كنت قد قرأت بحثا معمقا للشيخ فيصل مولوي رد فيه على من يُحرِّم السلام على أهل الكتاب مستندين إلى حديث للرسول عليه الصلاة والسلام دون فهم أو إدراك لفقه الحديث ، فأجاز مولوي السلام مستندا في ذلك إلى أسانيد عدة في القرآن والسنة، ومنها قول الله عز وجل «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» وقوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» وقوله تعالى « يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها» ولفظ بيوت وأهلها هنا جاءا على العموم ، والمقام هنا لا يتسع لاستعراض كل بحث الشيخ فيصل مولوي بحججه وأسانيده . ثم قرأت من البعض تحريم الترحم على أموات أهل الكتاب ، فتعجبت من الخلط الذي وقعوا فيه بين الرحمة والمغفرة ، ولهؤلاء الذين ابتعدوا بفهمهم عن الفطرة السليمة أقول : أين تذهبون من قول الله سبحانه وتعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء ) وكلنا بمختلف عقائدنا شيء !! وأين أنتم من قوله تعالى ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ؟ وإذا أسلم رجلُ ُ وظل أبواه على دينهما الكتابي أفلا يجوز له أن يترحم عليهما مصداقا لقوله تعالى « و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» ؟ وأين تذهبون من رحمة الله التي أسبغها على أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فجعله أخف الناس عذابا في النار ؟ وأين يذهب شيوخ الفتنة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) وحديث ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) والأحاديث هنا على عموم اللفظ مهما كان دين الرحماء وفقا لما ذهب إليه الفقهاء . هذا قليل من كثير إلا أن البادي من واقع حالنا أننا نحتاج إلى ثورة فقهية تسعى إلى التجديد لا التبديد ... فالإسلام ذلك الدين العالمي لا العربي لم يأت بنصوص جامدة عصية على المرونة ولكنه نزل ليصلح للبدوي في الصحراء في القرن الأول الهجري وللأوروبي والأمريكي في القرن الحادي والعشرين وإلى أن تقوم الساعة... نزل الإسلام لكي يفهمه الأفريقي في غاباته والريفي في حقله والمدني في مدينته ... وطبعاً من المستحيل أن ينتظم الجميع في فهم واحد .. لذلك غيّر الإمام الشافعي كثيرا من فقهه عندما جاء إلى مصر ولكن رجال الوهابية في مصر لا يعرفون الإمام الشافعي.