برعاية شيخ الأزهر.. تدشين مبادرة تدريب طلاب الأزهر على الوعي السياحي بالأقصر    حزب الحرية: ثورة 23 يوليو خلدها التاريخ وأرست مبادئ العدالة والكرامة    «القابضة للصناعات المعدنية» تستهدف 21.6 مليار جنيه صافي ربح خلال 2025-2026    أستاذ علوم سياسية: إيران بين المفاوضات أو الضربة العسكرية.. والغرب لا يمزح    سيعود للمستشفى.. آخر تطورات الحالة الصحية ل"حسن شحاتة"    تيدي أوكو يثير الجدل برسالة غامضة وسط أنباء فشل انتقاله للزمالك    تقرير تونسي يكشف موعد انضمام علي معلول للصفاقسي    فخر أبو ظبي الجديد.. إبراهيم عادل حديث صحف الإمارات بعد انضمامه للجزيرة    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    الصحة: النسخة ال 3 لحملة حملة "100 يوم صحة" تستهدف مواجهة التوحد والإدمان    الكرملين: محادثات صعبة مع كييف في إسطنبول اليوم.. ومذكرات التفاهم "متناقضة"    أوباما ينتقد اتهامات ترامب "الغريبة" بشأن انتخابات 2016"    جامعة الأقصر تعلن موعد التحويلات ونقل القيد بين الكليات    سيارات "جينيسيس" تنطلق لأول مرة في شمال أفريقيا من بوابة السوق المصري    تباين أداء مؤشرات البورصة في منتصف تعاملات اليوم    الاستعانة بمركز بحثي متخصص لإعداد دراسة فنية لتطوير كورنيش طنطا في الغربية    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    تحرير 138 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    تعليم قنا تنظم ندوة تعريفية عن نظام «البكالوريا الجديدة»    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    ضبط 9 طن دقيق مدعم خلال 24 ساعة في حملة بالقاهرة    الكنيسة الأرثوذكسية: ثورة 23 يوليو مَكَّنَتْ المصريين من أن يحكموا أنفسهَم بأنفسهِم    التفاصيل الكاملة ليوم الأربعاء 23 يوليو 1952    6 أساتذة يفوزون بجوائز الدولة للرواد والتشجيعية والمرأة من جامعة القاهرة    على شاطئ البحر.. أحدث ظهور للفنانة بشرى والجمهور يعلق    تكتفي بالمراقبة أكثر من الكلام.. 5 أبراج يفضلون الصمت    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    كتائب القسام تستهدف آليات عسكرية للاحتلال في جباليا    علامة "غريبة" ظهرت على شابة كشفت إصابتها بسرطان العظام- لن تتوقعها    بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025.. 8 نصائح لطلاب الدور الثاني للتغلب على التوتر وزيادة التركيز    جامعة الإسكندرية الأهلية تفتح أبوابها لطلاب الثانوية العامة 2025    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    المصري وحش كاسر، توفيق عكاشة يوجه رسالة تحذير للمتطاولين على المصريين    على طريقة عربي.. مصطفى غريب يوجه رسالة طريفة لطلاب الثانوية العامة    في الذكرى ال73 لثورة يوليو 1952.. تفاصيل انتفاضة الضباط الأحرار لاستعادة الاستقلال الوطني وإنهاء حكم الملكية    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    طريقة عمل المكرونة بالبشاميل، بطريقة المحلات وطعم مميز    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    السيسي: مصر أبت أن يعيش مواطنوها في العشوائيات والأماكن الخطرة    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    استشهاد 14 فلسطينيًا خلال غارات للاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    توافد المواطنين على ضريح الزعيم جمال عبد الناصر لإحياء ذكرى ثورة 23 يوليو    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الأربعاء 23 يوليو    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    أسعار البيض اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    وفاة 4 أشخاص بطلقات نارية إثر مشاجرة مسلحة بين عائلتين بقنا    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجين زندا.. والانتقال لعالم من الفروسية الحالمة!
نشر في بص وطل يوم 16 - 11 - 2009

أحب أن أقدّم هذه المرة إحدى الروايات الكلاسيكية، فهناك الكثيرون الذين بدؤوا القراءة بما هو موجود حاليًا، وما يتم تناوله إعلاميًا بالنقد والتمحيص، ولذلك قد لا يعلم الكثير عن كلاسيكيات الأدب العالمي..

سجين زندا "The Prisoner of Zenda" رواية لا يمكن تقديمها سوى مع شقيقتها (وهي الجزء الثاني لنفس الرواية) روبرت أوف هنتزو Rupert of Hentzau""، الروايتان للكاتب الإنجليزي سير أنتوني هوب..

والحقيقة أن هذين العملين هما مثال على العمل الأدبي الذي يصنع مجد صاحبه، فغالبًا لو حاولت أن تتذكر أسماء أي أعمال أخرى لهوب فستفشل تمامًا، فلم يحقق أي من أعماله ذات النجاح والمجد الذي حصده عندما كتب سجين زندا. كتبت الرواية في نهاية عام 1883، وقد خطرت الفكرة لهوب وهو يسير في أحد شوارع لندن فسارع بكتابتها وانتهى من المسودة الأولى لها في حوالي شهر، ومع حلول إبريل في العالم التالي نشرت سجين زندا لأول مرة..

تعتمد الرواية على فكرة خيالية بعض الشيء، وهي تطابق الشبه بين شخصين، فالسيد رودولف راسيندل (الإنجليزي الجنسية سليل العائلة الإنجليزية العريقة وأخ لسياسي إنجليزي بارز) قرر أن يزور روريتانيا؛ وهي دولة أوروبية من صنع خيال الكاتب حيث تربط أسرته بها قصة قديمة، حيث حدثت علاقة غير شرعية بين إحدى جداته في شبابها الكونتس "إميليا" وبين ولي عهد روريتانيا "الألفبرجي" النسب، أدى ذلك لنشوء بعض الأفراد من عائلة راسيندل يتميزون بأنف مميز وخصلة شعر حمراء، هذه الفضيحة التاريخية -التي يتمنّى الجميع أن تسدل عليها ستائر النسيان- كانت السبب الدائم في منع أسرة رودلف له من زيارة روريتانيا، فهو يتمتع بالأنف وخصلة الشعر معًا.

ولكن رودلف قرر أن يذهب في زيارة سرية إلى روريتانيا؛ ليحضر حفل تنصيب الملك الألفبرجي الجديد، ونظرًا لتوجه أنظار أوروبا كلها لهذا التتويج وعدم وجود أي مكان شاغر في سترلزو عاصمة روريتانيا، فقد قرر روبرت أن ينزل في مدينة زندا التي تسبق العاصمة. وهنا تبدأ القصة.

فأثناء رحلته في غاب زندا يقابل الملك وهو يتريض ومعه اثنان من وزرائه: الكولونيل سابت، وفرتس فون تارلنهايم، وهنا يحضر الملك لتقع الدهشة على الجميع، فرودولف والملك نسختان متطابقتان تقريبًا في الشبه وحتى في الاسم، وبعد تخطّي الدهشة والتعارف يصرّ الملك على دعوة هذا القريب البعيد إلى العشاء في كوخه الصيفي في زندا..

ويعرف رودولف هناك كيف أن للملك أخاً آخر أصغر من زواج خامل لأبيه، وهو الدوق "بلاك مايكل"، وأن هذا الأخ يطمع في أن يُتوّج هو ملكًا بدلاً من أخيه رودولف، بل يطمع أيضًا في أن يتزوّج من ابنة عمه الأميرة "فلافيا" الجميلة، والتي سيتزوجها مَن يُتوّج ملكًا على روريتانيا بعد أن شغفته الأميرة حبًا، ورغم ذلك فإن العلاقة العلنية بين الأخوين جيدة، بل إن الملك رودولف بطبيعته الخفيفة لا يُقدّر مقدار الخطر الذي يحدق به عن طريق أخيه..

وهكذا تتابع الأحداث ليقوم بلاك مايكل بتخدير الملك؛ لمنعه من الوصول إلى احتفالية التنصيب، ويتفق كل من الكولونيل سابت وفيرتس على مفاجأة مايكل بحضور الملك.. ولكن ليس الملك حقًا من سيحضر بل رودولف راسيندل ممثلاً لدور الملك.. ولكن مايكل يكتشف خطتهم فيختطف الملك الحقيقي.

وهكذا يظل رودولف باقيًا على عرش روريتانيا مؤديًا لدور الملك، وفي ذات الوقت يضع الخطط لينقذ الملك الحقيقي من يد مايكل..

بكل تأكيد لن أفسد عليك النهاية وأخبرك ما الذي حدث، ولكن تميّزت الرواية بمزيج من جو المغامرة والبطولة وقيم الفرسان، وبين الطابع الرومانسي الذي يمسّ الرواية دون إفساد لها، بين رودولف والأميرة فلافيا التي سقطت في حب رودولف دون أن تعلم أنه ليس ابن عمها ومليكها.

تميزت الرواية بكل ما يُميز الأدب الكلاسيكي من جمال اللغة وفخامتها، ووجود جو من الفروسية العامة التي تشتمل عليها الأحداث دائمًا، وخلت كذلك من كل ما يعيب هذا النوع من الأدب، وهو الإملال والتطويل فيما لا داعي له ولا يخدم الحدث الرئيسي.

لذا تجد الرواية لاهثة لا تحوي أي فقرة تشعر بكونها دخيلة على الأحداث، بل تجد أنك تهرول مسرعًا لتنتقل من حدث إلى آخر ومن موقف إلى آخر.

كذلك خلت الرواية من أي وصف زائد كما اعتادت معظم الروايات في هذا العصر.

والحقيقة أن أكثر ما يُميز الرواية هو رسم الشخصيات؛ فالشخصيات هنا أتت ثلاثية الأبعاد غالبًا بعيدة عن الشخصيات المسطّحة، فتجد رودولف رغم الفروسية الغالبة عليه، ولكن أفكاره تؤكد لك أنه بشري عادي يحوي داخلة كافة ألوان الطيف، لم يصوّر هوب شخصية بلاك مايكل على كونها الشخصية الشريرة التقليدية، بل يصبغ صفات إنسانية عليه ويجعلك تتعاطف أحيانًا مع مايكل كشخص خسر كل شيء، والحقيقة أن دور مايكل كفالين (شرير العمل) ليس هو الدور الرئيسي فإن كان هو خصم رودولف على المستوى العام، فإن شخصية (روبرت أوف هنتزو) هو الفالين الحقيقي على مستوى الأحداث، فهو الشخصية الأكثر سحرًا، وقد قدم حتى شر شخصية (روبرت) الخالص بشكل ساحر وساخر يؤثر بشدة، ويجعلك تهيم حبًا بجودة كتابة هذه الشخصية. هناك أيضًا أنطونيت دي موبان، وهي شخصية ثلاثية الأبعاد تمامًا، فهي الإنسانة الخيّرة من داخلها ولكن دفعها حب الدوق مايكل إلى أن تتورط في هذه المؤامرة ضد الملك، ثم يدفعها ذات الحب إلى أن تساعد رودولف في محاولاته لإفشال خطة حبيبها؛ كي لا يظفر بالمُلك وبالأميرة فلافيا أيضًا فتفقده هي، ستجد أن شخصيتين ككولونيل سابت وفريتس فون تارلنهايم مرسومتان بشكل بديع فليس لمجرد أنهما مساعدا الملك وجنديان، فإنه يجب أن تتطابق شخصيتاهما، بل ستجد شخصية الكولونيل الذي يكبت مشاعره داخله حتى لا يظهر منه سوى شخصيته العسكرية شديدة الولاء للملك، بينما فريتس رغم كونه جنديا هو الآخر فإنه يتمتع بشخصية رقيقة متعاطفة وإن كان معدن الجندي يظهر وقت الشدة..

الرواية تُقدّم في 400 صفحة من القطع الصغير في نسختها الإنجليزية، بينما قُدّمت ترجمتها العربية من عدة جهات أفضلها في رأيي ترجمة سعيد جودة السحار الصادرة عن مكتبة مصر، فالترجمة متميزة للغاية حتى تكاد تكون عملا إبداعيا في حد ذاتها، وتستخدم لغة عتيقة بعض الشيء (نظرًا لترجمتها منذ عقود قديمة)، ولذلك فهي تحافظ على الطابع الكلاسيكي للرواية دون مساس بما يشوهها، وهذه النسخة المترجمة مقدمة في 183 صفحة من القطع المتوسط.

وقد قدمت هوليود هذه الرواية عدة مرات، فقد قدمتها في السينما الصامتة عام 1913 ثم عام 1922، كما عادت وقدّمتها بالأبيض والأسود عام 1937 وقدّمت نسخة أخرى بالألوان عام 1952، وفي عام 1979 قُدمت الرواية في فيلم جديد ذي طابع كوميدي، كما قامت بريطانيا بتقديم فيلم صامت عن الرواية عام 1915، وقامت بتقديمها في مسلسل 1984.

وكما قلت فإنه لا يمكن الحديث عن سجين زندا دون الحديث عن شقيقتها "روبرت أوف هنتزو"، وكما ترى فإن شخصية روبرت كانت هي الطاغية كشرير للرواية حتى أن الجزء الثاني صدر باسمه، وكان هو الفالين الرئيسي بها، والحقيقة أن كثيرين ربما لا يعلمون أن هذه الرواية هي الجزء الثاني لسجين زندا أو أن لسجين زندا جزءا ثانيا من الأساس، كتب هوب الرواية عام 1895 ولكن لم يتم نشرها إلا عام 1898، وأحداث الرواية تدور بعد ثلاث سنوات من أحداث سجين زندا، وهذه المرة يكون رودولف في خدمة الملكة، بعد أن يهددها روبرت بأن يفضحها بخطاب كتبه لها رودولف، وهكذا تدور الأحداث ثانية ليعود رودولف إلى روريتانيا ثانية -وكما ورد على لسانه في الجزء الأول- فإنه يعود لأعماله الخطيرة وإلى رسم الخطط السياسية بذهن نشيط ولتجريب فهمه ضد فهم أعدائه.

وكما اتسم الجزء الأول بالسرعة والمغامرة والتكثيف، فكذلك الجزء الثاني، وكذلك كانت كافة شخصيات الرواية مرسومة بدقة ومهارة طاغية، ولكن قد لا تبتلع المبدأ الأخلاقي القائم عليه الجزء الثاني تمامًا -وهذا في رأيي ما أضعفه عن الجزء الأول فقط- ولكن ستلوي عنق الحقيقة وربما المنطق لتمرر هذه الجزئية بإرادتك، حتى تغوص في أحداث الرواية لتصل إلى نهايتها الشيقة.

صدرت "روبرت أوف هنتزو" في 385 صفحة من القطع الصغير في نسختها الإنجليزية، وبكل أسف فإن الترجمة العربية لها لم تصدر سوى من جهة واحدة وهي مكتبة الأسرة عام 1998، ولم تعد هناك نسخ متوفرة لها في الأسواق، علماً بأن ترجمة مكتبة الأسرة للأسف شابها بعض الأخطاء كترجمة الأسماء التي لا تترجم في اللغة، وكذلك فقد فقدت الرواية في ترجمتها هذه الطابع الكلاسيكي الذي ميّز ترجمة الجزء الأول كما طالها بعض الاختصار، ولكنها رغم ذلك ما زالت ترجمة جيدة وتستحق القراءة وهي تقع في 279 صفحة من القطع الصغير.

وقد قدمت السينما الأمريكية هذه الرواية في عصر السينما الصامتة عام 1923، كما قدمتها بريطانيا أيضًا كفيلم صامت عام 1916، ثم أعادت تقديمها مرتين كمسلسل في عامي 1957 وعام 1964.

في النهاية فإنك ستحظى بعدة ساعات من المتعة الخالصة والانتقال إلى عالم آخر مليء بالفرسان والمبارزات والقصور والرومانسية الهادئة والمغامرة الفائقة، التي تخلب اللب ولن تندم على قراءتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.