كان يتنقل بين قنوات التليفزيون المختلفة، حين شاهد الاسم الحبيب «مليك» مكتوبا بحروف بارزة. ثم بدأت الموسيقى الناعمة مصحوبة بتترات الفيلم وأسماء الأبطال. ابتسم فى صفاء، وهو ينظر إلى التليفزيون بشغف. روايته التى تحولت إلى فيلم، بعد أن حققت نجاحا ساحقا لم يكن يحلم به أو حتى يتخيل حدوثه. انكب على كتابتها عامين كاملين. ونضجت معه الشخصية الرئيسية ببطء. «مليك» بطله الذى تنقل معه منذ طفولته حتى تبوأ عرش القلوب. آه، لكم أحب «مليك»! هذه الشخصية التى تعلو فوق المكان والزمان. تعمّد ألا تدور أحداث روايته داخل إطار محدد، بل تمثل الإنسان فى كل العصور. بدأ الفيلم بأحداث طفولة «مليك». لطالما استمتع وهو يرسم ملامح شخصيته. بطولة «مليك» لم تكن فى شجاعته واستقامته فقط، بل لأنه رفض أن يسمى الأشياء بغير أسمائها، ويأخذ الدنيا على حالها من الظلم والالتواء. تنهد فى شجن، وقد شرد فى خواطره الخاصة. فليعترف بأن «مليك» كان الإنسان الذى تمنى أن يكونه، وعجز عن ذلك. الإنسان الصلب الذى لا يتنازل. ولا تلين له قناة فى وجه الخطأ. شجاعة أن تسمى الأخطاء بأسمائها. علّم الله آدم الأسماء كلها. لكن الأحفاد بددوا الأمانة، وشرعوا يسمون الأشياء بغير أسمائها. تلاحقت أحداث الفيلم. «مليك» يكبر. «مليك» يجرب الحب، ويقع فى غرام فتاة ساحرة العينين. «مليك» يساعد الآخرين بعذوبة غير عادية. ثباته فى وجه الخطأ سبّب له متاعب كثيرة. متاعب مع والديه ومعلميه وأقرانه. «مليك» يعانى القهر والظلم والاضطهاد، ولكنه يصبر، ويصر على الصواب. «مليك» يأسر القلوب، وينتصر فى نهاية الأمر. يتحول إلى رمز للخير واللون الأبيض، ويُحمل على الأعناق ليتبوأ ناصية الحكم، لكنه ينحاز للبسطاء، ويصر أن يظل واحدا منهم. لم يعد الآن يتابع الفيلم، بل انحصر بالكامل فى خواطره الخاصة. النجاح الباهر الذى حققته روايته أعاد له الثقة بالإنسان. الناس يحبون الخير، ولا جدال فى ذلك، وإلا فلماذا حققت روايته هذا الرواج الكاسح؟! وفجأة بدأ ينتبه إلى شىء مريب. نظرة قاسية لمعت فى عيون «مليك». رباه، لماذا قست ملامحه فجأة؟! شرع يشاهد الأحداث فى انتباه متزايد. «مليك» يصفع امرأة عجوزا حاولت أن تثنيه عن إغواء فتاة! خيانة! هذا المشهد غير موجود فى الرواية. كيف يجرؤ المخرج أن يغيّر أحداث روايته، دون الرجوع إليه. ولكن هناك شيئا مريبا! لقد شاهد هذا الفيلم عشرات المرات، فكيف تغيرت أحداثه؟! انتفض قائما، وقد انتابه خاطر مرعب. هرع إلى أقرب نسخة من الرواية، يقلب صفحاتها فى فزع. هذا هو الفصل الخاص ب«مليك» بعد أن تولّى الحكم. رباه، لقد تغيرت الرواية أيضا، وتغير مصير «مليك»! عاد يتابع الأحداث لاهثا. «مليك» ينتابه جنون العظمة، ويغيّر اسمه إلى «ملك». اقترب من الشاشة صارخا: «لماذا تفقد حب الناس أيها الأحمق؟!». والتفت «مليك» إليه فجأة، وبادله نظرة مليئة بالمقت. عاد إلى الرواية، وشرع يقرؤها لاهثا. بالفعل هذا حدث!. مليك لم يعد «مليك». انهار على المقعد فى يأس. لماذا انهرت أمام الغوايات أيها المفتون؟! غطى عينيه عاجزا عن أن يشاهد أكثر. «مليك»، لم تتحمل الغواية فى أحداث رواية! فكيف يصمد اللحم والدم فى مواجهة الحياة الحقيقية؟! [email protected]