عسكر «العصر المملوكى» قتلوا الوريث ووضعوا طفلاً على العرش مماليك الصالحية يرضخون لقلاوون .. سيناريو متكرر للإخوان والعسكر المشايخ يُنِّصبون محمد على والياً بمساعدة «عسكر» الألبان ما أشبه الليلة بالبارحة، فالواقع الذى تعيشه مصر حاليا، غير جديد عليها، فقد شهد تاريخها فترات كثيرة خلت فيها البلاد من وجود قائد على رأس الدولة، وفى الفترات المشابهة كانت أوضاع البلاد الداخلية شبيهة بواقعنا المضطرب، وكانت هناك جماعات كثيرة تتصارع على السلطة، لكن المفارقة العجيبة أن يتفق التاريخ المصرى على شئ، وهو أن مقاليد الأمور فى فترات فراغ منصب الرئيس، كانت بأيدى العسكر، ويعتبر العصر المملوكى أقرب العصور شبها بوقتنا الحاضر، كما أنه كان الأكثر فراغاً فى سدة الحكم. لعل أشهر الفترات التى خلا فيها منصب رئيس الدولة فى مصر، ويعرفها الجميع تلك الفترة التى قضتها البلاد بعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، حيث ظلت زوجته شجرة الدر تدبر أمر المملكة مدة 09 يوما من منتصف شعبان حتى منتصف ذى القعدة عام 746ه، ورغم الشهرة الواسعة التى حازت عليها قصة شجرة الدر إلا أن المؤرخين القدامى من معاصرى تلك الفترة، يؤكدون أن شجرة الدر وإن كان لها فضل اخفاء خبر وفاة الملك الصالح، إلا أنها لم تكن هى المدير الفعلى لشئون المملكة فى كل الأحوال. يؤكد المقريزى أن شجرة الدر كانت تظهر فى الواجهة لتخبر القادة والأمراء بأوامر الملك المريض، وأن المدير الفعلى لشئون المملكة كان الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ، مستغلا فى ذلك خبرته العسكرية كقائد للمماليك، وخبرته السياسية بقربة من الملك المتوفي، وقد استمر الأمير فخر الدين يؤدى هذا الدور مدة 57 يوما، إلى أن تمكنت منه قوات الفرنجة وقتلوه، فآلت الأمور إلى شجرة الدر واستمرت تقوم بنفس الدور مدة 51 يوما أخري، خلال تلك المدة شهدت البلاد اضطرابات كثيرة على المستوى الداخلي، نظرا لاحتلال الفرنجة مدينة دمياط، ودخولهم مدينة المنصورة «مقر السلطنة وقتها» حتى أن بعض المؤرخين ذكر أنهم وصلوا إلى باب قصر السلطان، لولا تصدى فرقة المماليك البحرية بقيادة «بيبرس» لجيوش الفرنجة، وتمكنهم من صدهم عن باب القصر، وهزيمتهم فى أزقة المنصورة، حتى خرجوا منها وعادوا إلى دمياط، بعدها وصل «توران شاه» وتسلم مقاليد الأمور، وبعد انقضاء الحرب وهزيمة الفرنجة، تملك الحسد قلب السلطان تجاه فرقة المماليك البحرية، وزاد من بطشه أن اتهم شجرة الدر باخفائها مال أبيه، وطالبها بسداده، فاستشاطت غضباً، وخاطبت أمراء المماليك، وقالت لهم إن «توران شاه» يفعل هذا بها بعد أن حمت له سلطانه وسلمته له، فلاقت خطاباتها هوى من قلب أمراء المماليك الذين لم يكونوا راغبين فى ولى العهد «الأهوج» الذى لا يقدر الأمور - كما وصفه المؤرخون- وانتهى الأمر بقتل «توران شاه» ولم يستمر فى الحكم سوى 17 يوما، فهل هناك شبه بين ما حدث مع وريث المماليك ووريث مبارك؟! ألم تلاق ثورة الشباب فى 52 يناير هوى فى قلوب العسكر الذين كان يكدر صفو جنرالاتهم أن يتولى الوريث الأهوج مقاليد الحكم؟ بعد مقتل «توران شاه» نصب المماليك شجر الدر ملكة لمصر، واشترطوا أن يكون «عزالدين أيبك» قائدا للعسكر، وصارت الأوامر الملكية تختم بتوقيع «والدة خليل» ولم تهنأ شجرة الدر بملكها طويلا، وما هى إلا أيام ووصل الخبر إلى مقر الخلافة العباسية، فغضب الخليفة المعتصم بالله، وأرسل إلى أمراء المماليك رسالة قال فيها «إن كانت الرجال قد عدمت منكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلا» فقرر أمراء المماليك خلع الملكة، واتفقوا على تنصيب الأمير عز الدين أيبك مكانها، ولكنهم خشوا من غضب الأيوبيين فجعلوا مظفر الدين موسى أحد بنى أيوب ملكا ولقبوه بالملك الأشرف، وكان عمره لا يتجاوز 6 سنوات، وبقى الأمير عز الدين أيبك حاجبا له وشريكا فى الملك، مرة أخرى يدير العسكر اللعبة من خلف الستار، فهل بين الملك الأشرف وجماعته من بنى أيوب علاقة شبه مع ما حدث من العسكر والإخوان؟! لا تنتهى انقلابات المماليك على ملوكهم، والتى تخلف عادة فترة تعيشها البلاد بلا رئيس أو حاكم فعلى فبعد وفاة الملك الظاهر بيبرس تولى ابنه الملك السعيد أمور السلطنة لكنه لم يستمر فى الحكم إلا سنتين وشهرين وثمانية أيام، حيث اتفق أمراء المماليك على خلعة وقاموا بما يشبه الانقلاب بالعسكرى عليه بقيادة الأمير سيف الدين بن قلاوون، وكان دافعهم فى ذلك الحفاظ على مصالحهم وأقطاعياتهم التى أراد أمراء الخاسكية التابعيين للملك السعيد الاستيلاء عليها مستغلين فى ذلك انشغال أمراء المماليك فى حرب مدينة «سيس» وساعدهم فى ذلك ضعف الملك واغراقه فى ملذاته فكان رد المماليك على هذا أن انقلبوا على ملكهم وخلعوه، وأعطوه إمارة الكرك، وخلا بعده منصب الملك فتشاور الأمراء فيما بينهما وعرضوا المنصب على الأمير سيف الدين بن قلاوون، ولكنه امتنع لخوفه من حدوث فتنة بين العساكر، لأن معظمهم كانوا من الظاهرية اتباع الملك المخلوع، كما أن القلاع كانت بيد نوابه.. تم تنصيب الملك العادلى بدر الدين سلامش بن الظاهر بيبرس وكان عمره وقتها سبع سنوات، فكان سلامش ملكا فى الظاهر وقلاوون ملكا فى الباطن، يتحكم فى العسكر ويدير شئون الدولة وفى أقل من شهرين بدأ قلاوون فى تنفيذ مخططه ففى التاسع من رجب من نفس العام شرع فى القبض على الأمراء الظاهرية، فسجن أعيانهم فى الثغور، ووضع الكثير منهم فى السجون وبدأ يعطى ويمنح لخاصته ومريدية ويقطع ويمنع العطايا عن معارضية يظهر بصورة قائد عسكري، ولكن تصرفه كان تصرف ملك.. فهل يتشابه موقف قلاوون ثانية مع موقف المجلس العسكرى أم أن «العسكري» كان أكثر منه صبراً عندما بدأ بنقلب على الثوار بعد مرور أربعة أشهر فقط على ثورتهم حيث بدأت الاعتقالات والسجون تطال النشطاء، ونظمت حملات للتشوية الجماعى للمعارضين والخضوم فى الوقت الذى كان المقربون من العسكر يحظون بكل رعاية! نعود إلى قلاوون لمعرفة كيف تصرف أمر الملك الطفل فى سبيل تدعيم مكانة، لقد قام بتوزيع الأموال على المماليك، وقرب منه مماليك الصالحية وأعطاهم الاقطاعات، وكانوا أكبر قوة معارضة لمماليك الظاهرية التابعين للملك المخلوع وأخوه الطفل، فأكبر من شأن جماعة منهم كانوا قد أهملوا فى العهد السابق عليه، فسعدوابه، وقويت شوكته بهم، وترسخت أقدامه، ولم يمض أكثر من 11 يوماً على انقلابه على مماليك الظاهرية، حتى اجتمع بأمراءه الجدد فى 02 رجب من نفس العام، وتحدث إليهم فى صغر سن الملك العادل، وأن الدولة تحتاج إلى رجل كامل، فخلعوا سلامش والحقوه بأخيه فى الكرك، وكانت مدة ملكة 001 يوم، حظى فيها باسم الملك وكل شئ كان بيد «الأنابك قلاوون» فهل مماليك الصالحية يشبهون جماعة الإخوان المسلمين من بعض الجوانب!! ألم تكن الجماعة أكبر قوة منظمة تعارض النظام السابق فى نوع غريب من المعارضة التى لا تبعد عن النظام بقدر ما تقترب منه تماما كما كان مماليك الصالحية الذين كانوا يعارضون مماليك الظاهرية الذين استولوا على الملك بدلاً منهم، وهمشوا جماعة منهم تماما كما فعل النظام السابق حينما همش الجماعة فى انتخابات البرلمان عام 0102، ثم يأتى قلاوون فيكسب رضا الصالحية ويرفع شأن المهمشين تماما كما فعل «العسكري» الذى حول الجماعة «المحظورة» إلى أغلبية البرلمان. على أعتاب العصر الحديث، تعرضت مصر لحملة فرنسية قادها نابليون بونابرت، ورغم قصر فترة بقاء الحملة الفرنسية التى لم تستمر سوى 0311 يوما، منها 004 يوم فى وجود بونابرت، إلا أنها كانت بمثابة الصدمة للمصريين، حيث واجهتهم بواقعهم المتخلف، وبعد خروج الحملة الفرنسية فى سبتمبر عام 1081م، عاشت مصر فترة من الاضطرابات والفتن والقلاقل الداخلية حيث ظهرت أكثر من فرقة طامعة فى الحكم، فالعثماينون، يرفضون التخلى عن نفوذهم، والجنود الألبان بدءوا يتطلعون لنفوذ أكبر، والمماليك أرادوا عودة التاريخ لسالف مجدهم، والمصريون شعروا أن من حقهم الاختيار، فظهر أمامهم القائد العسكرى الذى أعلن كالعادة أنه غير طامع فى السلطة، وكأنه راهب دينه الزهد، ولكن بعد تفاقم الأزمة التى وصلت إلى حد لا يطاق ذهب مجموعة من المشايخ والعلماء إلى البكباش محمد على يرجونه أن يصبح واليا على مصر، وتقدموا بطلب لدار السطنة فى اسطنبول يطلبون فيه ذلك، وراح الشيخ الشرقاوى والسيد عمر مكرم نقيب الأشراف يحرضان الناس على التظاهر والصياح من أجل ذلك، ولم يرض أمراء الأتراك بهذا، فأثاروا المتاعب، وظل الحال هكذا إلى أن وصل فى 9 يوليو 5081 فرمان بتولى محمد على الولاية على مصر. مراجع السلوك فى معرفة دول الملوك: المقريزي تاريخ ابن إياس موسوعة تاريخ مصر حكايات الاحتلال: عادل الجندي