لم يتردد غيتاشو رضا، وزير الإعلام الإثيوبي، في الإعلان "القنبلة" عن أن 70% من سد النهضة تم بناؤه، وأن تضرر أي دولة أمر لا يخص أديس أبابا، ضاربا عرض الحائط بعامين من المفاوضات الفنية وإعلان المبادئ الذي وقع عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي مع زعيمى إثيوبيا والسودان في مارس 2015. حسن النوايا لا يحل مشكلة، والحديث عن أن أديس أبابا لن تضر مصر – كما قال رئيس وزرائها – "كلام ليل" سرعان ما ذاب أمام حرارة إصرار إثيوبيا وخطوات عملية وصلت إلى حد تصريح رئيس وزرائها بأنه لا رجعة عن إكمال بناء السد. ولم تكن عبارة «اشربوا من البحر» التي كانت لسان حال حديث وزير الإعلام الإثيوبى من فراغ، فخلال ثلاثة أشهر ماضية استطاعت أديس أبابا حسم الكثير من الملفات العالقة لعل أبرزها هو موقف السودان المتأرجح بين الدعم الكامل لإثيوبيا وبين مصالحها الإستراتيجية مع مصر. فماذا حدث في هذا الملف؟.. البداية كانت مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين أن سد النهضة سيعود بالخير على السودان، ثم أتبع ذلك اتفاق على صفقات لتصدير كهرباء السد إلى الخرطوم بسعر أقل من إنتاجه ووافق الرئيس السودانى عمر البشير وهذا سر خروجه ليؤكد أن السد للتنمية ويحقق أهداف بلاده ! كما التقى رئيس الوزراء الإثيوبى بوفد سودانى في منتصف الشهر الجارى تحت عنوان تفاهمات بين أديس أباباوالخرطوم حول الأمن المائى وحل النزاعات الإقليمية، وهو اللقاء الذي أكد فيه "ديسالين" أن السودان وإثيوبيا مرتكزا تحقيق التنمية. وهناك سبب آخر وراء "لإعلان الإثيوبى "القنبلة" في هذا التوقيت، فبجانب الدراسات الفنية التي تؤكد صعوبة وقف أعمال بناء السد في الوقت الحالي، خاصة أن افتتاح المرحلة الأولى سيتم في يوليو المقبل، هناك دول أخرى تريد الاستثمار في سد النهضة وهو ما دفع ديسالين – وفق مراقبين – إلى التأكيد أن قرار بلاده مستقل عن أي دراسات، في إشارة واضحة لجميع الدول أن ملف المفاوضات قد انتهى. أولى تلك الدول التي لبت النداء هي إسرائيل بعد أن أعلنت صحف إثيوبية عن زيارة وصفتها بالتاريخية لبنيامين نتنياهو يوليو المقبل، فيما تحدثت صحف إسرائيلية أن الزيارة اقتصادية في المقام الأول، وأن هناك ما يقرب من14 رجل أعمال سيرافقون رئيس الوزراء الإسرائيلى في تلك الزيارة. لم تكن الطبيعة بأى شكل متآمرة على مصر، لكن يبدو أنها متوافقة مع المزاج الإثيوبى وذلك بعد أن توقعت الأممالمتحدة أن يكون هذا العام وهو العام العاشر لجفاف نهر النيل هو الأسوأ، وذلك بعد تسع سنوات متتالية من جفاف النهر، شهدت نقص تدفقات المياه إلى 50% من معدلاتها الطبيعية وهو ما دفع أديس أبابا إلى عدم التوقف للحظة واحدة حتى تضمن وجود مياه لتشغيل توربينات السد في افتتاح المرحلة الأولى. وتحذر دراسات الأممالمتحدة من العام العاشر للجفاف والذي يعنى وصول ما يقرب من 36 مليار متر مكعب فقط إلى مصر بدلًا من 55 مليار متر مكعب هي الحصة التاريخية للقاهرة من نهر النيل. حديث وزير الإعلام الإثيوبى والأسباب السابقة لم يشر إليها وليد حقيقى المتحدث الرسمى باسم وزارة الرى الذي اكتفى بالتأكيد أن دور وزارته هو الدور الفنى وتقييم آثار السد فقط، وهو التصريح الذي عده مراقبون بمثابة تبرئة لوزارة الرى وإلقاء اللوم على وزارة الخارجية المشتركة في إدارة هذا الملف والغائبة تمامًا عن آخر التطورات. السيناريوهات التي يمكن أن تنقذ مصر قليلة، إن لم تكن محصورة بين اللجوء إلى التحكيم الدولى والخيار العسكري الذي ظهر الأسبوع الماضى على لسان النائب طارق رضوان، وكيل اللجنة الخارجية بمجلس النواب، فيما يتفق ذلك مع آراء مصادر داخل وزارة الرى تؤكد أن اللجنة التي شكلتها الرئاسة لمراجعة خطط مفاوضات سد النهضة تشير إلى أن هناك لغة تصعيدية خلال الأيام المقبلة. وكشفت مصادر داخل وزارة الرى أن الوساطة العربية غير المباشرة ستكون ضمن محاور خطط الرئاسة، وستعتمد تلك الوساطة على كل من السعودية التي تبلغ حجم استثماراتها داخل إثيوبيا 13 مليار دولار، والإمارات التي قادت مبادرة خلال الشهور الماضية من أجل التوفيق بين القاهرةوأديس أبابا وتبلغ حجم استثماراتها في بلد سد النهضة 870 مليون دولار. أما السيناريو الثانى فهو اللجوء إلى التحكيم الدولى خاصة بعد أن تمت الإطاحة ببنود إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في مارس 2015 واشترط في مادته الأولى أن عدم تضرر أي دولة هو الحاكم الأساسى للعلاقات بين البلدان الثلاثة "مصر وإثيوبيا والسودان".. ووفق إعلان المبادئ فإنه في حالة اختلاف الدول الثلاث يتم اللجوء إلى الوساطة لدول يرتضيها الموقعون على الإعلان وإذا فشل الأمر يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي. الدكتور ضياء القوصى عضو اللجنة الفنية السابق لسد النهضة يرى أن الجلسة المقبلة – والتي لم يحدد موعدها – ستكون هي الفيصل في المفاوضات التي استمرت عامين، مؤكدًا أن هذا الإخفاق يتحمل نتائجه المفاوض المصرى الذي انساق وراء رغبة إثيوبيا في كسب الوقت حتى مر عامان دون أن تبدأ الدراسات الفنية نفسها.