بعد دقائق من رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعائلته نزولا على إرادة الجماهير، ومع عجز أجهزة أمنه عن قمع انتفاضة الشعب وبعدما سالت دماء تسعين تونسيا حتى الآن خرجت جماهير الشعب التونسي تهتف”يا شعب ثور.. ثور.. انقلاب على الدستور” وتم تعديل شعار رفعته الجماهير طيلة الأسابيع الماضية من “خبز وماء.. و بن علي لا” إلى “خبز وماء.. الغنوشي لا”. كان من الواضح أن نخب النظام الحاكم لن تأل جهدا في محاولة اجهاض ثورة الشعب عبر انقلاب القصر، خشية تصاعد الثورة لتطيح بنظام الحكم كاملا أتذكر هنا مقولة أحد حيتان المال الموالين للولايات المتحدة في إندونيسيا بعد سقوط سوهارتو “كان لابد من إحداث تغيير من أعلى حتى لا يحدث تغييرا من أسفل” فسرعان ما تم التحايل على الدستور التونسي لتولية الغنوشي، رئيس وزراء بن علي وذراعه الأيمن؛ كما ترددت أنباء عن انفجارات وأعمال تخريب، يقول البعض إنها مفتعلة لتبرر لجوء الحكومة الجديدة إلى تمديد حالة الطوارئ. ومرة إثر مرة تؤكد “متلازمة الفساد الموالي للاستبداد” غباءها منقطع النظير.. الذي يحول بينها وبين الاعتبار من دروس التاريخ.. ففي كل مرة تئن الشعوب من تدهور أحوالها المعيشية، بسبب أنظمة الحكم الديكاتورية الفاسدة، تظل النخب المثقفة تطالب بالتغيير السلمي.. وتضغط سلميا من أجل تحقيق ديمقراطية حقيقية تتيح للجماهير أملا في تغيير حياتها إلى الأفضل عبر صناديق انتخاب حقيقية وحياة برلمانية سليمة.. لكن الديكتاتوريات الفاسدة تواصل غيها واستبدادها وتجاهلها لمطالب الشعوب، ولا تجد سوى المواجهات الأمنية القمعية تواجه بها شعوبها .. ومع استمرار القمع وحرمان الجماهير من حقها في إقامة أحزابها السياسية الحقيقة وتنظيماتها النقابية المستقلة الحرة، ومطاردة القيادات والنشطاء، واستمرار الفساد ومعاناة الجماهير من ظروف معيشية قاتمة، تختنق الجماهير ولا تجد مخرجا لها سوى الانفجار. وتفاجئ بانفجارها تحليلات المثقفين وفذلكة المفكرين، بعدما تتأكد أنه ليس لديها ماتخسره.. ونتيجة لغياب الأطر التنظيمية المستقلة والحياة الديمقراطية السليمة التي تضمن تحقيق التغيير السلمي، تدفع هذه النظم الحاكمة فاتورة هذا الانفجار العفوي والعشوائي، كما تدفع ثمنه الشعوب مزيدا من الضحايا.. ولا شك أن الانتفاضات غير المنظمة يكون لها تداعياتها المؤلمة التي لا يتمناها أي عاقل، غير أن الديكتاتوريات الحاكمة لا تترك بسياساتها القمعية خيارًا آخر أمام جماهير محرومة من أطرها التنظيمية الحرة. وعلى الرغم من أن الانتفاضات العفوية غالبا لا تحقق انتصارا نهائيا لمطالب الشعب، وغالبا ما يتم قمعها أو حرف مسارها؛ إلا أن الشعوب تكتسب بمرور الوقت مزيدًا من الوعي وتراكما في الخبرات النضالية يمكنها من أن تفرز قياداتها الطبيعية من بين صفوف المناضلين في الشوارع. وتجربة إثر أخرى تقل تدريجيا فرص إخفاقها، وتتزايد فرص نجاحها، بينما يتزايد غباء النظم الديكتاتورية وترهلها، واعتمادها على أساليب القمع التي تفقد بمرور الوقت تأثيرها في ردع حركة الجماهير. وواهم من يعتقد أن بضعة أسابيع من النضال تنتج ثورة شعبية تطيح إلى الأبد بنظام حكم ديكتاتوري.. وساذج من يعتقد أن الحرية ثمنها بخس لهذا الحد.. فتاريخ الثورات الشعبية يؤكد أن طريق التغيير يحتاج إلى نفس طويل، كما أن طريق الحرية لابد وأن يكون مفروشا بالتضحيات. وتؤكد دروس التاريخ على أنه لايصح إلا الصحيح في النهاية.. ومهما ماطلت قوى الطغيان والفساد وحاولت تأجيل موعد الثورة.. إلا أنها آتية بلا ريب.. ربما تستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا، وربما ينحرف المسار في إحدى المراحل.. لكن الدكتاتورية مآلها إلى زوال.. لا شك أن ثورة الشعب التونسي تستحق الاحترام، ونضاله يستحق الاحترام، غير أنه ينبغي أن نضع في الاعتبار أن الأشقاء التونسيين نجحوا في أولى خطوات التغيير، وانتزاع الحرية. ومازال أمامهم الكثير على طريق التحرر الحقيقي. وعليهم أن يتسموا بطول النفس، وأن يواصلوا النضال لحماية نضالهم ودم شهدائهم من سارقي ثروات الشعوب. فمع كامل التقدير لريادة الشعب التونسي في إثبات قوة الحركة الجماهيرية، إلا أن المعركة ليست هينة، ولا يجب التقليل من شأن اصطفاف النظم الديكتاتورية في المنطقة لمؤاذرة بعضها البعض خشية انتقال العدوى، إلى بقية شعوبها. وعلى سبيل المثال، كانت مظاهرات المصريين أمام السفارة التونسية تحية لنضال الشعب التونسي، وهتافاتهم تستلهم البشارة منه، أول الدلائل على صورة الاستقبال الجماهيري للأنباء الواردة من تونس . فعلى الحركة الجماهيرية في تونس أن تسارع إلى تنظيم نفسها، وتوحيد صفوفها، فالمعركة القادمة ستكون أقسى وأشق، وتحتاج استعدادا خاصا، لأنها لن تكون في مواجهة النظام الحاكم في تونس وحده، وإنما هي تمثل رعبا تهتز له عروشا أخرى في المنطقة. [email protected] مواضيع ذات صلة 1. إكرام يوسف تكتب عن انتفاضة تونس : كل ما تهل البشاير من يناير 2. أميمه الشريف : هبت رياح التغيير من تونس 3. إكرام يوسف تكتب عن أعداء الوطن الذين حرمونا من العيد: السكوت عار وخيانة 4. إكرام يوسف : ميزان الحسنات الكئيب 5. إكرام يوسف : مطلوب دروع بشرية لحماية الكنائس