حينما تغيب الرقابة في المؤسسات الحكومية يتحول الموظفون إلى سماسرة ليس لهم هم سوى جمع المال ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة ومصالح المواطنين. وفى وزارة النقل واقعة خطيرة تثبت أن آلاعيب الموظفين لا حدود لها، ففى مذكرة قدمها عميد مهندس بهيئة السلامة البحرية لوزير النقل يبدو واضحا أن ظاهرة «الموظف من أهل الخطوة» عادت وبقوة إلى دواوين الحكومة، خصوصا أن المذكرة تكشف أن أحد الموظفين حضر اجتماعين في القاهرة والإسكندرية في وقت واحد، بالإضافة إلى أن كافة الشكاوى التي يرسلها للوزير تعاد إليه مرة أخرى من أحد المقربين من الوزير والذي يستخدم نفوذه في إحالة الشكاوى في بعض الأحيان إلى أصحابها للتحقيق فيها مقابل مكافآت يحصل عليها لنفسه. ومن المكافآت التي حصل عليها الموظف «سفرية» على الباخرة عايدة بصحبة طلاب الأكاديمية البحرية، وكانت عبارة عن هدية من هيئة السلامة البحرية بالتنسيق مع الأكاديمية البحرية العربية، وحصل خلالها على بدل سفر 250 دولارا مصروف جيب، وأدى مناسك العمرة عندما وصلت المركبة إلى المملكة، قبل أن تعيد الباخرة وجهتها لقبرص وجولة أوروبية لتدريب الطلاب على قيادة المركب. وكشفت المستندات عن حضور الموظف نفسه اجتماع لجنة بمقر وزارة النقل في القاهرة عند الثالثة والربع عصرًا، ولجنة أخرى بالإسكندرية في نفس اليوم عند الساعة الثالثة عصرًا أيضًا، أي بفارق ربع ساعة، حضر خلالها الموظف اجتماع اللجنتين بالقاهرة والإسكندرية. وتبين من المستندات أن الموظف النفاثة دخل الأراضى السعودية على أنه عضو هيئة تدريس الأكاديمية البحرية بصحبة طلاب الأكاديمية البحرية، وكان ترتيبه بالكشف رقم 58، وفيما يخص اجتماعات اللجان، فإنه حصل على بدل حضر لكل لجنة، والحقيقة أن هذا الموظف لا يعرف شيئًا عما يدور بالاجتماعات. ومن أخطر وأكثر لجان «النقل» تلك المشكلة بالموانئ البحرية، خصوصًا أن الموانئ هي الأغنى بالوزارة، وجميعها بعيدة عن القاهرة، وبالتالى بعيدة عن ديوان الوزارة ولا تعرف قيادات النقل عما يدور بداخلها شيئًا. وتعقد بهيئات الموانئ العديد من اللجان والتي تصل إلى أكثر من 100 لجنة مختلفة منها للسفن الغارقة، وثانية للتطوير وثالثة للبت في مشكلات وقضايا ولجان استثمارية، وكل لجنة يتم إدراج أسماء المقربين من قيادات الموانئ لتكريمهم بمقابل مادى وبدل مناسب، ويحصل كل مسئول على (200 إلى 300 جنيه) مقابل اللجنة الواحدة، وفى حالة تسجيل اسم الموظف في 50 لجنة فإنه يحصل على مبلغ كبير. من جانبه، قال «الدكتور إبراهيم الدميرى - وزير النقل السابق» إن الوزارة في عهده كانت تراقب بقوة أسماء الموظفين المشكلين بكل لجنة ودور اللجنة وطبيعة عملها حتى يتم مراعاة هذه النقطة، مؤكدًا أن الإصلاح الإدارى لابد أن يشمل هذه النقاط وأن يتم إلغاء فكرة أن يحصل الموظف على بدل نقدى مقابل حضور هذه اللجان. «الدميري» أكد أن الحل لمواجهة ظاهرة الموظف «النفاثة» هو الإصلاح الإدارى بشكل كامل، والعمل على إعادة تأهيل الجهاز الإدارى للحكومة، خصوصًا أن تلك الظاهرة لا يمكن تجاهلها. بدوره، ذكر «القبطان محمد أسبيتة - عضو الاتحاد الدولى للنقل مستشار الجمعية المصرية للنقل» أن ظاهرة الموظف النفاثة، والتي أكدتها المستندات لن تحل خلال الفترة القليلة المقبلة، لأنها نتاج محاولات تراضى للقيادات بالوزارات المختلفة، لبعض المقربين منهم ويتم هذا التراضى من خلال وضع اسم الموظف بعدد من اللجان، يتحصل منها شهريا على مبالغ لا تقل عن ألفى جنيه بخلاف راتبه الشهرى لضمان ولاء الموظف لهذا المسئول. وأشار إلى أن معظم هذه اللجان تعطل مشروعات استثمارية كبيرة بالموانئ، وتأخر البت فيها لاستمرار تواجد اللجنة حتى يستمر بدل حضورها بدلا من إنهاء عمل اللجنة وتوقف البدلات.