في واحدة من جلسات مجلس الشعب، أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، صرخ رئيس ديوان رئيس الجمهورية، عضو البرلمان وقتها، الدكتور زكريا عزمى بمقولته الشهيرة «الفساد بقى للركب يا سادة»، ولأن التطور سمة كل الأشياء في عالمنا هذا، فكان طبيعيا أن يرتفع منسوب الفساد لمناطق «ما بعد الركب»، ويغطى الجسد بأكمله، لكنه في الوقت ذاته ما زال الجسد جسدًا حيًا يرزق. مؤخرا، وبالصدفة البحتة، اتضح أن الفساد بعدما أغرق «البنى آدمين» الأحياء، لم يجد أمامه إلا الأموات ليبدأ في عملية إغراقهم، وهو ما كشفته شكوى تقدم بها مواطن لمحافظة القاهرة، وتحديدًا «غرفة العمليات والمتابعة»، حيث طالب خلالها بإزالة مخلفات الهدم التي تغلق مدخل مدافن سراج الدين الكائنة في شارع الكردى التابع لحى الخليفة. المواطن تقدم بالشكوى لإزالة المخالفات، ومن جانبها تحركت «غرفة العمليات» للتحقق من صحة الواقعة، ومحاولة إصلاح الأمر ورده إلى أصله، غير أن مفاجأة كانت تنتظر «لجنة البحث والتقصى»، حيث اتضح أن الأمر لا يتوقف عند حد إصدار قرار «إزالة مخلفات الهدم»، لكن وفقا للأوراق الرسمية فإن الوضع القائم يستدعى «إزالة الأموات». بداية الواقعة كانت منذ سنوات خمس، هذا ما أكدته التحريات اللازمة حول الأمر، حيث اتضح أن أحد «التربية» تمكن من إقناع عدد من موظفى إدارة الجبانات ببناء نحو 65 مقبرة على أرض تابعة «لأملاك الدولة». وعقب الشكوى التي تقدم بها المواطن قدمت فرقة المتابعة الميدانية التابعة ل»غرفة العمليات والمتابعة» تقريرا للدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، كشفت فيه الواقعة، فأحال الأمر بدوره إلى مدير الإدارة المركزية لأملاك الدولة، يحيى زكريا، للبحث والاستقصاء، وما هي إلا أيام عدة وقدم «زكريا» تقريرًا للمحافظ أكد فيه أنه بالبحث تبين أن إدارة الجبانات حررت قرار إزالة رقم «60»لسنة 2011 ضد التربى على أحمد حسانين وتم عمل محاضر مخالفات مالية ومحاضر جنحة تعد على أملاك دولة. مدير الإدارة المركزية لأملاك الدولة، أوضح – في المذكرة ذاتها، أنه تم عرض التربى المخالف على لجنة شئون التربية والحانوتية برئاسة رئيس محكمة جنوب والذي قرر فصل التربى ومخاطبة شرطة المرافق بالقرار لسحب رخصة مزاولة المهنة منه. وأشار «زكريا» أيضًا إلى أنه صدر بعد ذلك قرار إزالة آخر للمخالفات تحت رقم 51 لسنة 2013 وتم إرساله إلى حى الخليفة تحت رقم صادر 536 في ديسمبر 2103 للتنسيق مع قسم الخليفة لتحديد موعد لتنفيذ القرار، ومن جانبه أشر مأمور القسم على المذكرة. كما أوضح أنه بعد الحصول على تأشيرة مأمور قسم الخليفة أرسلت إدارة الجبانات خطابا عاجلا لرئيس حى الخليفة وتحديدًا في يناير المنقضى، حمل رقم 23، طالبته فيه بتنفيذ قرار الإزالة. المثير في الأمر هنا أنه طوال السنوات الخمس الماضية لم يتغير الوضع على أرض الواقع، ففى الوقت الذي كانت تتبادل فيه الجهات المسئولة خطابات وقرارات تنفيذ الإزالة تم بيع المدافن التي امتلأت في غضون تلك السنوات بعظام الموتى. من جانبه لم يقتنع الدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، بالمبررات التي ساقها إليه مسئولو إدارة الأملاك، وإعلانهم إخلاء مسئوليتهم من الأمر بحجة قيامهم بكل الإجراءات القانونية المتاحة لهم، وتحميلهم المسئولية لرئاسة حى الخليفة وقسم الشرطة المنوط به تنفيذ القرار، لهذا أشر على المذكرة بعبارة «هذا تهريج يحال كل العاملين بالجبانات إلى النيابة العامة»، وذلك لاكتفائهم بتحرير محاضر مخالفات مالية وتعد على أرض أملاك دولة وإخطارات للجهات الأمنية والحى دون اتخاذ إجراءات فعلية والتصدى للمخالفات. «السعيد» أكد أيضا أنه جار في الوقت الحالى التنسيق مع شرطة المرافق والأمن العام بتجهيز المعدات اللازمة لهدم المقابر بالكامل، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه كحرم للسكة الحديد والحفاظ على أملاك الدولة. في الوقت ذاته أكد مصدر قيادى داخل محافظة القاهرة أن النيابة تتولى التحقيقات وستصل للفاسدين في إدارة الجبانات، مشيرًا إلى أن قسم الخليفة بدأ في مخاطبة أهالي الموتى لنقل رفات ذويهم قبل تنفيذ قرار الإزالة.