مدبولي: الحكومة ليس لديها مانع في تعديل مشروع قانون الإيجار القديم    إعلام عبري: 4 جرحى بإطلاق نار على معبر الريحان شمال الضفة    "حظنا كان سيئ".. محمد صلاح يتحدث عن الخروج من دوري الأبطال    المشدد 15 عامًا لمالك محل أحدث لزوجته عاهة مستديمة في القليوبية    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    ماذا قالت الناقدة ماجدة خيرالله عن حفل زفاف رنا رئيس؟    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    روسيا تعتزم استضافة رئيسي الصين والبرازيل وآخرين بمناسبة ذكرى يوم النصر في الحرب العالمية    محافظ سوهاج يتفقد تركيب الأطراف الصناعية بمستشفى الهلال الأحمر | صور    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    تقرير: دي ليخت يقترب من الغياب أمام أتليتك بلباو    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    محافظ الفيوم يتابع موقف أراضي الدولة المستردة وآليات استغلالها بالشكل الأمثل    «كسر جمجمتها».. مندوب مبيعات يحاول قتل شقيقته بسبب خلافات عائلية بالقليوبية    «ليصل العدد إلى 128».. رئيس الوزراء: تشغيل 12 جامعة أهلية جديدة العام المقبل    كانييه ويست ينهي مقابلته مع بيرس مورجان بعد أربع دقائق من بدايتها (فيديو)    جولدن جلوب تضيف فئة "أفضل بودكاست" في جوائز عام 2026    مصطفى كامل يطرح بوسترات ألبومه الغنائي الجديد "قولولي مبروك" (صور)    أبطال «نجوم الساحل» يكشفون كواليس العمل مع منى الشاذلي..غدا    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد الخدمة الطبية بالزوامل المركزى    ميرتس وماكرون يدعوان الهند وباكستان إلى التهدئة    ضبط 3507 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    "التعليم" تعلن إطلاق مسابقة للمواهب في مدارس التعليم الفني    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    5 أبراج تُعرف بالكسل وتفضّل الراحة في الصيف.. هل أنت منهم؟    بينها «أخبار اليوم» .. تكريم رموز الصحافة والإعلام في عيد العمال    "الشباب في قلب المشهد السياسي".. ندوة تثقيفية بالهيئة الوطنية للانتخابات | صور    الهلال الأحمر المصري يشارك في النسخة الرابعة من منتدى «اسمع واتكلم»    البابا تواضروس يستقبل وكيل أبروشية الأرثوذكس الرومانيين في صربيا    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    الصناعة تمد فترة التقدم على 332 وحدة صناعية للمستثمرين حتى ذلك الموعد    محافظ الدقهلية يلتقي المزارعين بحقول القمح ويؤكد توفير كل أوجه الدعم للفلاحين    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    مدبولي يُكلف الوزراء المعنيين بتنفيذ توجيهات الرئيس خلال احتفالية عيد العمال    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    ضبط المتهمين في واقعة تعذيب وسحل شاب بالدقهلية    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كراسة رسائل الميدان
وثيقة من الوثائق النادرة بخط يد جمال عبد الناصر
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 07 - 2012

الصدفة وحدها قادتني للاطلاع علي » كراسة رسائل الميدان« المدونة بخط يد جمال عبد الناصر، فأثناء تجولي في معرضه المقام بدار الكتب بباب الخلق، وفي الفاترينة المخصصة لمقتنيات الزعيم، التي من تضم مصاحف كان يقرأ فيها، وولاعته والمنظار الخاص به، ومضرب تنس الطاولة، ووسط هذه المقتنيات، وقعت عيني علي »كراسة رسائل الميدان« الموضوعة علي صفحة العنوان، ولم أكن أعرف ما بداخلها، ولكن فضولي دفعني لطلب فتح الفاترينة ورؤية صفحات هذه الكراسة، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا تدخل د. زين عبد الهادي رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق في ذلك الوقت، ووعدني باستئذان د. هدي جمال عبد الناصر، لكي اطلع علي مقتنياتها وبعد فترة قصيرة تحقق لي ما أردت، لأجد نفسي لأول مرة أمام خط يد جمال عبد الناصر مباشرة، فالكراسة التي تم ترميمها من قبل خبراء دار الكتب، مدون فيها ما يحدث في كتيبة الزعيم عبد الناصر في حرب فلسطين، وفيها صفحات عن تسليم معدات وأموال وتحركات للسرايا التابعة للكتيبة ورسومات بخط يده لمواقع مطلوب الاشتباك معها، أو أخري مطلوب تحصينها.
في الصفحات التالية استطلعت رأي عسكريين ومؤرخين علي أهمية هذه الكراسة، وملامح التاريخ العسكري لجمال منذ التحاقه بالكلية الحربية، وصفاته التي أشتهر بها طالبا وعسكريا من طراز فريد، وننشر عددا من صفحات هذه الكراسة، وكذلك ننشر بعض رسائله- في ذات فترة كراسة رسائل الميدان- التي تضمنها كتاب زوجته تحية »ذكريات معه« لألقي الضوء أيضا- علي الجوانب الإنسانية في حياته.
يؤكد العميد أركان حرب متقاعد طارق الحريري أن هذه الكراسة تعتبر إضاءة علي أن هذا الرجل باعتباره قائدا ميدانيا فريدا، وفي العرف العسكري أن الضابط الحقيقي هو الذي يحقق نجاحا ميدانيا، وأن الأوراق التي رأيتها تكشف عن أنه رجل عسكري ناجح يهتم بالتفاصيل ويدونها بدقة متناهية، ومن ذلك علي سبيل المثال تدوينته لما يحمله القطار القادم من العريش، وقد رصد التفاصيل الدقيقة لمحتويات هذا القطار، واضعا بخط واضح وبين دائرة وفي صدر الصفحة كلمة هام، ليلفت نظر من يقرأ من مرؤوسيه إلي أهمية كل تفصيلة في هذا التسجيل، فيسرد أن القطار به ذخيرة ومدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25، والبانجلور عبارة عن مواسير تركب في بعضها البعض وبها مواد شديدة الانفجار ويتم إدخالها في حقل الألغام ليتم تفجيره من أجل فتح ثغرة فيه تمكن القوات من المرور بسلام.. وكذلك أتوقف عند تدوينته التي يحدد فيها تحركات إحدي السريات التابعة له، والسرية تتكون من ثلاث فصائل، كل فصيلة يحدد مهام عملها، وجاء: »السرية تتحرك اليوم في 4 ساعات ولا يظهر العفش ويوزع علي العربات وكذلك الذخيرة« وهذه الأوراق لا تنفصل عن أوراق أخري تبين مدي المهارات العسكرية لجمال عبد الناصر، الذي هو بكل وضوح قائد ميداني نابه.
ويلفت طارق الحريري الانتباه إلي أن هذه الكراسة هي امتداد لطريقة استخدام الجيش المصري لأدوات وأساليب الجيش الإنجليزي، بدليل أن عنوان الكراسة والملاحظات المكتوبة علي غلافها مدونة باللغتين العربية والإنجليزية: « نلفت النظر إلي قانون التمرين علي الحروب المجلد الأول البند 55 والملاحق رقم 1و5و6 «. »هذه الكراسة مقسمة مربعات ضلع المربع ربع بوصة«.
مسيرة عسكرية متكاملة
بلاشك أن هذه الكراسة تكشف عن أن مسيرة جمال عبد الناصر العسكرية هي مسيرة متكاملة .. فالتزامه ودقته المتناهية في تنفيذ واصدار الأوامر لم تكن في أية لحظة بعيدة عن الزعيم، فقد كانت ذات صفاته منذ التحاقه بالكلية الحربية، فقد قال عنه اللواء عبد الواحد عمار المدير السابق للكلية الحربية في العدد الخاص الذي أصدرته الهلال عن عبد الناصر، بعد وفاته بشهر، »كان أشهر طالب في دفعته. كان قليل الابتسام. رزينا. كثير التأمل. قوي الشخصية يعتز بكرامته اعتزاز الرجال.«.. لهذا رقوه إلي رتبة »قائد الجماعة« وهو في القسم النهائي.. وهي رتبة عسكرية تمنح للمتفوقين من الدفعة، وتخول حاملها حق تأهيل الطلبة المستجدين، وتلقينهم مبادئ القيادة العسكرية.. من فجر أيامه، كان جمال معلما.
ولكن كيف وصل جمال عبد الناصر إلي هذه الدرجة من الكفاءة العسكرية والمهارة القتالية والتخطيط والحشد، هذا السؤال توجهت به إلي د.خالد عزب مؤلف كتاب »جمال عبد الناصر.. من القرية إلي الوطن العربي الكبير« بالتعاون مع الباحثة صفاء خليفة، فأجاب: لابد من استرجاع المشهد العسكري برمته لهذا الزعيم، وكيف أنه أصر علي الالتحاق بالكلية الحربية، رغم الصعوبات التي أعترضت طريقه، فعندما نجح جمال في البكالوريا عام 1936، قرر بينه وبين نفسه أن يستكمل دراسته العالية بالكلية الحربية، فقد كان يحلم بأن يكون ضابطا يصنع الحرية لشعبه، كما كان يهوي العسكرية باعتبارها كما يراها - الطريق الوحيد للتحرير واسترداد الكرامة، كان صغير السن، رياضي التكوين، فارع الطول، قوي البنية، وقد قبل مسئولو الكلية أوراقه، وحددوا له موعدا لإجراء الكشف الطبي للتعرف علي لياقته البدنية، وبعد الفحص قررت اللجنة صلاحيته من كل النواحي، وأبلغته بموعد آخر لإجراء امتحان الهيئة، لكن التقارير السرية كانت قد سبقته إلي لجنة فحص المظهر والمقابلة، فقد أعد مركز شرطة الجمالية تقريرا عن نشاط جمال السياسي، أوضح فيه أنه عضو في حزب أحمد حسين، وانه قد نظم المظاهرات الطلابية أيام الثانوية، وهو لذلك غير منضبط، وأوصي بعدم قبوله، وبالفعل تم استبعاد جمال من الالتحاق بالكلية الحربية، وذلك بعد الحوار الذي دار بينه وبين أعضاء لجنة كشف الهيئة، والذي تبين من اسئلتهم أنه مرفوض، لأنه فلاح من بني مر، ولأن أباه موظف بسيط، ولأنه فقير، والأسرة لا تملك أملاكا، ولأنه وطني شارك في التظاهر ضد السلطة، وأن الالتحاق بهذه الكلية كان مقصورا علي أبناء الذوات والطبقة الأرستقراطية.
ويضيف د. خالد: أن جمال تمسك بحلمه ودافع عنه لإيمانه بأن من موقعه كضابط يستطيع أن يسهم في بناء وطنه، لذا أستغل مهاراته الشخصية في أن يكسب الجولة الثانية، وأن يلتحق بالكلية الحربية، فبعد خمسة شهور أشرق أمل جديد عندما أعلنت الكلية الحربية عن حاجتها الماسة إلي دفعة جديدة من الطلبة، وقرر جمال خوض غمار تجربة التقدم إلي الكلية ثانية، فتقدم إليها في مارس 1937 وكان في التاسعة عشرة من عمره، اقتناعا بأن الفرصة متاحة للعسكريين دون غيرهم لاستخدام القوة للتخلص من الاستعمار والساسة الانتهازيين معا، وتصرف جمال علي نحو آخر هذه المرة لضمان قبوله، وتجنب المعوقات السابقة، فاستجمع كل ما لديه من شجاعة وجرأة وتوجه إلي منزل وكيل وزير الحربية وقتذاك، اللواء إبراهيم خيري باشا المعروف باهتمامه بتربية الكوادر الوطنية بين ضباط الجيش، وعند استقباله له قال جمال: « أفلا تقبل الكلية الحربية الطلبة إلا إذا كانت لديهم وساطة؟ أم أن هناك قواعد عامة تسري علي الجميع؟ فسأله اللواء: لماذا تسأل هذا السؤال؟ هل سبق لك أن قدمت طلبا للالتحاق؟ فقال جمال: « أجل ونجحت في الكشف الطبي، ولكن فحص الهيئة يحتاج إلي واسطة وليس لي واسطة، ومعني ذلك أن أعود إلي كلية الحقوق».
ويعلق د. خالد علي هذه الواقعة الفاصلة في حياة جمال عبد الناصر قائلا: أثار اللقاء إعجاب اللواء إبراهيم خيري باشا بجمال عبد الناصر، لما لمسه فيه من شجاعة وقوة شخصية وصلابة، لذلك أصغي إليه باهتمام لاقتناعه بوجاهة إصراره وجديته. ورد عليه ببساطة، بالترحيب بالطلب مجددا إلي الكلية ووعده خيرا، وبالفعل لم يسمح لنفسه أن تستسلم لليأس، وتقدم جمال للمرة الثانية بطلبه، وأثناء مقابلة لجنة فحص الهيئة، فوجئ بأن رئيس اللجنة هو اللواء إبراهيم خيري باشا بنفسه، وقد أمر بقبوله فورا في الكلية الحربية، وبهذا بدأ جمال مرحلة جديدة، ودخل جمال الكلية طالبا لأول مرة في 17 مارس عام 1937، مع مجموعة من الطلبة المستجدين، تتألف من 43 طالبا، وقد استرعي جمال بانضباطه وكفاءته العسكرية أنظار قادته، هذه الكفاءة التي حافظ عليها جمال طوال حياته، وتظهرها كراسة رسائل الميدان، التي تؤكد بلا شك براعته العسكرية وحسن إدارته لأي مسئولية توكل إليه.
عبد الناصر والقضية الفلسطينية
ينظر د. أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بآداب عين شمس، إلي مذكرات قائد ميدان، باعتبارها وثيقة من ضمن الوثائق الكثيرة والمتعددة التي تبرز الجوانب العسكرية والفكرية لجمال عبد الناصر، لأنها تؤكد أن قضية فلسطين بالنسبة للزعيم كانت منذ اللحظة الأولي حاضرة في ذهنه باعتبارها قضية أمن قومي، لذا شارك عبد الناصر منذ أيام الفالوجة في حرب فلسطين، وأعطي لهذه القضية اهتماما غير عادي، ولا ننسي أن منظمة التحرير الفلسطينية تأسست في القاهرة عام 1964، وعندما تم ضرب غزة في 1955تأكد لعبد الناصر أن قضية فلسطين قضية أمن قومي وأنه دفاع عن أمن مصر في المقام الأول، فخاض حرب العدوان الثلاثي 1956، ومن قبله اعلان تأميم قناة السويس، وقد خرج من حرب 1956 منتصرا بشكل سياسي، ومعروف تاريخيا أن عبد الناصر في هذا الحرب لبس البدلة الميري، وبدأ يقاوم كقائد عسكري ملتزم ودقيق في حساباته ومواقفه، وهي صفات جمال عبد الناصر العسكرية التي لم تفارقه منذ التحاقه بالكلية العسكرية.
وصف الكراسة
تشير صفحات هذه الكراسة التي دون علي بعض اوراقها التاريخ والبعض الاخر خلا من ذلك، علي أنها في الفترة من 1 يناير 1948 إلي 18 يونيو من ذات العام، وقد قامت دار الكتب بترميمها ضمن المقتنيات الشخصية لجمال عبد الناصر، وهناك صعوبة في قراءة بعض صفحاتها، إذ أستخدم في صفحات القلم الحبر، وفي صفحات أخري القلم الجاف، وفي صفحات ثالثة القلم الرصاص، ومن نماذج ما جاء فيها:
-1-
ايصال
استلمت انا الملازم ثاني صلاح الدين حجازي من حضرة اليوزباشي جمال عبد الناصر الاشياء الاتية.
1 طبنجة عياره 45
5 طلقة جنجانه عياره 45
1 خنيخر
2 اعراب قبض عليهم بواسطة ك6، الساعة 400 يوم 20/5 قادمين إلي الموقع الدفاعي، المستلم م.ثاني
صلاح الدين حجازي
20/5/ 1948
-2-
ايصال
مليم ج
- 700
استلمت من حضرة الصاغ سامي بولسي مبلغا وقدره سبعمائة جنيه لاغير
يوزباشي
جمال عبد الناصر
ك6 مشاه
23 مايو سنة1946
استلمت الايصالات الخاصة بتسليم هذا المبلغ لحضرة البكباشي محمد أحمد الدشتاوي وهذا إيصال مني بالاستلام
صاغ أ ح
سامي بولسي
18/ 6/ 48
-3-
هام
قطر من العريش به ذخيرة وجرار مدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25 علي عربة سكة حديد 17427، العربات ليس لها سواقية تجرش في الجراج الكلي، شكاير الرمل ترسل مع الذخيرة.
-4-
5 لوري
7 جيب
35 فارخر
تسليم السلك الشائك للمهندسين، وضبط الذخيرة
-5-
الرجوع تأجل يوم الأثنين، يسأل القسم الطبي عن الجنود
-6-
الخسائر
7 جرحي
1 قتيل
لوري جرار
عربة جرار
-7-
هام
3 عربة جيب
3 حمالة
3 جرار
1 عربة فنطاس
1 عربة سوداء موريسون
1 لوري
1 عربة
3 موتوتسيكل
3000 كيس رمل
كما تتضمن الكراسة الكثير من الصفحات المدون فيها تكاليف مالية وحسابات وخرائط مرسومة بالقلم الرصاص عن أماكن كيفية يتم تحصينها، وخريطة عن اقتحام مكان للعدو.
رسائل متزامنة
جمال عبد الناصر في هذه الفترة التي كان يدون فيها ملاحظاته العسكرية في »كراسة رسائل ميدان« كان أيضا- يكتب رسائل ذات بعد إنساني لزوجته تحية، وهذا ما كشفته عندما قارنت الفترة التي يدون فيها خططه العسكرية، ورسائله لتحية التي توجد في كتابها »ذكريات معه«، ففي خطابه بتاريخ 18 مايو 1948 كتب « أرجو أن تكوني بخير مع الأنجال العزيزات أما أنا فكل شئ يدعو للاطمئنان، وفي خطاب بتاريخ 22 مايو 1948:» أنا في أحسن حال ولا يشغلني سوي راحتكم والاطمئنان عليكم وأرجو أن أراكم قريبا في أحسن حال...»، وفي خطاب بتاريخ 24 مايو 1948: »أكتب إليك الآن ولا يشغلني أي شئ سوي راحتكم وأرجو أن تكون شقيقتك قد أحضرت لك الشغالة.. أوصيك علي هدي ومني والمحافظة الشديدة عليهما« وفي خطاب بتاريخ 9 يونية سنة 1948: »إن شاء الله نجتمع قريبا في أحسن حال بعد النصر بإذن الله«.
يؤكد العميد أركان حرب متقاعد طارق الحريري أن هذه الكراسة تعتبر إضاءة علي أن هذا الرجل باعتباره قائدا ميدانيا فريدا، وفي العرف العسكري أن الضابط الحقيقي هو الذي يحقق نجاحا ميدانيا، وأن الأوراق التي رأيتها تكشف عن أنه رجل عسكري ناجح يهتم بالتفاصيل ويدونها بدقة متناهية، ومن ذلك علي سبيل المثال تدوينته لما يحمله القطار القادم من العريش، وقد رصد التفاصيل الدقيقة لمحتويات هذا القطار، واضعا بخط واضح وبين دائرة وفي صدر الصفحة كلمة هام، ليلفت نظر من يقرأ من مرؤوسيه إلي أهمية كل تفصيلة في هذا التسجيل، فيسرد أن القطار به ذخيرة ومدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25، والبانجلور عبارة عن مواسير تركب في بعضها البعض وبها مواد شديدة الانفجار ويتم إدخالها في حقل الألغام ليتم تفجيره من أجل فتح ثغرة فيه تمكن القوات من المرور بسلام.. وكذلك أتوقف عند تدوينته التي يحدد فيها تحركات إحدي السريات التابعة له، والسرية تتكون من ثلاث فصائل، كل فصيلة يحدد مهام عملها، وجاء: »السرية تتحرك اليوم في 4 ساعات ولا يظهر العفش ويوزع علي العربات وكذلك الذخيرة« وهذه الأوراق لا تنفصل عن أوراق أخري تبين مدي المهارات العسكرية لجمال عبد الناصر، الذي هو بكل وضوح قائد ميداني نابه.
ويلفت طارق الحريري الانتباه إلي أن هذه الكراسة هي امتداد لطريقة استخدام الجيش المصري لأدوات وأساليب الجيش الإنجليزي، بدليل أن عنوان الكراسة والملاحظات المكتوبة علي غلافها مدونة باللغتين العربية والإنجليزية: « نلفت النظر إلي قانون التمرين علي الحروب المجلد الأول البند 55 والملاحق رقم 1و5و6 «. »هذه الكراسة مقسمة مربعات ضلع المربع ربع بوصة«.
مسيرة عسكرية متكاملة
بلاشك أن هذه الكراسة تكشف عن أن مسيرة جمال عبد الناصر العسكرية هي مسيرة متكاملة .. فالتزامه ودقته المتناهية في تنفيذ واصدار الأوامر لم تكن في أية لحظة بعيدة عن الزعيم، فقد كانت ذات صفاته منذ التحاقه بالكلية الحربية، فقد قال عنه اللواء عبد الواحد عمار المدير السابق للكلية الحربية في العدد الخاص الذي أصدرته الهلال عن عبد الناصر، بعد وفاته بشهر، »كان أشهر طالب في دفعته. كان قليل الابتسام. رزينا. كثير التأمل. قوي الشخصية يعتز بكرامته اعتزاز الرجال.«.. لهذا رقوه إلي رتبة »قائد الجماعة« وهو في القسم النهائي.. وهي رتبة عسكرية تمنح للمتفوقين من الدفعة، وتخول حاملها حق تأهيل الطلبة المستجدين، وتلقينهم مبادئ القيادة العسكرية.. من فجر أيامه، كان جمال معلما.
ولكن كيف وصل جمال عبد الناصر إلي هذه الدرجة من الكفاءة العسكرية والمهارة القتالية والتخطيط والحشد، هذا السؤال توجهت به إلي د.خالد عزب مؤلف كتاب »جمال عبد الناصر.. من القرية إلي الوطن العربي الكبير« بالتعاون مع الباحثة صفاء خليفة، فأجاب: لابد من استرجاع المشهد العسكري برمته لهذا الزعيم، وكيف أنه أصر علي الالتحاق بالكلية الحربية، رغم الصعوبات التي أعترضت طريقه، فعندما نجح جمال في البكالوريا عام 1936، قرر بينه وبين نفسه أن يستكمل دراسته العالية بالكلية الحربية، فقد كان يحلم بأن يكون ضابطا يصنع الحرية لشعبه، كما كان يهوي العسكرية باعتبارها كما يراها - الطريق الوحيد للتحرير واسترداد الكرامة، كان صغير السن، رياضي التكوين، فارع الطول، قوي البنية، وقد قبل مسئولو الكلية أوراقه، وحددوا له موعدا لإجراء الكشف الطبي للتعرف علي لياقته البدنية، وبعد الفحص قررت اللجنة صلاحيته من كل النواحي، وأبلغته بموعد آخر لإجراء امتحان الهيئة، لكن التقارير السرية كانت قد سبقته إلي لجنة فحص المظهر والمقابلة، فقد أعد مركز شرطة الجمالية تقريرا عن نشاط جمال السياسي، أوضح فيه أنه عضو في حزب أحمد حسين، وانه قد نظم المظاهرات الطلابية أيام الثانوية، وهو لذلك غير منضبط، وأوصي بعدم قبوله، وبالفعل تم استبعاد جمال من الالتحاق بالكلية الحربية، وذلك بعد الحوار الذي دار بينه وبين أعضاء لجنة كشف الهيئة، والذي تبين من اسئلتهم أنه مرفوض، لأنه فلاح من بني مر، ولأن أباه موظف بسيط، ولأنه فقير، والأسرة لا تملك أملاكا، ولأنه وطني شارك في التظاهر ضد السلطة، وأن الالتحاق بهذه الكلية كان مقصورا علي أبناء الذوات والطبقة الأرستقراطية.
ويضيف د. خالد: أن جمال تمسك بحلمه ودافع عنه لإيمانه بأن من موقعه كضابط يستطيع أن يسهم في بناء وطنه، لذا أستغل مهاراته الشخصية في أن يكسب الجولة الثانية، وأن يلتحق بالكلية الحربية، فبعد خمسة شهور أشرق أمل جديد عندما أعلنت الكلية الحربية عن حاجتها الماسة إلي دفعة جديدة من الطلبة، وقرر جمال خوض غمار تجربة التقدم إلي الكلية ثانية، فتقدم إليها في مارس 1937 وكان في التاسعة عشرة من عمره، اقتناعا بأن الفرصة متاحة للعسكريين دون غيرهم لاستخدام القوة للتخلص من الاستعمار والساسة الانتهازيين معا، وتصرف جمال علي نحو آخر هذه المرة لضمان قبوله، وتجنب المعوقات السابقة، فاستجمع كل ما لديه من شجاعة وجرأة وتوجه إلي منزل وكيل وزير الحربية وقتذاك، اللواء إبراهيم خيري باشا المعروف باهتمامه بتربية الكوادر الوطنية بين ضباط الجيش، وعند استقباله له قال جمال: « أفلا تقبل الكلية الحربية الطلبة إلا إذا كانت لديهم وساطة؟ أم أن هناك قواعد عامة تسري علي الجميع؟ فسأله اللواء: لماذا تسأل هذا السؤال؟ هل سبق لك أن قدمت طلبا للالتحاق؟ فقال جمال: « أجل ونجحت في الكشف الطبي، ولكن فحص الهيئة يحتاج إلي واسطة وليس لي واسطة، ومعني ذلك أن أعود إلي كلية الحقوق».
ويعلق د. خالد علي هذه الواقعة الفاصلة في حياة جمال عبد الناصر قائلا: أثار اللقاء إعجاب اللواء إبراهيم خيري باشا بجمال عبد الناصر، لما لمسه فيه من شجاعة وقوة شخصية وصلابة، لذلك أصغي إليه باهتمام لاقتناعه بوجاهة إصراره وجديته. ورد عليه ببساطة، بالترحيب بالطلب مجددا إلي الكلية ووعده خيرا، وبالفعل لم يسمح لنفسه أن تستسلم لليأس، وتقدم جمال للمرة الثانية بطلبه، وأثناء مقابلة لجنة فحص الهيئة، فوجئ بأن رئيس اللجنة هو اللواء إبراهيم خيري باشا بنفسه، وقد أمر بقبوله فورا في الكلية الحربية، وبهذا بدأ جمال مرحلة جديدة، ودخل جمال الكلية طالبا لأول مرة في 17 مارس عام 1937، مع مجموعة من الطلبة المستجدين، تتألف من 43 طالبا، وقد استرعي جمال بانضباطه وكفاءته العسكرية أنظار قادته، هذه الكفاءة التي حافظ عليها جمال طوال حياته، وتظهرها كراسة رسائل الميدان، التي تؤكد بلا شك براعته العسكرية وحسن إدارته لأي مسئولية توكل إليه.
عبد الناصر والقضية الفلسطينية
ينظر د. أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بآداب عين شمس، إلي مذكرات قائد ميدان، باعتبارها وثيقة من ضمن الوثائق الكثيرة والمتعددة التي تبرز الجوانب العسكرية والفكرية لجمال عبد الناصر، لأنها تؤكد أن قضية فلسطين بالنسبة للزعيم كانت منذ اللحظة الأولي حاضرة في ذهنه باعتبارها قضية أمن قومي، لذا شارك عبد الناصر منذ أيام الفالوجة في حرب فلسطين، وأعطي لهذه القضية اهتماما غير عادي، ولا ننسي أن منظمة التحرير الفلسطينية تأسست في القاهرة عام 1964، وعندما تم ضرب غزة في 1955تأكد لعبد الناصر أن قضية فلسطين قضية أمن قومي وأنه دفاع عن أمن مصر في المقام الأول، فخاض حرب العدوان الثلاثي 1956، ومن قبله اعلان تأميم قناة السويس، وقد خرج من حرب 1956 منتصرا بشكل سياسي، ومعروف تاريخيا أن عبد الناصر في هذا الحرب لبس البدلة الميري، وبدأ يقاوم كقائد عسكري ملتزم ودقيق في حساباته ومواقفه، وهي صفات جمال عبد الناصر العسكرية التي لم تفارقه منذ التحاقه بالكلية العسكرية.
وصف الكراسة
تشير صفحات هذه الكراسة التي دون علي بعض اوراقها التاريخ والبعض الاخر خلا من ذلك، علي أنها في الفترة من 1 يناير 1948 إلي 18 يونيو من ذات العام، وقد قامت دار الكتب بترميمها ضمن المقتنيات الشخصية لجمال عبد الناصر، وهناك صعوبة في قراءة بعض صفحاتها، إذ أستخدم في صفحات القلم الحبر، وفي صفحات أخري القلم الجاف، وفي صفحات ثالثة القلم الرصاص، ومن نماذج ما جاء فيها:
-1-
ايصال
استلمت انا الملازم ثاني صلاح الدين حجازي من حضرة اليوزباشي جمال عبد الناصر الاشياء الاتية.
1 طبنجة عياره 45
5 طلقة جنجانه عياره 45
1 خنيخر
2 اعراب قبض عليهم بواسطة ك6، الساعة 400 يوم 20/5 قادمين إلي الموقع الدفاعي، المستلم م.ثاني
صلاح الدين حجازي
20/5/ 1948
-2-
ايصال
مليم ج
- 700
استلمت من حضرة الصاغ سامي بولسي مبلغا وقدره سبعمائة جنيه لاغير
يوزباشي
جمال عبد الناصر
ك6 مشاه
23 مايو سنة1946
استلمت الايصالات الخاصة بتسليم هذا المبلغ لحضرة البكباشي محمد أحمد الدشتاوي وهذا إيصال مني بالاستلام
صاغ أ ح
سامي بولسي
18/ 6/ 48
-3-
هام
قطر من العريش به ذخيرة وجرار مدفع 6 رطل فيه 170 بانجلور نمرته 25 علي عربة سكة حديد 17427، العربات ليس لها سواقية تجرش في الجراج الكلي، شكاير الرمل ترسل مع الذخيرة.
-4-
5 لوري
7 جيب
35 فارخر
تسليم السلك الشائك للمهندسين، وضبط الذخيرة
-5-
الرجوع تأجل يوم الأثنين، يسأل القسم الطبي عن الجنود
-6-
الخسائر
7 جرحي
1 قتيل
لوري جرار
عربة جرار
-7-
هام
3 عربة جيب
3 حمالة
3 جرار
1 عربة فنطاس
1 عربة سوداء موريسون
1 لوري
1 عربة
3 موتوتسيكل
3000 كيس رمل
كما تتضمن الكراسة الكثير من الصفحات المدون فيها تكاليف مالية وحسابات وخرائط مرسومة بالقلم الرصاص عن أماكن كيفية يتم تحصينها، وخريطة عن اقتحام مكان للعدو.
رسائل متزامنة
جمال عبد الناصر في هذه الفترة التي كان يدون فيها ملاحظاته العسكرية في »كراسة رسائل ميدان« كان أيضا- يكتب رسائل ذات بعد إنساني لزوجته تحية، وهذا ما كشفته عندما قارنت الفترة التي يدون فيها خططه العسكرية، ورسائله لتحية التي توجد في كتابها »ذكريات معه«، ففي خطابه بتاريخ 18 مايو 1948 كتب « أرجو أن تكوني بخير مع الأنجال العزيزات أما أنا فكل شئ يدعو للاطمئنان، وفي خطاب بتاريخ 22 مايو 1948:» أنا في أحسن حال ولا يشغلني سوي راحتكم والاطمئنان عليكم وأرجو أن أراكم قريبا في أحسن حال...»، وفي خطاب بتاريخ 24 مايو 1948: »أكتب إليك الآن ولا يشغلني أي شئ سوي راحتكم وأرجو أن تكون شقيقتك قد أحضرت لك الشغالة.. أوصيك علي هدي ومني والمحافظة الشديدة عليهما« وفي خطاب بتاريخ 9 يونية سنة 1948: »إن شاء الله نجتمع قريبا في أحسن حال بعد النصر بإذن الله«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.