حكم إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد على مصر فى الفترة من يناير 1863 إلى يونيو 1879، وهو الخامس من أفراد الأسرة العلوية الذين تولوا حكم مصر، وقد تولى الحكم وقد بلغ من العمر 32 عاما، فهو من مواليد 31 ديسمبر 1830، وكان من تلاميذ البعثات التى أوفدها جده محمد على إلى باريس، ويعد عصره من أهم عصور التحول فى تاريخ مصر فى القرن التاسع عشر، كان الرجل صاحب مشروع لتحديث مصر على النمط الأوروبى، ولجأ للتوسع فى الاستدانة لتحقيق مشروعاته، فأوقع مصر فى قبضة القوى الاستعمارية الأوروبية التى سعت إلى عزله فى النهاية، كان فى ذات الوقت متمسكا بالسلطات الاستبدادية للحاكم، الأمر الذى أدى إلى تكرار الصدام بينه وبين الحركة الوطنية الصاعدة فى تلك الفترة، لكن عصره شهد ظهور النظام النيابى والنظام الوزارى كما شهد ظهور الأحزاب السياسية فى مصر لأول مرة. ويلخص المؤرخ عبدالرحمن الرافعى عصره فى كلمات موجزة، فيقول: يمثل من ناحية عهد تقدم وعمران، ويعد من ناحية أخرى عهد القروض المشئومة والأغلاط المتلاحقة التى عصفت بالبلاد». لقد سعى إسماعيل منذ توليه باشاوية مصر إلى الحصول على وضع مميز للولاية، فحصل على عدة فرمانات من السلطنة العثمانية منحته سلطات أكبر فى إدارة أمور البلاد. ونجحت الحركة الوطنية فى انتزاع نظام نيابى ولائحة وطنية، أو دستور لإدارة البلاد، وكانت سنوات السبعينيات من القرن التاسع عشر مرحلة صراع بين الحركة الوطنية والخديو، كما كانت سنوات للدفاع عن البلاد فى مواجهة التدخل الأوروبى فى شئون البلاد، التدخل الذى فتحت قروض الخديو الباب أمامه، كما كانت سنوات من الضغط المستمر من القوى الاستعمارية الأوروبية على الخديو إسماعيل.
وعندما اتجه الخديو إسماعيل إلى استخدام الحركة الوطنية الصاعدة فى مواجهة التدخل فى شئون مصر المالية والسياسية، قررت الدول الأوروبية عزله عن خديوية مصر.
كانت الدول الأوروبية قد فرضت على إسماعيل نظاما للرقابة الثنائية الأنجلو فرنسية على اقتصاد البلاد، ثم حل محل هذا النظام تعيين وزيرين أوروبيين فى الحكومة المصرية لمراقبة الموارد والمصروفات والسيطرة عليها.
وعندما استجاب الخديو إسماعيل فى أبريل سنة 1879 إلى اللائحة الوطنية التى وضعها ممثلو الأمة، فيما يتعلق بتسوية الديون وتشكيل حكومة وطنية مسئولة أمام المجلس النيابى، وأصدر الخديو مرسوما بتسوية الدين معلنا فى ديباجته أنه أصدره بناء على ما عرضته الأمة، وكلف شريف باشا بتشكيل حكومة وطنية استبعد منها الوزيرين الأوروبيين مع استعداده لإعادة الرقابة الثنائية، عندها أحست القوى الاستعمارية الأوروبية بخطورة النهضة الوطنية، ومخاطر تحالف الخديو مع الحركة الوطنية أو رضوخه لها، قررت الدول الأوروبية أن تتحالف من أجل خلع الخديو إسماعيل.
وخلال شهرى مايو ويونيو توالى تقديم قناصل الدول الأوروبية فى مصر لاحتجاجهم الرسمى على قرارات إسماعيل والحكومة الوطنية، وفى نفس الوقت سعت إنجلتراوفرنسا لدى الأستانة لعزل إسماعيل عن حكم مصر، الأمر الذى لقى هوى لدى السلطان العثمانى ظنا منه أن فى ذلك استعادة لسلطته المفقودة على مصر.
وفى 24 يونيو وردت الأخبار من اسطنبول باتجاه السلطان لعزل إسماعيل فذهب إليه بعد منتصف الليل قناصل فرنساوإنجلترا وألمانيا يناشدونه التنازل عن العرش لكنه رفض، وبعد يومين، فى 26 يونيو 1879، صدر قرار عزل إسماعيل وتعيين ابنه توفيق خديو لمصر، وقد حمل شريف باشا البرقية التى جاءت من اسطنبول إلى الخديو إسماعيل، فطلب منه استدعاء ابنه توفيق، وبمجرد دخوله عليه خاطبه بلقب أفندينا، وأبلغه بالقرار، وفى مساء نفس اليوم أقيمت حفلة تنصيب توفيق ثانى خديوى لمصر، وسادس حاكم من أسرة محمد على.
أما إسماعيل فقد اختار إيطاليا منفى يقضى فيه بقية عمره، وغادر الخديو المخلوع سراى عابدين فى موكب رسمى إلى محطة مصر يصحبه ابنه الخديو الجديد، وهناك استقل القطار إلى الإسكندرية، حيث غادرها إلى نابولى فى اليخت المحروسة.
وظل إسماعيل يسعى للعودة إلى عرش مصر مرة أخرى دون جدوى وتنقل بين مدن أوروبا إلى أن استقر فى اسطنبول عام 1888، وتوفى يوم 2 مارس سنة 1895، ونقل جثمانه إلى مصر ليدفن بمسجد الرفاعى بالقاهرة.