في ديسمبر 1875 قرر الخديو إسماعيل تكليف مجموعة من الموظفين والكتبة بإعادة كتابة السجلات المالية بالطريقة التي يريدها. بحيث تبدو متضخمة عكس الحقيقة. وذلك لتقديمها لمستر استيفان الذي أوفدته الحكومة البريطانية للتحقيق في أحوال البلاد المالية.. ولكن فرنسا رأت أن من حقها الاشتراك في التحقيق الذي يجريه استيفان.. وحدث خلاف.. انتهي إلي أن المحاكم أصدرت أحكاماً ضد الخديو لأداء بعض الديون التي حل موعد دفعها.. وسرعان ما اتفقت الحكومتان الفرنسية والإنجليزية وتم إرسال لجنة واحدة تمثل الدائنين.. ومن خلالها تم إنشاء صندوق الدين الذي خصصت له موارد مالية. تدفع إليه مباشرة لخدمة الديون.. ورفض اللجنة التعامل مع وزير مالية الخديو إسماعيل. حيث اكتشفت التزوير في الحسابات. وفي مارس 1878 تقرر تشكيل لجنة للتحقيق في أحوال مصر المالية بعد أن ثبت أن هناك تغيرات مغالي فيها للإيرادات.. وانتهت اللجنة إلي أن الموارد الحقيقية لا تكفي لسداد الديون.. وبناء علي ذلك كان من الضروري أن يتنازل الخديو عن أراضيه وأملاكه للحكومة.. فقد قام بالاستيلاء علي أطيان كثيرة في كل ناحية.. وقد أنفق معظم القروض علي توسيع دائرة أملاكه وأطيانه. واشتري مقراً علي ضفاف البوسفور في تركيا ليتخذه مقراً عندما ينزل الأستانة "تركيا" ولم يكن لولاة مصر قبل ذلك أي قصور خاصة هناك. وذكر علي باشا مبارك أن الخديو إسماعيل بني قصوراً كثيرة فخمة قد تصل إلي 30 قصراً. تحتاج لوصفها. وما اشتملت عليه من الزينة والزخرفة والمفروشات وبساتينها وغيرها لمجلدات وليس صفحات. بعض هذه القصور التي يبنيها يهبها إلي أحد أنجاله أو أحد حاشيته. اكتشفت لجنة التحقيق أن إحدي الأميرات من بيت الخديو إسماعيل بلغ المطلوب منها لترزي فرنسي 150 ألف جنيه!!.. بالإضافة إلي المضاربات في البورصات العالمية وإلي سداد الديون بسندات ذات فوائد عالية مما يؤدي إلي مضاعفة الدين!! المهم أن اللجنة الأوروبية قدمت تقريراً تطلب فيه من الخديو أن يتنازل عن أملاكه إلي الحكومة وأن يتنازل أيضاً عن سلطاته المطلقة لمجلس الوزراء. ويقول نوبار باشا إن الخديو استدعاه من باريس ليرأس مجلس الوزراء المصري وليجد له حلاً في هذه المشكلة.. وشكل نوبار الوزارة وبها وزير مالية إنجليزي ووزير أشغال فرنسي. وقال نوبار للخديو: يجب علي سموكم التنازل عن كل ممتلكاتكم. وإن لم تفعل ذلك فإنك ستفقد مصر.. ولكن الخديو رفض.. وعاد نوبار باشا يقول: لسموكم حرية التصرف والتنازل عن الأرض لا يكفي.. إذ لابد من تقديم ضمانات لأوروبا بتحسين الإدارة.. ومع تضييق الخناق علي الخديو وتهديده وإرهابه وافق في النهاية علي التنازل عن كل أراضيه للدولة علي أن تخصص الحكومة مبلغاً سنوياً قدره نصف مليون جنيه له ولأسرته. وقام وزير المالية الإنجليزي بالتوجه إلي أوروبا للحصول علي قرض جديد بضمان الأطيان التي تم التنازل عنها والتي كانت تدر عائداً سنوياً قدره نصف مليون جنيه تقريباً. وهكذا تنازل الخديو إسماعيل عن كل أملاكه لصالح الدولة. .. وهذه مصيبة مصر.. أن أموالها دائماً منهوبة في كل عصر!! وبعد ثورة 25 يناير اكتشف المصريون أن أموالهم نهبت وتم تهريبها إلي الخارج.. وكان التهريب يتم بوضع الأموال السائلة في حقائب وترسل بالطائرات أو من خلال البنوك الأجنبية.. واضطرت الثورة إلي القبض علي رجال الأعمال الفاسدين والمسئولين أيضاً الفاسدين الذين تضخمت ثرواتهم.. ورفضوا التنازل عنها.. وبعد التحقيقات عرض بعضهم التنازل عن أمواله في مقابل الإعفاء من العقوبة.. ومازال البحث جارياً حول الأسلوب الأمثل للتنازل عن أموال الشعب المنهوبة وعلاقة ذلك بالمحاكم!! المهم أن الخديو إسماعيل تنازل عن أملاكه.. وأيضاً تنازل عن العرش!!