رحل عن مصر عام 1879 إلى الاستانة ومات كمدا فى قصره على البوسفور لم يكن أحد من العارفين بسيرة الخديو إسماعيل يمكنه أن يتوقع النهاية غير المتوقعة لهذا الحاكم الأنيق، المحب لأوروبا، المهتم بالجمال إلى حد الهوس، والذى كان يحلم - من فرط رومانسيته - أن يحول مصر إلى قطعة من أوروبا، فيشاء السميع العليم أن تفارق روحه جسده فى قصره المطل على البوسفور في الأستانة، بعد سنوات من الأبهة والفخامة والنعيم غير المحدود. ظلت كل كبيرة وصغيرة في الحكم رهن إشارة الخديو إسماعيل كأنه يحاكى لويس الرابع عشر حين قال «إنما الدولة أنا» إلى أن تدخل صندوق الدين والرقابة الثنائية ثم الوزارة المختلطة، فتقلصت سلطته بمقدار تدخل الأجانب في شئون الحكومة المالية ثم السياسية، وحين أنشأ مجلسا للنظار عام1878 صار الخديو لا يسيطر على كثير من شئون الدولة. الامتيازات الأجنبية سحبت جزءا كبيرا من سيطرة الخديو إسماعيل ،على الرغم من أنه قام بإعادة بناء الجيش المصرى، واستجاب لمطالب السلطان العثمانى وأرسل جنوده للحرب إلى جانب السلطان في عسير باليمن أو حتى البلقان من قبلهما فى جزيرة «كريت»، وحلم الخديو الشاب أن يحقق حلمه التوسعى فى إفريقيا فاتجه جنوبا بحملات متتالية للسيطرة علي شرق إفريقيا ومنابع النيل حتي الصومال على شاطىء البحر الأحمر. خطط إسماعيل لإقامة دولة حديثة تجعل مصر قطعة من باريس، حفر قناة السويس وأقام احتفالا صاخبا شهده أغلب ملوك أوروبا، وافتتح مشاريع ثقافية وجمالية، فمد خطوط السكك الحديدية لتصل إلى أغلب محافظات مصر، وأنفق ببذخ على المبانى والقصور الفارهة، ووصلت خطوط التلغراف سنة1872 في مصر والسودان وبلغ عدد مكاتب التلغراف فى مصر سنة1872 قرابة 151مكتبا. كل هذا البذخ كان من أموال الدولة، التى صارت بعد سنوات قليلة من حكم إسماعيل دولة مديونة تماما وتسببت المبالغ الباهظة فى وجود عجز هائل في خزانة مصر، مما فتح الباب أمام الاستدانة من الدول الأوروبية، وأعطى فرصة كبيرة لاحتلال مصر. ساعتها فرضت إنجلترا وفرنسا وجود مراقبين ماليين لوزارته وحماية حق الدول الدائنة، وظلت السلطة فى أيدى المراقبين، إلى أن أدت سياستهم إلى تمرد موظفى الحكومة، والذى وصل إلى ذروته عندما قامت الحكومة بتسريح 2500ضابط من الجيش وإحالتهم إلى الاستيداع فقام ستمائة ضابط منهم بقيادة البكباشى لطيف بك سليم بمظاهرة كبيرة، وتوجهوا إلى مقر وزارة نوبار باشا وأخرجوه من الوزارة واعتدوا عليه بالضرب. انضم أعضاء مجلس شورى النواب وأيدوا ثورة الضباط مما دفع الخديو إسماعيل لإقالة الوزارة وإعادة الضباط لوظائفهم وتعيين ابنه الأمير توفيق رئيسا للوزارة.. لكن اشترطت إنجلترا وفرنسا لقبول هذه الوزارة ابتعاد الخديو إسماعيل تماما عن شئون الوزارة وألا يتدخل فى أى عمل من أعمالها.. وأيضا أن يكون لمندوبى الدولتين حق الفيتو على قرارات الوزارة وهو الأمر الذى أدى لاستياء المصريين فثاروا هذه المرة على الوزارة ومطالب إنجلترا وفرنسا. اجتمع نواب مجلس الشورى ورفضوا مطالب إنجلترا وفرنسا وفرضوا على الخديو إسماعيل قبول شريف باشا رئيسا للوزارة وهو الذى كان يترأس مجلس الشورى وقتها.. وذلك لتشكيل حكومة وطنية خالية من الوزراء والمندوبين الأوروبيين.. ووضع أول دستور مصرى ينظم العلاقة بين الخديو والوزارة ومجلس الشورى والشعب.. ولكن الدول الأوروبية لم تقبل بهذا وانقلبت الأحداث رأسا على عقب بحجة حماية الدائنين وأموال الأوروبيين.. ووجهت إنذارا لوزارة شريف باشا وسعت إنجلترا بكل نفوذها فى الأستانة حتى استطاعت الحصول على قرار يقضى بعزل الخديو إسماعيل وتولية ابنه توفيق مكانه على العرش. كان ذلك فى 26يونيه1879 ورحل إسماعيل عن مصر بعدها بأربعة أيام على متن الباخرة المحروسة قاصدا إيطاليا ومنها إلى الأستانة.. حيث حاول بشتى الطرق العودة إلى مصر ولكن كل محاولاته باءت بالفشل.. وكما مات جده محمد على كمدا وهو يرى إمبراطوريته تضيع مات أيضا إسماعيل كمدا بعد فشله فى محاولاته للعودة إلى العرش الذى ظل يحلم به حتى وافته منيته في 2مارس1895 فى قصره على البوسفور فى الأستانة..وعاد جثمانه إلى مصر وتم دفنه فى مسجد الرفاعى. المراجع : أمراء أسرة محمد على