تحت عنوان «الموساد جهاز المخابرات السري» كتب كل من دينيس إيزنبرغ وإيلي لاندوا كتابهم عن نشأة الموساد وطريق نشره على يد جوريون بن غورين أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال. وفي تلك الحدوتة الرمضانية نتحدث عن أشهر الجواسيس في تاريخ الموساد والذي استطاع أن يكون مرشحًا لوزارة الدفاع السورية في وقت كانت الحرب بين دولة الاحتلال ومصر وسوريا على أشدها. البداية ووفقًا للكتاب فقد ولد «إيلي كوهين» في الحي اليهودي بالإسكندرية 1924 لأب يدعى شاؤول وأم تسمى صوفي هاجرا من مدينة حلب السورية إلى القاهرة لينشأ الولد نشأة عادية ليصبح يهوديا مستقيما وكان ملتزما عكس أقرانه. بدأت أولى بشائر النبوغ عند «إيلي» حين تفوق في المدرسة وحصل على منحة في مدرسة الليسيه الفرنسية وسرعان ما أصبح أحد طلابها اللامعين وتكلم الفرنسية والعبرية وحفظ التلمود وكان يمتاز بذاكرة يستطيع من خلالها أن يتذكر أرقام السيارات التي تمر من أمامه بجانب جسمه الرياضي وإجادته للسباحة ثم اهتم بالتصوير لاحقا. ويضيف الكتاب أنه لما عرفت مصر الحرب 1940 اكتسب «إيلي» هواية الأسلحة وكان شغوفًا بأنواع الطائرات وكان تحوله السياسي حين حكمت مصر على جاسوسين يهوديين بالإعدام ومن هنا تعاطف مع القضية اليهودية. في عام 1944 أرادت جماعة «الهاجاناه» الإسرئيلية أن توسع شبكة الاستخبارات الخاصة بها وكان «إيلي» أحد من عملوا في تلك الشبكة وصمم على الدراسة في جامعة الملك فاروق حتى تم طرده عام 1951 لكنه عاد للتجسس مرة أخرى للقاهرة في عام 1952 بعد ثورة يوليو وتم القبض عليه لكن تدريبه ومستوى ذكائه وصموده مكنه من إقناع المفتشين المصريين أنه لا يعرف شيئًا وتم إطلاق سراحه. بعد ذلك وجد إيلي كوهين نفسه على متن سفينة مع اللاجئين بمبلغ زهيد حتى وصل إلى حيفا وحصل على هوية جديدة إسرائيلية. العمل بالتجارة عاش في تلك الفترة وحيدًا رغم أنه وسط أهله والتحق بالموساد وكان مهمته هي ترجمة الجرائد العربية للعبرية وتحليل مضمون لهجة الحكومات وأثبت فيها تفوقه لكنه سئم منها فطلب أن يصبح عميلًا فرفض الموساد مما دفع «إيلي» إلى ترك العمل الاستخباراتي والاتجاه إلى التجارة التي أثبت فيها نجاحا فترة من الوقت واستطاع أن يتزوج. في عام 1960 التقى إيلي كوهين بأحد أصدقائه القدامى وسارت بينهم دردشة عن عمله في الموساد وأخبره كوهين أنه ترك العمل لإحساسه بالإهانة ثم عاد صديقه بعد ذلك يعرض عليه العمل في الموساد جاسوسا ووافق إيلي وخضع لكافة التدريبات التي أثبت فيه جدارة عن غيره. جاسوس دمشق تم اختيار إيلي كوهين ليكون جاسوسا في دمشق في وقت الوحدة مع مصر، وكان المفترض إرساله على أنه رجل أعمال أجنبي ولكن إجادته للعربية أهلته لأن يكون رجل أعمال عربي تحت اسم كامل ثابت. وسافر في عام 1961 إيلي كوهين إلى الأرجنتين على هيئة رجل أعمال كامل أمين ثابت، وحين وصل نزل في أحد الفنادق الراقية ثم استأجر شقة ليعيش فيها. بمجرد أن وطأت قدماه بيونس آيرس بدأ في التعرف على المقاهي والمطاعم التي يجلس فيها العرب وكان كريما يعرف كيف يجذب حوله الأصدقاء أما قصته فهي أنه ينتمي لأسرة سورية وولد في لبنان ثم انتقل إلى مصر. من خلال جاسوس إسرائيلي في الأرجنتين توصل إيلي كوهين إلى أسماء العرب المؤثرين في بيونس آيرس وفي نادي الإسلام كون الجاسوس الإسرائيلي صداقات مع عبداللطيف الخشن محرر أكبر جريدة عربية في الأرجنتين ومن خلال هذا الصحفي تعرف "إيلي" على «الماجور» أمين الملحق العسكري بسفارة سوريابالأرجنتين وهناك اعترف له «إيلي» بشوقه إلى بلده وكان أول من عرض عليه الانضمام لحزب البعث الحاكم في سوريا هو «الماجور» الذي فرح أن يكون هناك رجل أعمال ثري يؤمن بسوريا ومخلصا لها كما أوحى له الجاسوس الإسرائيلي. بعد جولة في الأرجنتين وصل «إيلي» إلى دمشق وكان أول ما فعله استئجار شقة في حي «أبورمانة» التجاري وهو مبنى مواجه لقيادة الأركان السورية وأنشأ شركة استيراد وتصدير سرعان ما ازدهرت. بداية التجسس وخلال وجوده أمام مبنى أركان القيادة السورية استطاع إيلي كوهين أن ينقل كل ما يحدث سواء كان هناك اجتماعات ليلية أو سيارات مسئولين تتوافد إلى هناك في أوقات الأزمة، وبالفعل استطاع أن يخبر إسرائيل بأكثر من خطر. من خلال صداقته وكرم ضيافته الذي دفع ثمنها الموساد استطاع «إيلي» تكوين شبكة علاقات من النخبة السورية ضمت صلاح ظلي أحد الضباط اللامعين في الجيش السوري ووزير الإعلام السوري. ووصلت درجة الصداقة أن «ظلي» ترك إيلي كوهين يدخل مكتبه دون وجوده ويطلع على وثائق عسكرية مهمة خاصة أن «إيلي» كان يترك شقته لظلي لممارسة كل ما يشتهي مع عشيقاته. أول لقاء مع رئيس سوريا وكان أول لقاء بين إيلي كوهين وأمين الحافظ رئيس سوريا في هذا الوقت من خلال وزير الإعلام السوري، وأهدى الجاسوس الإسرائيلي لزوجة الرئيس هدية باهظة الثمن والتقط كوهين مع الحافظ صورة تذكارية. علا سهم إيلي كوهين خلال فترة وجيزة وبدأ التفكير فيه بما أنه قيادة بعثية على تولي منصب وكان أقرب المناصب هي أن يتولى وزارة الإعلام ودفعه البعض إلى تولي منصب وزير الدفاع لكن هذا لا يمكن لعدم وجود خلفية عسكرية فيما كان تفكير أمين الحافظ الرئيس السوري أن يكون كامل ثابت أو إيلي كوهين هو خليفته على عرش سوريا. خلال تلك الفترة نقل إيلي كوهين إلى إسرائيل جميع خطط سوريا العسكرية في منطقة هضبة الجولان وهي خطط استفادت منها حتى بعد إعدام "كوهين نفسه". بداية النهاية بدأت قصة اكتشاف الجاسوس الإسرائيلي حين اشتكى عاملو الراديو بالسفارة الهندية الملاصقة لمنزل إيلي كوهين من تشويش الاتصال على السفارة الهندية وحاولت السلطات السورية أن تتفحص الأمر وتعرف مصدر هذا القلق. ولكي تتأكد المخابرات السورية قامت بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة بأكملها ولم يكن إيلي كوهين يدرك ماذا يحدث ومن خلال عمله تمكنت السفارة السورية من تحديد موقعه وبالتالي اقتحمت المنزل وتم تفتيش كل شيء وتبين حقيقة هذا الجاسوس. وبعد أن تم القبض عليه طلبت السلطات السورية أن يرسل رسائل مغلوطة إلى إسرائيل ولكن إيلي كوهين استطاع أن يرسل من خلال تلك الرسائل المغلوطة بعض الكلمات التي تشير إلى القبض عليه. فجعت إسرائيل بخبر القبض على أغلى جاسوس لديها في هذ الوقت ومن خلال تحريكها للمنظمات الدولية طالبت بعدم إعدامه لكن السلطات السورية لم تستجب وتم إعدامه في دمشق من خلال أبوسليم جلاد دمشق الأشهر وظل لمدة 10 ساعات معلقا وكان ذلك في عام 1961.