صراع بين الماء والنار لم تهدأ وطأته طوال الليلة الماضية، في منطقة العتبة التي تحولت في عتمة منتصف الليل إلى منطقة مضاءة بالكامل بفعل نار لم تُبقي ولم تذر، إطارها دخان قاتم نافس بكآبته ظلمة الليل، وكتم برائحته النفاذة أنفاس البسطاء، وتبخرت معه إلى السماء أحلام ومدخرات وبضائع تجار، وقوت «غلابة» حاصرهم القدر وأحرقت قلوبهم ألسنة النيران. كان الحريق عادلاً، ساوى بين الجميع في ظلمه، وطالت خسائره الكبير والصغير، وكذلك الغني والفقير، فتحول الحزن إلى حالة عامة وحدت أهالي المنطقة ودفعتهم إلى المكوث طوال يوم أسود، سيربض في ذاكرتهم إلى الأبد، بجانب ما ضاع، يرقبون ممتلكاتهم وبضاعتهم تتفحم أمام عيونهم بفعل نار مستعرة، يلقون عليها نظرة وداع أخيرة ويرثون حالهم، ويحتسبون خسارتهم عند مليك مقتدر، هو وكيلهم، يرجون من لدنه عوضًا وخلفًا لما فُقد. ومع بزوغ ضوء النهار، تكشفت الكارثة وظهرت فداحة الخسائر، وازدادت الحسرة في النفوس، على أموال وأملاك ذهبت مع الريح، ولكن النار تأبى أن تهدأ وتكون بردًا وسلامًا على قلوب أهالي «العتبة»، ولا تزال حتى الآن تتسلل في أوصال مباني المنطقة، في ظل محاولات لا تهدأ لإخمادها بغية الاكتفاء بهذا القدر من الخسائر المادية والآلام النفسية للمتضررين والبسطاء «الموجوعين».