17 شارع حسن صبري.. ليس عقارًا عاديًا أنشئ في ثلاثينيات القرن الماضى بضاحية الزمالك الراقية.. بنى العقار في عصر ذهبي، وظل يمارس دوره في المجتمع طوال هذه الفترة، إلى أن جد جديد في حياته قلبها رأسًا على عقب.. على حين غرة دخل العقار شخص يدعى هشام العشماوى.. يقال إنه رجل أعمال أمريكى مصرى ويتردد أنه مصرى دون أمريكي.. المثير أن هشام لا تربطه علاقة إيجارية بالمكان فأقام دعوى قضائية لإثبات العلاقة الإيجارية.. شطبت الدعوى غير أنه ظل مسيطرًا على ثلاثة طوابق. ملاك العقار طاردوا الرجل بالقانون والشكاوى لدى الجهة الإدارية وأثبتوا أن الأدوار الثلاثة التي يسيطر عليها ليست «بنسيون» كما يدعي.. في واحدة من قراراته الجريئة وغير المحسوبة ألغى الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة السابق رخصة «البنسيون» غير أن هشام له باع طويل في إدارة مثل هذه المواقف، وقبل أن يسعد الشاكون بأنهم حصلوا على جزء من حقوقهم حتى يقرر القضاء طرده نهائيًا من العقار حدث حادث غير سعيد. تقول الأوراق التي لدينا إن المحافظ أمر عددًا من موظفى وقيادات حى غرب بعقد جلسة للاستماع إلى السيد هشام العشماوي.. عقدوا الجلسة بصورة رسمية رغم أن الرجل طعن على القرار أمام مجلس الدولة وبالتالى فإن الحديث عن «بنسيون» وخلافه لا يمكن مناقشته قبل أن يفصل مجلس الدولة في الأمر.. مضت أيام تحمل من المفاجآت لأصحاب العقار ما لا يجوز تصوره شرعيًا أو حتى خارج أطر الشرع والشارع. حصل هشام على رخصة مؤقتة لإدارة «البنسيون» وهنا قامت الدنيا.. خبط.. رزع.. تكسير.. تحطيم.. بناء.. هدم.. لم يفقد أصحاب العقار الأمل ولجأوا مرة أخرى إلى الجهات الإدارية.. إلى المحافظ.. إلى الحي.. كان واضحًا أن هشام هو الأقوى.. في كل جولة ينقلب الأمر من ضده إلى صالحه. التقينا الدكتور أحمد زكى بدر وشرحنا له جرائم حى وسط ومساندته لرجل خالف كل الأعراف والقوانين ولايزال ينعم بدعم الحى وصمته بل ومباركته.. اتصل الدكتور أحمد زكى بدر على الفور لتشكيل لجنة من التفتيش.. كان الرجل حاسمًا وحازمًا غير أن حسم سيادته لم يبرح مساحة مكتبه وعلى الرغم من وصول اللجنة إلى الهدف المنشود إلا أن كل شيء تراجع واختفى الوزير في غمضة عين، دون أن ندرى أو نعرف لذلك سببًا، خاصة وأن «بدر» واحد من الرجال الذين «متنزلش ليهم كلمة أبدًا» غير أنها نزلت إلى أسفل سافلين!! كان الحى يعد لمجزرة قانونية وأخلاقية عندما أراد إسكات أصحاب العقار وبدأت تتوالى اللجان.. لجان الحى لدرجة أنها توجهت لشقة الشاكى 12 مرة في عشرة أيام.. ليس هذا فحسب، بل وصل الاستفزاز إلى درجة أن طاردته لجان في الحادية عشرة مساء وأيام الجمع.. لم يكن هذا التحرك الحربى من الحى وليد نشوة بالعمل الوظيفى ولا عشقًا قى حماية الزمالك من تتار يقيمون في العقار المذكور.. كان التحرك وفق عملية إرضاء لشخص ما.. نحن لا نعرفه ولا نعرف من يعرفه. لجان الحى كان لابد وأن تقدم ثمرتها للجهات، حيث كتبت أغرب تقرير في التاريخ.. تاريخ الزمالك والأهلي معًا.. كتبت اللجان تقريرًا تقول فيه إن الشاكى قام بتقسيم غرفة النوم إلى مطبخ وغرفة نوم أطفال وغرفة نوم وعمل حمام بغرفة النوم.. ولكم أن تتصوروا معى غرفة نوم «ربنا طرح البركة فيها» لدرجة أنها وسعت لغرفة نوم أطفال ومطبخ وغرفة نوم أخرى وحمام.. كان المقصود أن يكون التقرير مستفزًا وغير منطقي. الشاكى استقدم لجنة من كلية الهندسة بجامعة القاهرة التي نفت كل ما جاء بتقرير مجزرة الحى أو سلخانة المحافظة أو مذبحة المماليك وفضحت لجنة الهندسة عورة الحى وسكانه وقادته، وبات واضحًا أن كل دورة للقوة من طرف هشام تحاول أيادٌ بيضاء أن تواجهه لتستقيم الحياة. بدأ هشام يعاود العمل داخل الأدوار المسلوبة وفى مواجهته بدأ الشاكى يعاود الاتصال رسميًا بالحى.. هشام يبنى ويهدم ويعيد ويرفع وينزل والشاكى «يفرك» وينهش لحم نفسه ثم يتمالك نفسه ويعاود الشكوى للحي.. أراد الحى إسكات الشاكى فأصدر قرارًا بالإزالة.. الإزالة ليست ضد هشام المستولى على العقار ولا ضد أعماله في الأدوار الثلاثة الواقعة تحت زمام احتلاله.. صدر قرار إزالة للشاكى أي والله للشاكي. القضية هنا أننا أمام شخصية مصرية أو أمريكية لايهم فالأهم أنها شخصية قوية فولاذية قادرة ماهرة استطاعت أن تسكت وزيرًا وأن تحرك حيا.. هشام يتحدث من أرقام تليفونات خاصة لا تظهر عند التحدث إليك وهذه الأرقام لا تمنح إلا بموافقة جهات أمنية نافذة ولا تمنح إلا للشخصيات المهمة.. إذن هشام شخصية مهمة.. نعم هشام شخصية مهمة وهو يستقبل سفراء مهمين داخل الطوابق الثلاثة المغتصبة. يلتقى سفير الاتحاد الأوروبي مثلًا ويلتقى سفير إسرائيل أيضا والأهم من ذلك أنه كان يستخدم تليفونات خاصة بالعالم المصرى العالمى الدكتور أحمد زويل ومن شركة فودافون.. وصل الأمر إلى الدكتور زويل.. تقدم الرجل بشكوى فقررت شركة فودافون نقل الأرقام باسم هشام وبنفس الصفة بمعنى أنها أرقام خاصة لاتظهر عند الاتصال.. مثل أرقام الوزراء ورجال الأمن الكبار.. الكبار أوي!! وهشام له تاريخ وطنى طويل حيث أقام سيادته قضية تحكيم دولى ضد مصر من قبل بعد أن فسخت شركة «إيجوث» تعاقدها معه لإدارة أحد فنادقها في العين السخنة ومع ذلك فإن الرجل الذي يوصف بأنه رجل أعمال مصرى أمريكى لايزال يمتلك قدرات خارقة ظهر من خلالها أن الفساد في مصر ليس بأوامر رئيس حى أو محافظ.. الفساد في هذه الواقعة مهدى إلى جهاز الرقابة الإدارية لأنه فساد بأوامر عليا.