"الشناوي قد يلحق بمباراة الاتحاد".. يلا كورة يكشف حالة المصابين في الأهلي    الجمعة العظيمة: محاكمة وصلب المسيح وختام أسبوع الآلام    وكيل أوقاف الشرقية في خطبة الجمعة: الأوطان تبنى بيد الشرفاء والمخلصين    إعلان الفائزين بالمؤتمر السنوي العلمي الرابع للدراسات العليا بهندسة القناة (صور)    جولد بيليون: البنوك المركزية العالمية تشتري 16 طن ذهب خلال مارس2024.. تفاصيل    الكرتونة ب 80 جنيها، مبادرة جديدة في الشرقية لتخفيض أسعار البيض (فيديو وصور)    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    القصير يبحث آفاق التعاون المصري القطري في الزراعة والأمن الغذائي    الشرقية تسترد 7 أفدنة و2317 مترًا من أملاك الدولة والزراعات    نائب وزير التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعلن اعتراض طائرة مسيرة أطلقت من لبنان    30 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    السفيرة مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    ضبط 299 قضية مخدرات وتنفيذ 63 ألف حكم قضائى خلال 24 ساعة    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    الثانوية العامة 2024| مواصفات أسئلة الامتحانات    مركز السينما العربية ينظم 5 فعاليات مهمة في مهرجان كان    تعرف على إيرادات فيلم السرب في السينمات خلال 24 ساعة    شاهد.. جدار تعريفى بالمحطات الرئيسة للحج بمعرض أبو ظبى للكتاب    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    فريدة سيف النصر تكشف سبب تسمية سمير غانم لها ب "فريدة سيف الرقص"    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    صور الأمانة في المجتمع المسلم.. خطيب الأوقاف يكشفها    ماذا قدمت الصحة المصرية للمصابين الفلسطينيين؟.. علاج 13 ألف من أشقائنا في غزة بالمستشفيات المصرية.. وتقديم 11 ألف جلسة دعم نفسي    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    الصحة: تقديم 10 آلاف و628 جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية الحرب    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    فرص عمل في 55 شركة.. شروط شغل الوظائف في القطاع الخاص براتب 6000 جنيه    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 3-5- 2024 بعد انخفاض الكيلو في بورصة الدواجن    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العائلة البطرسية : سيرة عائلة قبطية غيرت تاريخ مصر

هناك العديد من «العائلات» التى شاركت فى تشكيل تاريخ الدولة المصرية، وتستحق الرصد باعتبارها نموذجا إنسانيا خاصا استطاع طيلة قرون كثيرة أن يؤثر فى الواقع المصرى، فى كل الساحات السياسية والاقتصادية والفنية وحتى الدينية بالإيجاب أحيانًا، والسلب أحيانا، قائمة هذه النوعية من العائلات ليست بقصيرة كما يتصور البعض، ومنها «العائلة البطرسية» والتى تمتد شهرتها من النصف الثانى من القرن التاسع عشر إلى الآن.
الاسم الأشهر بين شجرة هذه العائلة الممتدة هو «بطرس باشا غالى»، الذى يعد واحداً من أشهر رؤساء وزراء مصر على مر التاريخ وأكثرهم جدلا، لكن لا أحد يعرف والده الذى كشفت عنه أحدث إصدارات دوريات العائلات التى تصدرها مكتبة الإسكندرية، وهذه المرة تحمل عنوان «العائلة البطرسية.. سيرة عائلة قبطية».. وهو «غالى بك نيروز» الموظف فى دائرة الأمير مصطفى فاضل، وكان قد ولد «بطرس غالى» فى بلدة «الميمون» ببنى يوسف فى 12 مايو 1846.
فى السادسة التحق بطرس بأحد كتاتيب القرية، وبعدها ذهب إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة «حارة السقايين» وتلقى فيها مبادئ اللغات «العربية والفرنسية والقبطية» وتعلم أيضا الفارسية والتركية فى مدرسة الأمير مصطفى فاضل، وكان لا يمل بطرس من التعلم حتى حذره زملاؤه ووالده من تأثير ذلك على صحته، لكنه تعلم الإنجليزية والإيطالية أيضا.
بدأ بطرس أفندى غالى حياته العملية كمدرس فى أول مدرسة التحق بها براتب 700 قرش، ثم عمل فى مجلس التجارة بالإسكندرية وظل يترقى حتى صار رئيسا لكتاب المجلس، ويتعرف على ناظر الداخلية «محمد شريف باشا» الذى أعجب بمعرفته باللغات وعينه رئيسا لكتاب نظارة الحقانية، ومن بعده تعرف بطرس أفندى على «نوبار باشا» رئيس النظار وقتها ومنح رتبة البكوية تقديرا له على دوره كعضو فى لجنة توصية الديون أيام الأزمة المالية فى عهد الخديوى إسماعيل، وتوقع له المندوب الإنجليزى فى اللجنة أن يكون ناظرا للمالية يوما ما!
وشارك بطرس بك وبعدها بفترة باشا فى عضوية العديد من هذه اللجان الضريبية والمالية، أهمها برئاسة نوبار باشا وعضوية قناصل الدول فى مصر لتعديل قوانين الموظفين الملكيين، وكان بطرس من الشاهدين على أحداث الثورة العرابية بعد أن كان من الرافضين لعزل أحمد باشا عرابى من قيادة الجيش، وأقنع عرابى بطلب الاستعطاف من الخديو محمد توفيق عقب هزيمته فى معركة التل الكبير الشهيرة، وكانا على علاقة ودية حتى إن عرابى تدخل لدى الخديو ليحصل بطرس على الباشاوية.
وانفردت هذه الموسوعة الخاصة جدا بنشر التفاصيل المهمة فى تحقيقات أحداث الثورة العرابية بالوثائق على عدة صفحات، فيما ظل بطرس باشا وكيلا لنظارة الحقانية حتى رقى ناظرا للمالية فى نظارة حسن باشا الأولى، وما لبث أن تطورت الأحداث بسرعة حتى هدد اللورد كرومر بالتصعيد وجرت مفاوضات بين ممثلى الخديو عباس حلمى الثانى و«بطرس باشا» وكرومر وفى نهايتها تم التوصل إلى حل الأزمة مع حل نظارة مصطفى فهمى باشا ونظارة حسين باشا، وتعيين مصطفى باشا رياض رئيسا للنظار، واختير بطرس باشا للمرة الثانية ناظرا للمالية، لكنه واجه صعوبات جمة منذ البداية لعدم رضاء الخديو عنها وفتور السلطات الإنجليزية تجاهها، وانتهى الأمر باستقالة جديدة بعد ثلاثة شهور.
وفى نظارة نوبار باشا التالية اختير بطرس باشا ناظرا للخارجية ولم تلبث هى الأخرى فى الحكم طويلا وقدمت استقالتها بعد 7 شهور لمرض نوبار باشا وعدم ارتياح الخديو لها لرفضها رغبة عودة الخديو إسماعيل لمصر فى أيامه الأخيرة، وعاد مصطفى باشا رياض لرئاسة النظارة واستمر بطرس باشا فى موقعه، وكانت هذه النظارة الأطول فى هذه الفترة حيث استمرت 13 عاما.
وتمكن بطرس باشا فى لعب أدوار مهمة طوال تلك الفترة أشارت إليها الموسوعة بالتفصيل وبالوثائق، ومنها التوقيع من الجانب المصرى على اتفاقية 1899 التى حددت وضع السيادة فى السودان، وكان وضع مصر شكليا، فى الحكم الثنائى لمصر وإنجلترا فى السودان، لكن لولا التواجد المصرى هناك لانفردت إنجلترا بالسودان وقضت على ثقافتها العربية والإسلامية، ورد بطرس غالى على الانتقادات التى وجهت لتوقيعه على الاتفاقية بأن الأقاليم السودانية تمثل ينبوع الحياة لمصر وكلف وادى النيل مصر تضحيات جسيمة، فكان من الضرورى أن تعترف إنجلترا بالحق المصرى وتعادلها الأقاليم التى كانت تحتلها أيام ثورة محمد أحمد، ووصف المؤرخون توقيع مصر بالإذعان لأن الخديو أجبر عليه!
ويشهد التاريخ بموقف بطرس باشا الذى رفض طلب إنجلترا أو القائد الصهيونى «تيودور هيرتزل» فى 1902 بإنشاء شركة فى سيناء تقوم باستيطان اليهود هناك، لكن طالبت الحركة الصهيونية من إنجلترا الضغط على الحكومة المصرية للموافقة على المشروع، ومارس كرومر كل الطرق لذلك إلا أن الحكومة المصرية جددت رفضها بصفة قاطعة ونهائية، وبعدها بدأ اليهود والإنجليز البحث عن مكائد آخر للتخلص من اللاجئين اليهود الذين تسببوا فى أزمة اقتصادية كبيرة للعمال البريطانيين بتقاضيهم أجورا أقل منهم.
ولعب بطرس باشا دورا كبيرا فى انهاء الأزمات الحدودية بين مصر والدولة العثمانية فى الحدود الغربية والشرقية بإثبات مصرية طابا فى أكتوبر ,1906 لكن من النقاط السوداء فى تاريخ بطرس باشا دوره فى محاكمة دنشواى عندما كان ناظر الحقانية بالنيابة، وأخذت عليه رئاسته للمحكمة التى كانت قد جهزت للإعدام حتى قبل الحكم بإرسال المشانق لهناك قبلها بأيام، وتحاول الموسوعة بشكل غير محايد الدفاع عن بطرس باشا وكأنها لا تؤرخ لأحداث، بل تدافع عن رب عائلة مصرية تاريخية، وبعد ذلك بوقت قليل وصل بطرس باشا لرئاسة النظار، وأصبح أول مصرى يشغل هذا المنصب، واستمر أيضا كناظر للخارجية، وفى تلك الفترة تفاعل بطرس مع القوى الوطنية وأصدر قانونا بعلانية جلسات مجلس الشورى، وتوسيع اختصاصاته، ورغم أنه قبطى منح قانون بإجازة يوم رأس السنة الهجرية، لكنه أثار قوى الحريات بقانون المطبوعات بعد حملات الصحف ضده والذى عرف «بقانون إسكات الصحف» رغم أن الموسوعة دافعت عن «بطرس غالى» وقالت إنه اضطر لذلك وأجبره عليها الخديو، لكنه لم يستطع أن يدافع عنه فى مد الامتياز لشركة قناة السويس لأنه كان من مؤيدى المشروع، رغم اعتراض الكثيرين، خاصة قيادات الحزب الوطنى ومنهم محمد بك فريد رئيسه، وكان يبرر ذلك بحاجة الحكومة المصرية للأموال، ولكنه أحال المشروع للجمعية العمومية وقتها بعد الضغوط السياسية عليه.
وكان لبطرس باشا موقف خاص فى التعامل مع الكنيسة، حيث كان يرمى إلى تقليص نفوذ البطريرك لصالح المجالس الملية مقابل الاتجاه المضاد للبطريرك كيرلس الخامس، وأدى الصراع بين الاتجاهين إلى استصدار قرار بإبعاد البطريرك وتجريده من سلطاته لمدة زادت عن العام فى سبتمبر ,1892 وكان قد نجح بطرس بك فى المجلس الملى الأول فى 2 فبراير ,1874 وقاوموه باعتبارها مؤسسة مدنية، واستمر الصراخ لأكثر من عقدين، وتصاعدت هذه الأزمة ورفع الخديو يده عنها لصالح بطرس باشا ضد البطريرك الذى لجأ لمخاطبة قناصل الدول الغربية لاسترضاء الخديو، غير أن الجميع أكد أنه شأن داخلى، وتم إبعاد البطريرك بطلب من أعضاء المجلس الملى للخديو، وانتهت الأزمة لصالح بطرس باشا.
وكان لبطرس باشا نفوذه الكنسى خارج مصر أيضا ووصل حتى الحبشة، فكان يختار البطاركة المرسلين لأديس أبابا، وفى المقابل كان واسع الاطلاع على الشريعة الإسلامية، ويشهد له أئمته بالتبحر فيها، ولم يكن متعصبا لأبناء طائفته، وكان أول من ذهب إلى الشيخ «سليم البشرى» إثر إقالة الخديو له من مشيخة الأزهر وفتح الطريق للأقباط فى مجالات شتى لم يطرقوها قبله!
وفى السياق الإنسانى تزوج بطرس غالى من السيدة صفا خليل أبوالعز والتى يقال إنها ابنة خالته، وأنجب منها 3 أولاد وبنتا واحدة، وهم نجيب وواصف وراغب وجليلة.
كما كانت حياته مثيرة بالمواقف الإيجابية والسلبية، وكانت نهايتها مثيرة أيضا عندما اغتاله الشاب «إبراهيم ناصف الوردانى» بإطلاق الرصاص عليه وهو خارج من ديوان الخارجية، وتوفى فى مستشفى الدكتور ملتون بعدما فشلت كل محاولات إنقاذه من الدكتور سعد الخادم، وقال الوردانى فى التحقيقات التى قتل بطرس باشا فى 20 فبراير 1910 لأنه ترأس محكمة دنشواى وأعاد قانون المطبوعات وكان له دور فى مد امتياز قناة السويس، وزار الخديو عباس حلمى الثانى بطرس الجريح فى المستشفى وقبله فى وجهه والدموع تملأ عينيه، فشب قليلا وقال له «العفو يا أفندينا.. متشكر»!.. وكانت المرة الأولى التى يزور الخديو بيوت أحد المصريين من خلال تقديم واجب العزاء فيه، وقال عنه شيخ الأزهر وقتها أن ذلك المسيحى عمل من الخير للمسلمين ما لم يقدر على عمله كثير منهم!
وتنسب إلى بطرس باشا كلمات أخرى مثل مواقفه منها أنه رضى باتفاقية السودان رغم أنفه، وحادث دنشواى لا هى معه ولا هى ضده، وأما عن قانون المطبوعات فهو من اختصاص نظارة الداخلية، إلا أن هذه التبريرات لم تفلح فى طمس الخلفيات التاريخية التى تركها بطرس باشا فى حياته رغم إنجازاته الخاصة جدا.
وثانى أشهر فرد فى «العائلة البطرسية» هو نجيب أفندى غالى الابن الأكبر لبطرس غالى الذى درس الحقوق فى فرنسا، وعين بعد عودته فى وظيفة مساعد نائب فى المحاكم المختلطة، ونقل لنظارة الخارجية وما لبث أن عين سكرتيرا للنظارة، وعلى إثر مقتل بطرس باشا رأى الخديو عباس حلمى الثانى مواساة العائلة أن يرقى نجيب لمنصب وكيل النظارة، واستمر على ذلك طيلة عشر سنوات، حتى استقال بدوره مع وزارة حسين باشا رشدى فى إطار أزمته مع الحكومة البريطانية التى رفضت رفع الحماية البريطانية، ولهذا لم يتردد عدلى باشا يكن فى ضم نجيب لأول وزارة يترأسها واستقال مرة أخرى بعد 6 شهور مع الوزارة، وانصرف لإدارة أملاكه التى ورثها من والده.
وتزوج نجيب فى 1907 من «أنا كيفورلا» وهى من أسرة أرمينية ورزق ولدين هما «ميريت وجفرى»، وكانت «أنا غالى» من رائدات الخير وأسست جمعية القبطيات، وخصص نجيب ضمن أنشطته الخيرية جزءا غير قليل من وصيته للمنشآت القبطية والبطرسية!
أما شقيقه الأصغر «واصف» فرافقه فى الدراسة بفرنسا، وكان له موقف مهم حينما رفض الدعاوى لإقامة مؤتمر قبطى فى أعقاب اغتيال والده، بعدما اعتبره للفتنة الطائفية وشكر الذى كتب عن الوئام بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، ورشح لعضوية الوفد المصرى برئاسة سعد باشا زغلول الذى سافر لباريس لعرض القضية المصرية، والتفاهم هناك حيث كان يقيم منذ الحرب العالمية الأولى، وأن قرار سعد بقطع مفاوضاته مع اللورد «ملنر» عقب رفضه مشروع سعد حول استقلال البلاد، وسانده فى منفاه، وقاطع السلطات الإنجليزية بالمقاومة السلبية، حتى اعتقل أعضاء الوفد ومنهم واصف الذى سجن فى ثكنات قصر النيل وصدر ضده حكم بالإعدام وخفف لسبع سنوات وغرامة 5 آلاف جنيه، ثم أفرج عن المعتقلين مع تزايد السخط الشعبى.
وكانت تذهب زوجته يوميا له فى السجن، واستمرت التطورات التاريخية حتى فاز كل أعضاء الوفد المصرى بعضوية أول مجلس نيابى مصرى، وشكل سعد زغلول الوزارة وضمت واصف كوزير للخارجية، واستمر ذلك فى 5 وزارات وفدية متتالية، وكانت من أبرز الأزمات التى تعرض لها واصف اغتيال السير لى ستاك سيردار الجيش المصرى وحاكم السودان العام، والتى تصاعدت توتراتها حتى وصلت إلى التهديدات الإنجليزية العنيفة التى رفضتها الحكومة المصرية حتى استقالت، وحاول واصف التدخل لدى الحكومة الإيطالية التى احتلت وقتها الحبشة لحل أزمة مياه النيل فتجاوب معه الإيطاليون.
ودخل مع الإنجليز فى مفاوضات «هندرسن» وتوصلوا لاتفاق لإنهاء الاحتلال عسكريا والدخول فى عضوية عصبة الأمم، وشارك فى وفد التسوية التى انتهت بوضع مشروع المعاهدة التى وقعت فى لندن، والتى عرفت باتفاقية ,36 وتصف الموسوعة التى أصدرتها مكتبة الإسكندرية واصف بأنه أول مصرى ارتفع صوته رسميا بالدفاع عن فلسطين فى عصبة الأمم خلال ترؤسه للوفد المصرى فى الدورة الأولى للعصبة، رافضا التقسيم ووعد بلفور ودعا إنجلترا الإعلان عن استقلال فلسطين.
وفاجأ (واصف) الكثيرين من متابعيه باعتزال السياسة، ثم العودة الخافتة بعضوية مجلس الشيوخ عن الوفد، والتى انتهت بالاستقالة بعد حريق القاهرة، واعتذر عن نظارة الخارجية فى حكومة (على باشا ماهر) بعدها، بقوله إن البلاد أصبحت مريضة بدرجة كافية وعلاجها ليس عند عجوز «مثلى»، واستقال أيضا من عضوية مجلس إدارة قناة السويس قبل شهر من تأميمها، فيما وصف باستراحة المحارب.
أما الابن الرابع والأخير لبطرس باشا غالى ، فهو (راغب) الأقل شهرة بينهم، لأنه لم يدخل عالم السياسة، تأثرا بحادث اغتيال والده، واعتزل الناس واهتم بمراعاة الأملاك ونماها حتى أصبح من كبار ملاك الأراضى الزراعية، وكان مشهورا بيوسف وتزوج من (صوفى شاروبيم) ابنة المؤرخ (ميخائيل بل شاروبيم)، وعوضه القدر بابنه الأكبر المعروف باسم (بطرس يوسف بطرس غالى)، والذى تولى منصب وزارة الدولة للشئون الخارجية، وأصبح الأمين العام للأمم المتحدة.
أما عن الجيل الثانى من الأبناء فكان أبرزهم (ميرت) نجيب بطرس غالى، والذى درس الحقوق فى فرنسا وترقى حتى وصل إلى منصب وزير الشئون البلدية والقروية فى وزارة (أحمد نجيب باشا الهلالى) الثانية، حتى يوليو ,52 واهتم بالدراسات الأثرية حتى أصبح عضو المجلس الأعلى للآثار، ورأس جمعية الآثار القبطية، وكان ل(ميرت) دور مهم فى اللجنة المصرية التى قدمت المساعدات للأثيوبيين خلال الحرب الإيطالية الحبشية ,1935 واستمرت فعاليتها بعد الحرب فى مواجهة الجفاف الذى ضرب الحبشة فى ,74 وكان له دور مهم فى تهدئة التوترات التى شابت العلاقات بين الكنيسة الحبشية والمصرية، خاصة فى الحرب بين الصومال وأثيوبيا، حيث كان يساند نظام السادات الصومال ضد الثورة الاشتراكية فى أثيوبيا، وكان من أهم المشاكل أن أساقفة الكنيسة فى الحبشة لا يهتمون بتعلم اللغة الأمهرية للتواصل مع الأثيوبيين، فلبى الوفد المصرى المطالب الأثيوبية مع بعض الاشتراطات المصرية منها الرسامة.
وكانت لتفاعلات (ميرت) فى هذا الملف انعكاسات على أزمتنا المالية مع دول المنابع فى حوض النيل، حيث كانت تتعامل مصر مع أثيوبيا برؤية الشقيقة الصغرى، وطلب الأثيوبيون المعاونة المصرية فى كل شىء منها مصانع الغزل والأسمنت والدخان والأدوية والسيارات والبنوك، وكان له دور مهم فى أزمة (دير السلطان) الذى أثير أن العلم الذى يرفرف عليه علم مصر الدولة الإسلامية وأن الأقباط ليس لهم عليم، ووصل تفاعل ميرت مع القضية الأثيوبية حتى إنه أرسل مساعدات مالية من جيبه الخاص لولى العهد الإمبراطور الذى تم إبعاده عن الثورة !
وكان الرحالة (جيفرى نجيب غالى) واحدا من الأفراد المميزين فى العائلة البطرسية، بنشاطه الرحال والسياسى معا، وبدأ بمساعدة أبناء الحبشة فى مآسيهم، ودخل البرلمان كعضو وفدى فى مجلس النواب عام ,45 لكنه توفى عن عمر صغير عكس ما يميز أبناء العائلة وعمره 48 عاما !.
ومن أشهر أفراد هذه العائلة فى الفترة الحالية، (بطرس يوسف بطرس غالى) الذى ولد فى القاهرة فى 14 نوفمبر عام ,22 وتقول عنه الموسوعة إنه لعب دورا سياسيا بارزا فى تاريخ مصر خلال النصف الثانى من القرن العشرين، خاصة فى ملفات السياسة الخارجية وقال عن نفسه بعد اختياره كوزير دولة للشئون الخارجية:
عدت إلى بيتى خائفا على نفسى وزاد سخطى عندما وجدت أصدقاء فى انتظارى ويسألوننى عما إذا كنت قد استجبت لإغراءات السلطة، وأجبت بأنني حاولت الاعتذار ولكنى لم أنجح، وكان ردهم: هذا ما يقولونه جميعا، ووجد غالى نفسه مضطرا لتحمل المسئولية فى تلك المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، فى مرحلة السبعينيات، وكان رافضا لكل تبريرات زيارة السادات للقدس، وطلب نائب الرئيس وقتها محمد حسنى مبارك من بطرس أن يكتب مسودة لخطاب السادات فى الكنيست، متضمنا أن مصر لن تتنازل عن شبر واحد من أراضيها أو الأراضى العربية، وأعده بطرس بمساعدة زميله مجدى وهبة أستاذ اللغة الإنجليزية بكلية الآداب لعدم تمكنه من الإنجليزية، وما لبث أن انتهى إلا وتم تبليغه باستقالة وزير الخارجية إسماعيل فهمى وأنه أصبح القائم بأعمال وزير الخارجية وسينضم بهذه الصفة للوفد الزائر للقدس.
وهناك احتك بموشيه ديان نظيره الإسرائيلى، فعندما أكد له على أهمية السلام قال له إنه ليس على مصر أن تتفاوض باسم العرب، بينما ارتاح إلى وزير الدفاع عيذرا وايز مان الذى كان يبدو أنه يريد السلام، ولاحظ الإسرائيليون أن السادات كان يناديه بطرس وبيتر. والأخير عندما يكون راضيا عنه، وبعد العودة كلفه السادات بالإعداد لمؤتمر مينا هاوس الشهير رغم صعوبة بل استحالة ذلك فى هذا الوقت القصير، وقام أسامة الباز بإعداد دعوة الحضور، وتوالت الاعتذارات عدا إسرائيل وأمريكا، ورد السادات بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الرافضة، وكانت مفاجأة لبطرس وعانى الوزير من التساؤلات حول المؤتمر فى اجتماع خاص للجنة الأمن القومى بمجلس الشعب وقرارات السادات المتسارعة بإغلاق سفارات الدول الشيوعية، وكان على بطرس تفسير ما لا يعلمه.
ووصفت الموسوعة تعيين «محمد إبراهيم كامل» صديق السادات كوزير للخارجية بالصدمة لا الاستفزاز فقط لأنه أصغر منه سنا وأقل خبرة، وشعر بطرس بالاكتئاب بعد إصرار السادات على إصدار إعلان عن مفاوضات الإسماعيلية رغم انتهائها بلا شىء، ورفض السادات أن يفشل فى عيون الآخرين كما يرى بطرس وكان مصرا على التأكيد للجميع أنه المحق الوحيد، لكنه دائما ما كان يساوم مناحم بيجن «بوجباته الخارجية» كامل وبطرس حسب التوصيف الإسرائيلى الذى أشارت له الموسوعة، وكان قد سخر بيجن من كامل وهدأه بطرس خلال اجتماعات اللجنة السياسية بالقدس المحتلة، وعندما علم السادات طلب من الوفد المصرى الانسحاب.
وظهرت عصبية كامل أكثر فى أكواخ «كامب ديفيد» حيث كانت المفاوضات المباشرة برعاية أمريكية وبدا محبطا ودخل فى مواجهات مع السادات، ورفض الجلوس مع الإسرائيليين وحاول بطرس أن يعيده خاصة أن السادات كان يتجاوز عن عصبيته لأنه صديقه، ولكن كامل فضل الاعتزال لأنه لاحظ أن السادات يتعامل مع القضية على أنها شخصية، وبقى السادات فى المفاوضات لأجل خاطر كارتر الذى أكد له أن الأمريكيين لن يعيدوا انتخابه لو فشل، ولم يفلح بطرس فى إقناع كامل بالعدول عن الاستقالة، وعندما عاد للقاهرة طلبت زوجة بطرس منه الاستقالة بعدما نفذ ما أراد وتوصلوا إلى معاهدة كامب ديفيد!.. لكنه رفض وقال لها إن المعركة لتوها، وناقش مع السادات تفاصيل العرض المصرى الذى أعده الخبراء.
وكشفت الموسوعة عن أن «بطرس غالى» رفض المطالب الإسرائيلية ببيع جزء من البترول السيناوى لها، مؤكدًا أن مصر تستهلك كل إنتاجها، وكان من أكثر النقاط إثارة هى المادة السادسة فى المعاهدة التى أعطت أسبقية لمعاهدة السلام مع إسرائيل على أى التزام آخر لمصر، خاصة معاهدة الدفاع العربى المشترك، ورفضت أمريكا إدخال أى تعديل على المعاهدة حتى لا تستغل ذلك الدولة العبرية وذهب مرة أخرى لكامب ديفيد برئاسة مصطفى خليل وزير الخارجية الجديد محبطًا لأنه حلم بهذا المنصب، لكنه سرعان ما تفهم رؤية السادات بعد الهجوم الإعلامى على بطرس واتهام أسرته بالخيانة!
ومن أصعب أزمات بطرس كانت مشاركته فى القمة العربية بالكويت، بعد اعتداء حكومة عدن على اليمن الشمالية، والتى حذرتها منه زوجته إلا أنه أصر على السفر، حتى لا يتم عزل مصر دولياً، ومن أزماته أيضاً كان أن حاول رفض مرافقة «بيجين» فى زيارته للأهرامات وأبو الهول لاستصدامه من الفلسطينيين وعدم رغبة زوجته فى مرافقة زوجة بيجين، لكن دون جدوى، فيما هاجم قرار قمة بغداد نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة باعتباره انتهاكًا لميثاقها، وأعلنت مصر تجميد حسابات الجامعة!
وبدأت إسرائيل تفتعل الأزمات فى الانسحاب عندما تحجج ديان بالانتظار حتى ينتهى المستوطنون من حصد محاصيلهم، لكنه رفض، ولم تكن عملية السلام الهم الأساسى لبطرس فى هذه الفترة بل مكانة مصر الأفريقية أيضاً التى أوكلها له السادات، وتحتوى الموسوعة فى هذا السياق على انتقادات الرئيس الراحل بطل السلام بشكل مثير، ينقل الرؤية البطرسية، على شاكلة المسلسلات التاريخية التى تتحدث عن إيجابيات كل شخصية فى مسلسلها وتظهر سلبياتها فى المسلسل الذى تكون فيه شخصية ثانوية!
وكان بطرس» يرى أن الخارجية لا تقوم بدورها فى القارة السمراء بسبب قلة عدد الدبلوماسيين المصريين المجيدين للفرنسية، ونظرتهم الدونية للأفارقة، ولا ينسى المواجهة الكلامية بينه وبين نظيره الجزائرى فى قمة «منوفيا» الأفريقية بليبيريا على خلفية معاهدة السلام، وأكد وقتها أنها قضية عربية لا أفريقية، واستمر اهتمام «بطرس غالى» بعودة المكانة الدولية لمصر فى مواجهة محاولات العزلة، وبعدها العودة للساحة العربية.
وتتضمن قائمة العائلة البطرسية وزير المالية «يوسف رءوف بطرس غالى» والذى ولد فى ,52 وتدرج فى المناصب من خبير اقتصادى فى صندوق النقد الدولى حتى منصبه الحالى، ومن أهم أجزاء الموسوعة الكنسية البطرسية التى أنشئت على أربع واجهات فى شارع رمسيس، وخصصت الموسوعة جزءًا خاصًا للمقتنيات البطرسية منها الهدايا والأوسمة والنياشين.
وبالطبع الموسوعة محاولة مهمة جدًا بعد موسوعة «العائلة السليمية»، لكن هذا لا يخفى عدة مآخذ منهجية فى التأريخ خاصة أنها تتعرض لفترة تتجاوز القرنين مهمة جداً فى تاريخ الدولة المصرية يجب الحرص على الحيادية فيها، مهما كان صاحب الموسوعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.