- انهيار الأنظمة الديكتاتورية لا يخلق المدينة الفاضلة - بعد التغيير ينبغي الحذر من نشوء أنظمة قمعية جديدة - بأسطورة سيد القرود يمكنك إسقاط الديكتاتور! - 4 نصائح يقدمها الكتاب نصائح لتفكيك النظم القمعية كتبت - نرمين على " لا يزال الماضي لسوء الحظ يعيش بيننا ، حيث تعتبر مشكلة الأنظمة الديكتاتورية مشكلة عويصة " هكذا تحدث جين شارب أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية ماساشوتس في بداية كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" عن البقاء في ظل الديكتاتورية حتى بعد النضال .
شهدت السنوات الأخيرة انهيار عديد من الأنظمة الديكتاتورية المختلفة، وأثبتت عجزها عن تحدى الشعوب، بالرغم من أن الجميع كان ينظر إليها على أنها أنظمة منيعة فمنذ عام 1980؛ استطاع تحدى الشعوب الذي تميز في الغالب باللاعنف إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في استونيا ولاتفيا ولتوانيا وبولندا وألمانيا الشرقية، وعملت المقاومة باستخدام النضال اللاعنيف على ترسيخ التوجه نحو الديمقراطية .
وبالرغم من أن هذا النضال لم يقض على أنظمة الحكم الديكتاتوري ، إلا أنه كشف عن الوجه القبيح والطبيعة الوحشية لهذه الأنظمة أمام أعين الجميع ، و قدم للشعوب خبرة عن مفهوم النضال ؛ حتى قامت الثورة في الربيع العربي وناضلت الشعوب تطلب سقوط أنظمتها الديكتاتورية .
ومن المؤكد كما يشير الكتاب أن انهيار تلك الأنظمة لم يمحو جميع المشاكل ولم يخلق المدينة الفاضلة ؛ فالفقر والجريمة والبيروقراطية هي ما تورثه الأنظمة القمعية ، فهناك خطر محدق يتمثل في أن عديد من هذه الدول أثناء التغييرات ، تأخذ اتجاها معاكسا لتقع تحت أنظمة ديكتاتورية جديدة، وغالبا ما يكون الخنوع إلى رموز السلطة دون مسائلة قد غرس في الذهن ؛ حيث أن مؤسسات المجتمع قد أضعفت ، والمواطنين قد شتتوا وأصبحوا غير قادرين على نيل ثقة بعضهم البعض ، ومن المؤسف أن تتحول حتى المقاومة والنضال لمزيد من المعاناة والقتلى بدلا من تحقيق الانتصارات والأمل .
حرية عن طريق العنف
"اللجوء إلى وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعنى استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائما بالتفوق فيه "
في مثل هذه الأحوال التي يتحول فيها النضال إلى قتلى ومسجونين ، نجد الضحايا الغاضبون يعتقدون أن الطريق الأمثل أمامهم هو استخدام العنف كرد فعل على التعذيب الذي تلقوه ، ولكن خيار العنف مهما كانت حسناته ، يعكس بوضوح قدرة الأنظمة الديكتاتورية على سحق الحركات الديمقراطية لأنها تتفوق عليهم في العتاد والذخائر.
فيلجأ المنشقون إلى حرب العصابات ، ولكن هذا الخيار لا يعود بالنفع على الشعوب المضطهدة وحتى إذا حققت نجاحا فإن لها أثرا سلبيا وهو تحول النظام الديكتاتوري الحالي إلى نظام أكثر ديكتاتورية .
انقلابات .. انتخابات .. منقذين أجانب
قد ينظر البعض إلى أن أي انقلاب ضد نظام ديكتاتوري على أنه الخيار الأسهل والأسرع نسبيا في التخلص من النظام الحاكم البغيض ، ولكن هناك مشاكل خطرة ترافق هذا الخيار أهمها أنه لا يغير في مساوئ توزيع السلطات ؛ لأن إزاحة أشخاص معينين تفتح المجال أمام مجموعة جديدة لتحل محلها ، وقد تكون هذه المجموعة أكثر همجية وأكثر طموحا من النظام السابق وهذا مالا نتمناه في الطريق إلى الديمقراطية .
أما الانتخابات فإن الأنظمة الديكتاتورية لا تسمح بها فالأنظمة التي حكمت الاتحاد السوفيتي سابقا قامت باستفتاءات لتظهر وكأنها ديمقراطية ، ولكنها كانت إجراءات شكلية للحصول على موافقة الناس على مرشحين اختارتهم تلك الأنظمة ، ولكن الحكام الديكتاتورين قد يوافقوا على إجراء انتخابات إذا وقعوا تحت ضغوط ، ولكنهم يتلاعبون بها لكي يعينون دمى يسهل تحريكها، وإذا سمح لشخص معارض أن يتقدم للانتخابات، فإنه يتم تجاهل نتائجه ، أو قد يتعرض للتهديد والترهيب أو حتى الإعدام كما حدث مع مرشح بورما المعارض عام 1990 ومرشح نيجريا المعارض عام 1993.
وفى حالة عدم قدرة الشعوب المضطهدة على المقاومة ؛ فإنها تضع أملها في التحرر في الآخرين أي على قوة خارجية كالرأي العام أو بلد معين ، ولكن هذا السيناريو في حقيقة الأمر له انعكاساته الخطرة ، لأن المنقذ الخارجي لن يأتي لتحقيق حلمنا ، وإن أتى لا يجب الثقة به .
4 نصائح لإسقاط ديكتاتور! "لا يفيد الاعتماد على الحكومة ، عليكم الاعتماد فقط على عزيمتكم ، ساعدوا أنفسكم من خلال وقوفكم معا ، امنحوا ضعفائكم القوة ، توحدوا ونظموا صفوفكم ، لكي تنتصروا "
إذا أردنا أن نسقط حكم ديكتاتوري بفعالية وبأقل التكاليف، فعلينا أن نقوم بالمهام الأربعة الآتية: تعزيز الشعوب المضطهدة في تصميمها وعزيمتها وثقتها بنفسها ومهارات المقاومة، تعزيز جماعات ومؤسسات الشعوب المضطهدة الاجتماعية المستقلة، خلق قوة مقاومة داخلية قوية، وضع خطة تحرر إستراتيجية حكيمة وكبيرة وتنفيذها بمهارة.
وبرى الكتاب أن المفاوضات لا تشكل حلا لأن الحكام الديكتاتوريين المتمكنين والذين يشعرون بالأمان في مراكزهم يستطيعون رفض التفاوض، ولكن إن كانت المعارضة قوية يكون النظام الديكتاتوري بالفعل مهدد ، ويسعى للتفاوض لإنقاذ أكبر قدر من السيطرة والثورة التي لازالت بين أيديهم .
وهنا نجد أن المقاومة لا المفاوضة هي الضرورية للتغيير في النزاعات ، حيث تكون القضايا الأساسية على المحك ، وعلى المقاومة في جميع الحالات أن تستمر حتى تزيل الحكام الديكتاتوريين ، ولكن إذا وافق المناضلين على وقف المقاومة من أجل التخلص من القمع والاضطهاد ، فسينتهي بهم المطاف إلى الشعور بخيبة الأمل .
أسطورة سيد القرود
"يحكم بعض الرجال شعوبهم بإتباع الخدع ، لا المبادئ الأخلاقية ، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة، فهم لا يعون تشوش أذهانهم ، ولا يدركون أنه في اللحظة التي يدرك الناس أمرهم ينتهي مفعول خداعهم ".
هناك حكاية صينية من القرن الرابع عشر للمؤلف ليو جى توضح الفهم المتجاهل للقوة السياسية، حيث كان هناك رجل عجوز يعيش في ولاية تشو يسخر القردة لخدمته بجمع الفاكهة من الأشجار ، وكان يجلد من يخالفه دون رحمة ، حتى اقترح قرد صغير أن يأخذوا الفاكهة دون إذنه ودون خدمته ، ولم يعودوا إليه أبدا فمات جوعا ، والمبدأ هنا بسيط فالحكام الديكتاتوريين بحاجة لمساعدة الشعب ، فإذا قرر غالبية المواطنين القضاء على الحكومة وتوفرت لديهم الرغبة في تحمل ممارستها القمعية بغية الوصول إلى ذلك ، تصبح قوة الحكومة والذين يؤيدونها غير قادرة على حماية السلطة البغيضة .
أعمال النضال اللاعنيف
" الأمير الذي يعاديه جميع العامة لن يستطيع توفير الأمن لنفسه، وكلما زادت قوته كلما ضعف نظام حكمه"
يستخدم النضال اللاعنيف أسلحة نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية ،قد تقرب على مائتي أسلوب يندرجوا تحت ثلاثة فئات وهى الاحتجاجات والإضرابات واللاتعاون والمقاطعات ، ولكن وقعت حملات التحدي السياسي الارتجالية في الماضي في خطأ مشترك وهو الاعتماد فقط على طريقة أو اثنين كالإضرابات والمظاهرات الجماهيرية ، وقد يتطلب بعض أشكال النضال اللاعنيف بان يقوم الشعب بتوزيع المنشورات، والإضراب عن الطعام .
الحاجة إلى التخطيط الاستراتيجي
"لقد تعلمت باكرا أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد"
تتعدد الطرق التي يمكن من خلالها بدء حملات التحدي السياسي، لأن الأعمال العفوية غالبا ما يكون لها صفات سلبية كعدم القدرة على التنبؤ برد فعل الأنظمة الديكتاتورية ، و الافتقار إلى التخطيط والذي يؤدى إلى نتائج وخيمة.
والمقصود بالتخطيط الإستراتيجي هو إعداد طريقة عمل للانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع المرغوب، وهدف التخطيط لا يتوقف ببساطة عند القضاء على الديكتاتورية ولكن يستمر حتى يتم وضع نظام ديمقراطي ويجعل من نشوء ديكتاتورية جديدة أمرا مستحيلا، حيث يجب تغيير موازيين القوى حتى نمنع الحكام الجدد إن أرادوا أن يكونوا حكاما ديكتاتوريين كأسلافهم وبالتالي يجب أن نرفض أي"ثورة داخل القصر" أو أي انقلاب ضد الحكم وذلك عن طريق تطوير قدرات النضال اللاعنيف .
كما يجب المعرفة بمخاطر المشاركة وتحذير الشعب وتوعيته بإجراءات القمع المحتملة لتوفير رعاية طبية للإصابات التي تقع، وعلى المخططين أن يراعوا الإجراءات التي يمكن استخدامها للمحافظة على المقاومة بالرغم من الممارسات الهمجية والوحشية.
استهداف قوة الديكتاتور
"لم يكتشف الطغاة بعد سلاسل تكبل العقول"
ينبغي على الإستراتيجيين أن يعدوا لكيفية تقييد مصادر قوة الديكتاتور ، عندما يتطور النضال وينتقل إلى مراحل ذات طموحات أكبر ، ويجب أخذ الحيطة والحذر عند التخطيط لكيفية عمل القوى الديمقراطية بإضعاف الدعم الذي قدمه الناس والمجموعات في السابق للنظام الديكتاتوري ويجب عمل تقييم جيد لدرجة موالاة الجيش لنظام الحكم
ولكن لا يجب تفسير هذا على أنه تشجيع القوات العسكرية على القضاء السريع على الأنظمة الديكتاتورية من خلال عمل عسكري ، لأن هذا لا يرسخ ديمقراطية حقيقية ، لذا فيجب إقناع الضباط العسكريين المتعاطفين أنه لا حاجة لانقلاب عسكري ، ولكن يمكنهم القيام بدور هام وهو نشر سحب الولاء واللاتعاون مع الديكتاتور ودعم رفض ممارسة القمع .
تفكيك النظام الديكتاتوري
تستمد الأنظمة الديكتاتورية قوتها من من الطاعة والتعاون التي تحصل عليه ؛فإذا كان الاضطهاد الذي يمارسه الديكتاتورين لا يضمن الطاعة ، وقامت الشرطة والقوات العسكرية بسحب ولائهم سواء كان فرديا أو جماعيا أو عند تجنبهم أو رفضهم المباشر لأوامر الاعتقال أو الضرب أو إطلاق النار على المقاومين يصبح الحكام الديكتاتورين غير قادرين على الاعتماد على الشرطة والقوات العسكرية لتنفيذ القمع فتتهدد الديكتاتورية بشكل خطير.
وعندما تصبح المؤسسات المدنية للمجتمع أقوى بالمقارنة مع الديكتاتورية ينشغل المواطنون في بناء المجتمع المستقل خارج نطاق سيطرة الحكام الديكتاتورين، كما أن هناك إمكانية لإنشاء "حكومة ديمقراطية موازية" عندما تكون الديكتاتورية مسيطرة على الحكومة المركزية.
حينها يجب أن يمنع التخطيط ظهور ديكتاتورية جديدة وضمان إنشاء تدريجي لنظام ديمقراطي قوى، و إنشاء حكومة عاملة بسرعة وليس الحكومة القديمة بوجوه جديدة، و معرفة الأجزاء الهيكلية التي يجب الاحتفاظ بها وتطبيق الديمقراطية ، لأن وجود فراغ حكومي يتيح المجال لظهور فوضى أو ديكتاتورية جديدة.
ومن الضروري تحديد سياسة التعامل مع الرسميين في المواقع العليا للديكتاتورية بعد تفكيك قوتها مثلا، هل يجب محاكمة الديكتاتورين؟ هل سيسمح لهم بمغادرة البلاد إلى الأبد؟ ومن الضروري تجنب حمامات الدم لأنها تعود بالضرر على إمكانية وجود نظام ديمقراطي في المستقبل، والتخطيط لتأسيس حكومة ديمقراطية دستورية تمنح حريات سياسية وفردية كاملة لأن الفشل في التخطيط يضيع مكتسبات باهظة الثمن.
أسس ثبات الديمقراطية
بعد النجاح في تفكيك الحكم الديكتاتوري لابد من اتخاذ إجراءات وقائية حذرة لمنع ظهور نظام القمع القديم بالاستعداد المسبق للتحول المنظم للديمقراطية ، وبناء الأسس الدستورية والقانونية ومعايير السلوك لديمقراطية قوية.
ولا يجب أن يعتقد أحد أن مجتمعا مثاليا سيظهر فور سقوط النظام ؛ فسقوطه بمثابة نقطة البدء تحت ظروف حرية أفضل لبذل جهود طويلة الأمد لتطوير المجتمع وتلبية حاجاته الإنسانية بشكل أفضل، وعلى النظام السياسي الجديد أن يوفر فرصاً أمام الناس لكي يكملوا العمل البناء والتطوير السياسي.