئة، لكن التقارير السرية كانت قد سبقته إلي لجنة فحص المظهر والمقابلة، فقد أعد مركز شرطة الجمالية تقريرا عن نشاط جمال السياسي، أوضح فيه أنه عضو في حزب أحمد حسين، وانه قد نظم المظاهرات الطلابية أيام الثانوية، وهو لذلك غير منضبط، وأوصي بعدم قبوله، وبالفعل تم استبعاد جمال من الالتحاق بالكلية الحربية، وذلك بعد الحوار الذي دار بينه وبين أعضاء لجنة كشف الهيئة، والذي تبين من اسئلتهم أنه مرفوض، لأنه فلاح من بني مر، ولأن أباه موظف بسيط، ولأنه فقير، والأسرة لا تملك أملاكا، ولأنه وطني شارك في التظاهر ضد السلطة، وأن الالتحاق بهذه الكلية كان مقصورا علي أبناء الذوات والطبقة الأرستقراطية.
ويضيف د. خالد: أن جمال تمسك بحلمه ودافع عنه لإيمانه بأن من موقعه كضابط يستطيع أن يسهم في بناء وطنه، لذا أستغل مهاراته الشخصية في أن يكسب الجولة الثانية، وأن يلتحق بالكلية الحربية، فبعد خمسة شهور أشرق أمل جديد عندما أعلنت الكلية الحربية عن حاجتها الماسة إلي دفعة جديدة من الطلبة، وقرر جمال خوض غمار تجربة التقدم إلي الكلية ثانية، فتقدم إليها في مارس 1937 وكان في التاسعة عشرة من عمره، اقتناعا بأن الفرصة متاحة للعسكريين دون غيرهم لاستخدام القوة للتخلص من الاستعمار والساسة الانتهازيين معا، وتصرف جمال علي نحو آخر هذه المرة لضمان قبوله، وتجنب المعوقات السابقة، فاستجمع كل ما لديه من شجاعة وجرأة وتوجه إلي منزل وكيل وزير الحربية وقتذاك، اللواء إبراهيم خيري باشا المعروف باهتمامه بتربية الكوادر الوطنية بين ضباط الجيش، وعند استقباله له قال جمال: « أفلا تقبل الكلية الحربية الطلبة إلا إذا كانت لديهم وساطة؟ أم أن هناك قواعد عامة تسري علي الجميع؟ فسأله اللواء: لماذا تسأل هذا السؤال؟ هل سبق لك أن قدمت طلبا للالتحاق؟ فقال جمال: « أجل ونجحت في الكشف الطبي، ولكن فحص الهيئة يحتاج إلي واسطة وليس لي واسطة، ومعني ذلك أن أعود إلي كلية الحقوق».
ويعلق د. خالد علي هذه الواقعة الفاصلة في حياة جمال عبد الناصر قائلا: أثار اللقاء إعجاب اللواء إبراهيم خيري باشا بجمال عبد الناصر، لما لمسه فيه من شجاعة وقوة شخصية وصلابة، لذلك أصغي إليه باهتمام لاقتناعه بوجاهة إصراره وجديته. ورد عليه ببساطة، بالترحيب بالطلب مجددا إلي الكلية ووعده خيرا، وبالفعل لم يسمح لنفسه أن تستسلم لليأس، وتقدم جمال للمرة الثانية بطلبه، وأثناء مقابلة لجنة فحص الهيئة، فوجئ بأن رئيس اللجنة هو اللواء إبراهيم خيري باشا بنفسه، وقد أمر بقبوله فورا في الكلية الحربية، وبهذا بدأ جمال مرحلة جديدة، ودخل جمال الكلية طالبا لأول مرة في 17 مارس عام 1937، مع مجموعة من الطلبة المستجدين، تتألف من 43 طالبا، وقد استرعي جمال بانضباطه وكفاءته العسكرية أنظار قادته، هذه الكفاءة التي حافظ عليها جمال طوال حياته، وتظهرها كراسة رسائل الميدان، التي تؤكد بلا شك براعته العسكرية وحسن إدارته لأي مسئولية توكل إليه.
عبد الناصر والقضية الفلسطينية
ينظر د. أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بآداب عين شمس، إلي مذكرات قائد ميدان، باعتبارها وثيقة من ضمن الوثائق الكثيرة والمتعددة التي تبرز الجوانب العسكرية والفكرية لجمال عبد الناصر، لأنها تؤكد أن قضية فلسطين بالنسبة للزعيم كانت منذ اللحظة الأولي حاضرة في ذهنه باعتبارها قضية أمن قومي، لذا شارك عبد الناصر منذ أيام الفالوجة في حرب فلسطين، وأعطي لهذه القضية اهتماما غير عادي، ولا ننسي أن منظمة التحرير الفلسطينية تأسست في القاهرة عام 1964، وعندما تم ضرب غزة في 1955تأكد لعبد الناصر أن قضية فلسطين قضية أمن قومي وأنه دفاع عن أمن مصر في المقام الأول، فخاض حرب العدوان الثلاثي 1956، ومن قبله اعلان تأميم قناة السويس، وقد خرج من حرب 1956 منتصرا بشكل سياسي، ومعروف تاريخيا أن عبد الناصر في هذا الحرب لبس البدلة الميري، وبدأ يقاوم كقائد عسكري ملتزم ودقيق في حساباته ومواقفه، وهي صفات جمال عبد الناصر العسكرية التي لم تفارقه منذ التحاقه بالكلية العسكرية.
وصف الكراسة
تشير صفحات هذه الكراسة التي دون علي بعض اوراقها التاريخ والبعض الاخر خلا من ذلك، علي أنها في الفترة من 1 يناير 1948 إلي 18 يونيو من ذات العام، وقد قامت دار الكتب بترميمها ضمن المقتنيات الشخصية لجمال عبد الناصر، وهناك صعوبة في قراءة بعض صفحاتها، إذ أستخدم في صفحات القلم الحبر، وفي صفحات أخري القلم الجاف، وفي صفحات ثالثة القلم الرصاص، ومن نماذج ما جاء فيها:
-1-
ايصال
استلمت انا الملازم ثاني صلاح الدين حجازي من حضرة اليوزباشي جمال عبد الناصر الاشياء الاتية.
1 طبنجة عياره 45
5 طلقة جنجانه عياره 45
1 خنيخر
2 اعراب قبض عليهم بواسطة ك6، الساعة 400 يوم 20/5 قادمين إلي الموقع الدفاعي، المستلم م.ثاني
صلاح الدين حجازي
20/5/ 1948
-2-
ايصال
مليم ج
- 700
استلمت من حضرة الصاغ سامي بولسي مبلغا وقدره سبعمائة جنيه لاغير
يوزباشي
جمال عبد الناصر
ك6 مشاه
23 مايو سنة1946
استلمت الايصالات الخاصة بتسليم هذا المبلغ لحضرة البكباشي محمد أحمد الدشتاوي وهذا إيصال مني بالاستلام
صاغ أ ح
سامي بولسي
18/ 6/ 48
-3-
هام
قطر من العريش به ذخيرة وجرار مدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25 علي عربة سكة حديد 17427، العربات ليس لها سواقية تجرش في الجراج الكلي، شكاير الرمل ترسل مع الذخيرة.
-4-
5 لوري
7 جيب
35 فارخر
تسليم السلك الشائك للمهندسين، وضبط الذخيرة
-5-
الرجوع تأجل يوم الأثنين، يسأل القسم الطبي عن الجنود
-6-
الخسائر
7 جرحي
1 قتيل
لوري جرار
عربة جرار
-7-
هام
3 عربة جيب
3 حمالة
3 جرار
1 عربة فنطاس
1 عربة سوداء موريسون
1 لوري
1 عربة
3 موتوتسيكل
3000 كيس رمل
كما تتضمن الكراسة الكثير من الصفحات المدون فيها تكاليف مالية وحسابات وخرائط مرسومة بالقلم الرصاص عن أماكن كيفية يتم تحصينها، وخريطة عن اقتحام مكان للعدو.
رسائل متزامنة
جمال عبد الناصر في هذه الفترة التي كان يدون فيها ملاحظاته العسكرية في »كراسة رسائل ميدان« كان أيضا- يكتب رسائل ذات بعد إنساني لزوجته تحية، وهذا ما كشفته عندما قارنت الفترة التي يدون فيها خططه العسكرية، ورسائله لتحية التي توجد في كتابها »ذكريات معه«، ففي خطابه بتاريخ 18 مايو 1948 كتب « أرجو أن تكوني بخير مع الأنجال العزيزات أما أنا فكل شئ يدعو للاطمئنان، وفي خطاب بتاريخ 22 مايو 1948:» أنا في أحسن حال ولا يشغلني سوي راحتكم والاطمئنان عليكم وأرجو أن أراكم قريبا في أحسن حال...»، وفي خطاب بتاريخ 24 مايو 1948: »أكتب إليك الآن ولا يشغلني أي شئ سوي راحتكم وأرجو أن تكون شقيقتك قد أحضرت لك الشغالة.. أوصيك علي هدي ومني والمحافظة الشديدة عليهما« وفي خطاب بتاريخ 9 يونية سنة 1948: »إن شاء الله نجتمع قريبا في أحسن حال بعد النصر بإذن الله«.
يؤكد العميد أركان حرب متقاعد طارق الحريري أن هذه الكراسة تعتبر إضاءة علي أن هذا الرجل باعتباره قائدا ميدانيا فريدا، وفي العرف العسكري أن الضابط الحقيقي هو الذي يحقق نجاحا ميدانيا، وأن الأوراق التي رأيتها تكشف عن أنه رجل عسكري ناجح يهتم بالتفاصيل ويدونها بدقة متناهية، ومن ذلك علي سبيل المثال تدوينته لما يحمله القطار القادم من العريش، وقد رصد التفاصيل الدقيقة لمحتويات هذا القطار، واضعا بخط واضح وبين دائرة وفي صدر الصفحة كلمة هام، ليلفت نظر من يقرأ من مرؤوسيه إلي أهمية كل تفصيلة في هذا التسجيل، فيسرد أن القطار به ذخيرة ومدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25، والبانجلور عبارة عن مواسير تركب في بعضها البعض وبها مواد شديدة الانفجار ويتم إدخالها في حقل الألغام ليتم تفجيره من أجل فتح ثغرة فيه تمكن القوات من المرور بسلام.. وكذلك أتوقف عند تدوينته التي يحدد فيها تحركات إحدي السريات التابعة له، والسرية تتكون من ثلاث فصائل، كل فصيلة يحدد مهام عملها، وجاء: »السرية تتحرك اليوم في 4 ساعات ولا يظهر العفش ويوزع علي العربات وكذلك الذخيرة« وهذه الأوراق لا تنفصل عن أوراق أخري تبين مدي المهارات العسكرية لجمال عبد الناصر، الذي هو بكل وضوح قائد ميداني نابه.
ويلفت طارق الحريري الانتباه إلي أن هذه الكراسة هي امتداد لطريقة استخدام الجيش المصري لأدوات وأساليب الجيش الإنجليزي، بدليل أن عنوان الكراسة والملاحظات المكتوبة علي غلافها مدونة باللغتين العربية والإنجليزية: « نلفت النظر إلي قانون التمرين علي الحروب المجلد الأول البند 55 والملاحق رقم 1و5و6 «. »هذه الكراسة مقسمة مربعات ضلع المربع ربع بوصة«.
مسيرة عسكرية متكاملة
بلاشك أن هذه الكراسة تكشف عن أن مسيرة جمال عبد الناصر العسكرية هي مسيرة متكاملة .. فالتزامه ودقته المتناهية في تنفيذ واصدار الأوامر لم تكن في أية لحظة بعيدة عن الزعيم، فقد كانت ذات صفاته منذ التحاقه بالكلية الحربية، فقد قال عنه اللواء عبد الواحد عمار المدير السابق للكلية الحربية في العدد الخاص الذي أصدرته الهلال عن عبد الناصر، بعد وفاته بشهر، »كان أشهر طالب في دفعته. كان قليل الابتسام. رزينا. كثير التأمل. قوي الشخصية يعتز بكرامته اعتزاز الرجال.«.. لهذا رقوه إلي رتبة »قائد الجماعة« وهو في القسم النهائي.. وهي رتبة عسكرية تمنح للمتفوقين من الدفعة، وتخول حاملها حق تأهيل الطلبة المستجدين، وتلقينهم مبادئ القيادة العسكرية.. من فجر أيامه، كان جمال معلما.
ولكن كيف وصل جمال عبد الناصر إلي هذه الدرجة من الكفاءة العسكرية والمهارة القتالية والتخطيط والحشد، هذا السؤال توجهت به إلي د.خالد عزب مؤلف كتاب »جمال عبد الناصر.. من القرية إلي الوطن العربي الكبير« بالتعاون مع الباحثة صفاء خليفة، فأجاب: لابد من استرجاع المشهد العسكري برمته لهذا الزعيم، وكيف أنه أصر علي الالتحاق بالكلية الحربية، رغم الصعوبات التي أعترضت طريقه، فعندما نجح جمال في البكالوريا عام 1936، قرر بينه وبين نفسه أن يستكمل دراسته العالية بالكلية الحربية، فقد كان يحلم بأن يكون ضابطا يصنع الحرية لشعبه، كما كان يهوي العسكرية باعتبارها كما يراها - الطريق الوحيد للتحرير واسترداد الكرامة، كان صغير السن، رياضي التكوين، فارع الطول، قوي البنية، وقد قبل مسئولو الكلية أوراقه، وحددوا له موعدا لإجراء الكشف الطبي للتعرف علي لياقته البدنية، وبعد الفحص قررت اللجنة صلاحيته من كل النواحي، وأبلغته بموعد آخر لإجراء امتحان الهيئة، لكن التقارير السرية كانت قد سبقته إلي لجنة فحص المظهر والمقابلة، فقد أعد مركز شرطة الجمالية تقريرا عن نشاط جمال السياسي، أوضح فيه أنه عضو في حزب أحمد حسين، وانه قد نظم المظاهرات الطلابية أيام الثانوية، وهو لذلك غير منضبط، وأوصي بعدم قبوله، وبالفعل تم استبعاد جمال من الالتحاق بالكلية الحربية، وذلك بعد الحوار الذي دار بينه وبين أعضاء لجنة كشف الهيئة، والذي تبين من اسئلتهم أنه مرفوض، لأنه فلاح من بني مر، ولأن أباه موظف بسيط، ولأنه فقير، والأسرة لا تملك أملاكا، ولأنه وطني شارك في التظاهر ضد السلطة، وأن الالتحاق بهذه الكلية كان مقصورا علي أبناء الذوات والطبقة الأرستقراطية.
ويضيف د. خالد: أن جمال تمسك بحلمه ودافع عنه لإيمانه بأن من موقعه كضابط يستطيع أن يسهم في بناء وطنه، لذا أستغل مهاراته الشخصية في أن يكسب الجولة الثانية، وأن يلتحق بالكلية الحربية، فبعد خمسة شهور أشرق أمل جديد عندما أعلنت الكلية الحربية عن حاجتها الماسة إلي دفعة جديدة من الطلبة، وقرر جمال خوض غمار تجربة التقدم إلي الكلية ثانية، فتقدم إليها في مارس 1937 وكان في التاسعة عشرة من عمره، اقتناعا بأن الفرصة متاحة للعسكريين دون غيرهم لاستخدام القوة للتخلص من الاستعمار والساسة الانتهازيين معا، وتصرف جمال علي نحو آخر هذه المرة لضمان قبوله، وتجنب المعوقات السابقة، فاستجمع كل ما لديه من شجاعة وجرأة وتوجه إلي منزل وكيل وزير الحربية وقتذاك، اللواء إبراهيم خيري باشا المعروف باهتمامه بتربية الكوادر الوطنية بين ضباط الجيش، وعند استقباله له قال جمال: « أفلا تقبل الكلية الحربية الطلبة إلا إذا كانت لديهم وساطة؟ أم أن هناك قواعد عامة تسري علي الجميع؟ فسأله اللواء: لماذا تسأل هذا السؤال؟ هل سبق لك أن قدمت طلبا للالتحاق؟ فقال جمال: « أجل ونجحت في الكشف الطبي، ولكن فحص الهيئة يحتاج إلي واسطة وليس لي واسطة، ومعني ذلك أن أعود إلي كلية الحقوق».
ويعلق د. خالد علي هذه الواقعة الفاصلة في حياة جمال عبد الناصر قائلا: أثار اللقاء إعجاب اللواء إبراهيم خيري باشا بجمال عبد الناصر، لما لمسه فيه من شجاعة وقوة شخصية وصلابة، لذلك أصغي إليه باهتمام لاقتناعه بوجاهة إصراره وجديته. ورد عليه ببساطة، بالترحيب بالطلب مجددا إلي الكلية ووعده خيرا، وبالفعل لم يسمح لنفسه أن تستسلم لليأس، وتقدم جمال للمرة الثانية بطلبه، وأثناء مقابلة لجنة فحص الهيئة، فوجئ بأن رئيس اللجنة هو اللواء إبراهيم خيري باشا بنفسه، وقد أمر بقبوله فورا في الكلية الحربية، وبهذا بدأ جمال مرحلة جديدة، ودخل جمال الكلية طالبا لأول مرة في 17 مارس عام 1937، مع مجموعة من الطلبة المستجدين، تتألف من 43 طالبا، وقد استرعي جمال بانضباطه وكفاءته العسكرية أنظار قادته، هذه الكفاءة التي حافظ عليها جمال طوال حياته، وتظهرها كراسة رسائل الميدان، التي تؤكد بلا شك براعته العسكرية وحسن إدارته لأي مسئولية توكل إليه.
عبد الناصر والقضية الفلسطينية
ينظر د. أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بآداب عين شمس، إلي مذكرات قائد ميدان، باعتبارها وثيقة من ضمن الوثائق الكثيرة والمتعددة التي تبرز الجوانب العسكرية والفكرية لجمال عبد الناصر، لأنها تؤكد أن قضية فلسطين بالنسبة للزعيم كانت منذ اللحظة الأولي حاضرة في ذهنه باعتبارها قضية أمن قومي، لذا شارك عبد الناصر منذ أيام الفالوجة في حرب فلسطين، وأعطي لهذه القضية اهتماما غير عادي، ولا ننسي أن منظمة التحرير الفلسطينية تأسست في القاهرة عام 1964، وعندما تم ضرب غزة في 1955تأكد لعبد الناصر أن قضية فلسطين قضية أمن قومي وأنه دفاع عن أمن مصر في المقام الأول، فخاض حرب العدوان الثلاثي 1956، ومن قبله اعلان تأميم قناة السويس، وقد خرج من حرب 1956 منتصرا بشكل سياسي، ومعروف تاريخيا أن عبد الناصر في هذا الحرب لبس البدلة الميري، وبدأ يقاوم كقائد عسكري ملتزم ودقيق في حساباته ومواقفه، وهي صفات جمال عبد الناصر العسكرية التي لم تفارقه منذ التحاقه بالكلية العسكرية.
وصف الكراسة
تشير صفحات هذه الكراسة التي دون علي بعض اوراقها التاريخ والبعض الاخر خلا من ذلك، علي أنها في الفترة من 1 يناير 1948 إلي 18 يونيو من ذات العام، وقد قامت دار الكتب بترميمها ضمن المقتنيات الشخصية لجمال عبد الناصر، وهناك صعوبة في قراءة بعض صفحاتها، إذ أستخدم في صفحات القلم الحبر، وفي صفحات أخري القلم الجاف، وفي صفحات ثالثة القلم الرصاص، ومن نماذج ما جاء فيها:
-1-
ايصال
استلمت انا الملازم ثاني صلاح الدين حجازي من حضرة اليوزباشي جمال عبد الناصر الاشياء الاتية.
1 طبنجة عياره 45
5 طلقة جنجانه عياره 45
1 خنيخر
2 اعراب قبض عليهم بواسطة ك6، الساعة 400 يوم 20/5 قادمين إلي الموقع الدفاعي، المستلم م.ثاني
صلاح الدين حجازي
20/5/ 1948
-2-
ايصال
مليم ج
- 700
استلمت من حضرة الصاغ سامي بولسي مبلغا وقدره سبعمائة جنيه لاغير
يوزباشي
جمال عبد الناصر
ك6 مشاه
23 مايو سنة1946
استلمت الايصالات الخاصة بتسليم هذا المبلغ لحضرة البكباشي محمد أحمد الدشتاوي وهذا إيصال مني بالاستلام
صاغ أ ح
سامي بولسي
18/ 6/ 48
-3-
هام
قطر من العريش به ذخيرة وجرار مدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25 علي عربة سكة حديد 17427، العربات ليس لها سواقية تجرش في الجراج الكلي، شكاير الرمل ترسل مع الذخيرة.
-4-
5 لوري
7 جيب
35 فارخر
تسليم السلك الشائك للمهندسين، وضبط الذخيرة
-5-
الرجوع تأجل يوم الأثنين، يسأل القسم الطبي عن الجنود
-6-
الخسائر
7 جرحي
1 قتيل
لوري جرار
عربة جرار
-7-
هام
3 عربة جيب
3 حمالة
3 جرار
1 عربة فنطاس
1 عربة سوداء موريسون
1 لوري
1 عربة
3 موتوتسيكل
3000 كيس رمل
كما تتضمن الكراسة الكثير من الصفحات المدون فيها تكاليف مالية وحسابات وخرائط مرسومة بالقلم الرصاص عن أماكن كيفية يتم تحصينها، وخريطة عن اقتحام مكان للعدو.
رسائل متزامنة
جمال عبد الناصر في هذه الفترة التي كان يدون فيها ملاحظاته العسكرية في »كراسة رسائل ميدان« كان أيضا- يكتب رسائل ذات بعد إنساني لزوجته تحية، وهذا ما كشفته عندما قارنت الفترة التي يدون فيها خططه العسكرية، ورسائله لتحية التي توجد في كتابها »ذكريات معه«، ففي خطابه بتاريخ 18 مايو 1948 كتب « أرجو أن تكوني بخير مع الأنجال العزيزات أما أنا فكل شئ يدعو للاطمئنان، وفي خطاب بتاريخ 22 مايو 1948:» أنا في أحسن حال ولا يشغلني سوي راحتكم والاطمئنان عليكم وأرجو أن أراكم قريبا في أحسن حال...»، وفي خطاب بتاريخ 24 مايو 1948: »أكتب إليك الآن ولا يشغلني أي شئ سوي راحتكم وأرجو أن تكون شقيقتك قد أحضرت لك الشغالة.. أوصيك علي هدي ومني والمحافظة الشديدة عليهما« وفي خطاب بتاريخ 9 يونية سنة 1948: »إن شاء الله نجتمع قريبا في أحسن حال بعد النصر بإذن الله«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.