لم يستطع أحد أن يضحك علينا باسم الشريعة إننا أكثر شعب متدين وأكثر شعب متحرش أحكي لكم اليوم حكاية غريبة لتعرفوا كيف كانت مصر، وكيف أصبحت؟ حارة درب المهابيل من الحارات المصرية التي ظلت عامرة بالإيمان منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم الذي أكتب لكم فيه هذه الكلمات، وهي من اسمها يبدو أن أصحابها مهابيل، لكنهم في الحقيقة قمة في الذكاء، وأطلقوا هم على أنفسهم هذا الاسم من أيام الحملة الفرنسية، وكان سبب ذلك أن هذه الحارة كان يسكن فيها جدي الأكبر سليمان الجوسقي. كان جدى شيخا أعمى، ثم أصبح شيخاً لطائفة العميان كلها، وهي طائفة كانت ذات شنة ورنة في مصر كلها، المهم أن جدي وأهل الحارة كانوا من الوطنيين أصحاب الألباب لا يستطيع أي غاز أن ينصب عليهم أو يضحك عليهم أو يستغفلهم- ولا مؤاخذة- وعندما قدمت الحملة الفرنسية إلى مصر، ظن نابليون أنه أذكي من المصريين، وأنه يستطيع أن يدخل عليهم من زاوية الدين والشريعة، فأشاع أنه أسلم وأنه جاء كي يطبق الإسلام الصحيح، ولينعم الشعب في عهده بالعدالة. وأخذ جنود الفرنسيس والغازي بونابرته يفرقون على الناس في الحواري منشورات تتحدث عن الشريعة والإسلام، وكان هذا الأمر مذهلا للمصريين، إذ لم يكن قد رأوا الأوراق المطبوعة من قبل، لكن هل استطاع نابليون الغازي المحتل المتدثر بالشريعة والإسلام الضحك على عقول المصريين؟ أنظروا ماذا حدث.. زار نابليون الحارة باعتبارها تقع في قلب القاهرة وأهلها أصحاب تأثير كبير على كل الحارات الأخرى، فابتغي التأثير علينا والظهور بمظهر حامل لواء الشريعة والمدافع عنها، وقد ظن أنه بهذه الصورة سيستطيع إخماد ثورة القاهرة الأولى التي كانت مشتعلة وقتها، فتفتق إلي ذهن أهل الحارة اصطناع البله والحماقة، فدخلت النمرة على بونابرته وظن أننا مهابيل، يومها كان ولابد أن يتقابل نابليون مع الشيخ سليمان الجوسقي، فمن هو جدي الجوسقي؟ كما قلت لكم، كان سليمان الجوسقي- شيخ طائفة العميان- وكان فقيها مجاهدا حافظا للقرآن محبوباً من العامة والعميان وموضع تبركهم، ونجح الرجل بمحبة العميان في أن يجمع ثروة كبيرة عن طريق إدارة أوقاف العميان والتجارة، وعندما اشتعلت ثورة القاهرة الأولى ضد الفرنسيين لجأ إليه العامة خوفاً من بطش العساكر الفرنسيين، فخطب فيهم مشجعاً ومحفزاً على الصمود، ودعا الناس إلى قتال المحتلين حتي النهاية، وقال في خطبة بليغة سجلتها كتب التاريخ: (إنكم بشر مثلكم مثلهم، فاخرجوا إليهم فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم)، وبدأ الشيخ سليمان الجوسقي بنفسه فأخرج ما لديه من مال-وكان ثريا- واشتري به سلاحا ووزعه على الناس، وبث العميان في أنحاء القاهرة ليأتوا إليه بالأخبار، وانتقل إلى الأزهر لينظم المقاومة من داخل الجامع الشهير. ويحكي المؤرخون أن الشيخ الكفيف كان يشق بحماره القاهرة متفقدا الاستحكامات والمتاريس، ويستطلع احتياجات المجاهدين، ويأمر بإرسال السلاح والمؤن إلى الأماكن التي تحتاج إليها، وينفق في ذلك عن سعة، كما يقال إنه استخدم بعض جواريه- وكن فائقات الجمال- في اصطياد عساكر الفرنسيين إلى الحارات المظلمة والطرق الضيقة، وقتلهم هناك. المهم يا سادة يا كرام أن نابليون يومها أراد أن يضحك على ذقن الشيخ الجوسقي، فقال له وهو يحاوره أمام أهل الحارة: (أنا مسلم شيخ (كوسكي) أحب الإسلام وأحب تطبيق الشريعة، ضع يدك في يدي وأنا أجعلك حاكما على القاهرة). فوافقه الشيخ الجوسقي ظاهريا، ومد يده له، وهوبا، إذا بيد الشيخ الجوسقي ترتفع وتهوي على صدغ نابليون ليأخذ بونابرته قلماً كبيراً لم يأخذ مثله في حياته، ارتعد نابليون مما حدث وهاجت الحارة، فتدخل الجند، وفرقوا أهل الحارة وتم اقتياد الشيخ الجوسقي بواسطة عساكر الفرنسيين إلى سجن القلعة لاستجوابه ومحاكمته، ولم ينكر الرجل مشاركته في الثورة ضد الفرنسيين، ولا لطمه نابليون، وقال إن الاسلام أمره بقتال المعتدين، ولم يتم إعدامه مع قادة الثورة الذين أعدمهم الفرنسيون رغم إدانته لكونه كفيفاً، وظل في السجن عدة شهور حتي لقي ربه، مات الجوسقي وأطلق أهل القاهرة على حارتنا اسم (درب المهابيل)، ولكن لم يستطع أحد أن يضحك علينا باسم الشريعة. لكننا الآن في زمن غير الزمن وأحوال غير الأحوال، وفي مصر الحالية التي يقال إنها متدينة نجد أننا أكثر شعب متدين، وأكثر شعب متحرش، وأكثر شعب لا يعنيه من التدين إلا انتخاب من يقول أنه متدين وسيطبق الشريعة، هو إحنا نوجع قلبنا ليه؟. لذلك عندما قامت جمعة الشريعة، قررت أنا وبعض أهل الحارة أن نفعل كما فعل جدنا الجوسقي، ارتدينا ثياب المهابيل، ورفعنا راياتهم، وقررنا أن نطبق الشريعة الإسلامية، وفقا لوجهة نظرنا، ومعلش لا تؤاخذوني، المسألة في المقام الأول متعلقة بالدعاية، ولا يوجد حد أحسن من حد، فالذين رفعوا شعارات تطبيق الشريعة يريدون الفوز في أي انتخابات مقبلة وتشويه سمعة منافسيهم أمام العامة، يعني الذين يرفعون شعارات الشريعة يرتكبون جريمة نصب باسم الشريعة، فما المانع أن ننصب نحن أيضا في حارتنا على أهل مصر، أحلالٌ على الإسلاميين النصب، حرامٌ على المسلمين من كل جنس؟ حملنا أنا وأهل الحارة عدتنا ومتاعنا وبضاعتنا وذهبنا إلى ميدان التحرير، أخذنا مساحة كبيرة من الميدان وصنعنا فيها أكشاكاً من الخشب لنبيع للمتظاهرين بضاعتنا، الكشك الأول كان للأخ حازم ترزي الملابس، وكي يقنع الأخ حازم المتظاهرين ببراعته في حياكة الملابس كتب آية قرآنية على باب الكشك تبين أن مهنة الترزية وردت في القرآن، والآية هي: (وكل شيء فصلناه تفصيلا). والأخ مرسي وهو كوافير حريمي نمرة واحد أراد أن يثبت للمتظاهرين أن مهنة الكوافير حلال بلال، وأنها وردت أيضا في القرآن، وكله بالقرآن فكتب على كشكه الآية الكريمة: (وزيناها للناظرين). والأخ غزلاني الحرامي أراد أن يثبت أن اللصوصية حلال، وسرقة الأموال، وقطع الطرق على المارة الآمنين لا شيء فيها وأنها وردت في القرآن فكتب على كشكه الآية الكريمة: (ادفع بالتي هي أحسن). وحينما وجدنا أن المتظاهرين ذهبوا لشارع محمد محمود لطمس الرسم الجرافيتي على الحوائط والحجارة، والذي قام برسمه الثوار الحقيقيون، وبعد أن تم طمس الرسم بالألوان، قمنا مع المتظاهرين بكتابة آيات قرآنية على الحوائط، حتى لا يستطيع أحد أن يزيلها بعد ذلك، وإلا لوقع في إثم كبير بإزالة آيات من القرآن، وكان من الآيات التي كتبها أهل حارتنا على الحوائط الآية الكريمة: (كونوا قردة خاسئين). ولأن أهل الحارة أصابتهم حالة من (الخنف)، لذلك أخذوا يهتفون مع المتظاهرين: (نريد تطبيق الشنيعة، الشنيعة الشنيعة لا نخلي أيامكوا فظيعة)، وعندما تبين بعض الإسلاميين أننا نهتف هتافا مختلفا عنهم اقتادوني لرئيسهم وزعيم المتظاهرين، وحين اقتربت منه تذكرت شكل نابليون وسحنته المتغطرسة، مع فارق بسيط هو أن نابليون العصر الحديث ارتدى لحية على وجهه، فما كان مني إلا أن رفعت يدي وصفعته على وجهه وأنا أقول له ولكل من معه: (يا ولااااااد الكلب)، وإذ همَّ المتظاهرون بقتلي، صرخت فيهم ما هذا الذي تفعلونه أتعترضون على القرآن، وقف المتظاهرون في حيرة، كيف هم يعترضون على القرآن، قلت لهم بصوت مرتفع: لقد وردت الخنازير في القرآن ألم يقل الله تعالى في القرآن: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)، وبذلك نجوت من الهلاك، ألم أقل لكم أنهم (كمثل الحمار يحمل أسفارا).