القادة الملهمون الذين يتحولون إلى طغاة أو فراعنة وكذلك غير الملهمين الذين يعتقدون أنهم نابغون تحت وطأة النفاق، ويصبحون ديكتاتوريين، ظاهرة حيرت الكثيرين خاصة أنها وجدت على مر العصور، وحدثت فى بلدان زراعية كروسيا ستالين، ومصر عبد الناصر، وفى بلدان صناعية كالمانيا هتلر، وايطاليا موسيلينى، وتنوعت اسماء والوان مثل هؤلاء الطغاة، فما طبيعة وسيكولوجية مثل هؤلاء القادة ذوى الشخصية الديكتاتورية هذا ما يجيب عنه هذا التحقيق . يقول الدكتور يسرى عبد المحسن - أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة- إن الشخصية المستبدة هي شخصية متعالية ، ولديها شعور دائم بالعظمة والقوة ، ودائما ما تكون في عزلة عن الآخرين ، ويرجع السبب في ذلك لضعف شخصيتها من الداخل ، وتشعر بالخوف وعدم الإحساس بالأمان . ويضيف إن مثل هذه الشخصية نادرا ما تتخذ قراراتها بمشاركة الآخرين ، وإنما تستبد وتنفرد بها ، وتنظر إلى مثل هذه القرارات من منظور المصلحة الشخصية ، وليس المصلحة العامة ، وعادة ما يكون استعداد الشخص للتحول من إنسان طبيعي لشخص ديكتاتور ، عبر التدريب أو منذ الصغر، ويتحول جزئيا نتيجة طاعة الشعب له، فضلا عن المنافقين والمجاملين من حوله ، الذين يجعلونه يعيش في مناخ «القداسة» ويعتقد بأن قراراته واوامره مقدسة وغير قابلة للنقاش. ويشير عبد المحسن الى أن مشاعر الطاغية تتميز بالجمود وفقدان الحس الإنساني وبالتالي يتصرف كالذئب في مواجهة معارضيه ، رافضاً وجود ديكتاتور إسلامى ، لأن مبادئ الدين الاسلامى الحنيف بعيدة عن مثل هذه التصرفات ، قائلا فى الوقت نفسه : ولكن.. يمكن أن يوجد طاغية، وينسب نفسه إلى الإسلام من خلال إطلاق اللحية أو العباءة وغيرها ، وإنما يكون هذا عبر الخداع والكذب والتضليل ، وفى هذه الحالة يتحول من ديكتاتور إلى إله . أما الدكتور هاشم بحري- أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر- فيقول: إن صناعة الديكتاتور ، تتدخل فيها عدة عوامل أهمها ، جينات الشخص نفسه فهناك شخصيات تميل إلى الديكتاتورية والعنف وهى مرتبطة بعوامل وراثية تتمثل في جينات الفرد ذاته ، والسبب الثانى يتمثل في الآخرين من حوله كالجماعة المحيطة به والمجتمع أيضا ، ويبدأ تحول الشخصية إلى الطاغية والديكتاتور ، عندما تكون الإشادة بالكثير من قراراته اكبر من حجمها الفعلي ، واعتبارها من جانب المحيطين به انها الأفضل من بين الخيارات وأنه الزعيم الملهم ، وهو ما يجعله لا يعتد باراء الخبراء ويعتبر ان اخذه لرأيهم فيه انتقاص من حجمه وقيمته ، وبالتالى ينفرد باتخاذ جميع القرارات حتى لو كانت غير صحيحة . وفى مثل هذه الحالة وبحكم وجود الشخص في السلطة و يحيط به المنافقون من الحاشية والمتلونون وأصحاب المصالح وبحسب تأكيدات الدكتور بحرى فإنه ينفصل عن الجماهير، وتبدأ نقطة التحول الى مرحلة الديكتاتورية الحقيقية، ويعتقد خلالها أن أياً من قراراته لا يتم تنفيذها على الفور ، ويبدأ في مرحلة من التحدث بالطريقة البراجماتية ، يستخدم خلالها ما يعرف ب»لغة الجسد» ويتحدث بتعال وربما بصوت منخفض ويبدأ يشير لطلباته بيده وكأنه يأمر من حوله ، وطبيعة الطاغية انه يرغب في وجود مساعدين له من حوله لكي يخدموه ، و يعتاد ان يتحدث عنه الجميع ويشيدون بقراراته وينظر إلى معارضيه كأنهم مرضي نفسيون ، ويرغب دائما في ان تناشده الجماهير لحل مشاكلهم وانه الوحيد القادر على اتخاذ القرار . وتقول الدكتورة إجلال حلمي- أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس- إن نماذج الديكتاتوريين أو الحكام الفراعنة لم تولد هكذا، وإنما هناك عوامل أثرت في شخصيتهم ، وان مثل هذه الشخصيات تكون شخصيات عنيدة منذ الصغر، وتكون لها أهداف محددة تسعي إليها، مهما بلغها الأمر من تكلفة ، وفى حالة عدم قدرتها بلوغها نظرا لضعف إمكانياتها سواء المادية أو الفكرية ، ونظرا لحجم الحقد والغل المتغلغل داخلها تلجأ إلى أفكار وأساليب غير نمطية للحصول عليها إما عن طريق القوة المفرطة بوازع أن هذا حقه ، أو عن طريق الاتفاق مع أشخاص للحصول على ما يريد ، وان مثل هذه الشخصيات تبقي يقظة دائما ، وتخشي من الاقتراب منها ، وتلجأ إلى القوة الأمنية أو العسكرية لأنه لا يعرف سواها ويعتبرها معيار قدرته على حكم البلاد، وقد لاحظنا خلال ثورات الربيع العربي كيف تعامل مبارك عن طريق إعطاء اوامره للجيش بالنزول للشارع ، والقذافي وماذا يفعل بشار الأسد الآن مع شعبه. .