وكأننى أجلس على مكتبى هذا منذ سنوات.. وكأنه لم يقع كل ما فات.. لا ثورة.. لا ألم.. لا صيحات وكأننى أشهد رسائل قرائى التي كنت أقرؤها قديما.. المأساة واحدة.. والمعاناة متشابهة.. والفرق الوحيد أن الآهات باتت ليست مكبوتة بعض الشيء. إلا أنها ما زالت لا تجد آذانًا تسمع ولا عقولا تتدبر.. ولا خبرات تضمد الجراح حتى نجنب وطننا انتكاسة لا طائل لنا بها. أكتب هذه المقدمة بعد قراءتى تلك الرسالة التي وصلتنى ضمن رسائل كثيرة جاءتنى هذا الأسبوع والتي سأعرضها عليكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة: عزيزى الحرفوش الكبير.. تحية طيبة منى إليك أنا الحرفوش الصغير مكسور الجناح في وطن يرفرف بكامل أجنحته مغنيا للنصر المبين على الخونة وسارقى الأحلام أنا يا سيدى واحدا من فقراء هذا الوطن الذين طالما ظلوا يحلموا خلال السنوات الثلاث الأخيرة بعيش كريم.. إلا أن "الكريم" لم يأذن لحكومتنا حتى الآن أن تلتفت لنا وتغض الطرف عن ذاك الهاجس الذي يبرر لها التغاضى عنا وعن مطالبنا وحاجاتنا وهو مبرر محاربة الإرهاب. نعم يا سيدى فالحكومة تخبئ فشلها في معالجة مشاكلنا خلف محاربة الإرهاب الذي هو في الأصل ليس شأنها وإنما شأن الجيش المصرى الذي حمل على عاتقه القيام بتلك المهمة الشاقة التي ندعو الله أن يوفقه فيها ويثبت أقدامه للنيل من كل من يريد العبث بمقدرات وطننا الغالى. أنا يا سيدى أعلم أن هم الحكومة كبير لكننى أيضًا أعى أن همومنا نحن أكبر بكثير ولكيلا أطيل عليك سيدى ولأننى لا أريد أن أتجاوز تلك المساحة المخصصة لنا فلن أسهب في المقدمات ودعنى أدخل مباشرة في الموضوع فأنا واحد من هؤلاء الذين لم يصبهم الدور في التعيين الحكومى مثلى في ذلك مثل كثيرين من أبناء "البطة السوداء" في هذا الوطن.. ويؤسفنى يا عزيزى أن أردد ذاك اللفظ _أبناء البطة السوداء_ في تلك الأيام التي تشهدها مصر وفى ظل حكم رئيس وطنى مثل عبد الفتاح السيسي.. لكن ما أنا به يجرنى إلى ترديده ومثلى الكثير عادوا يتداولونه كما كنا نتداوله جميعا نحن الحرافيش دون استثناء في ذمن حكم الحزب الوطنى ورئيسه ومجلس نوابه ولجنة سياساته لا أعادها الله لحكم مصر مرة أخرى عقب الثورة انتظرت أن يتم تعيينى.. تقدمت لجميع المسابقات خلال السنوات الثلاث الماضية دون جدوى.. زوجتى وأهلها يصفوننى بالمنحوس الذي ظل منحوسًا حتى عندما علقوا على رقبته فانوسا. والفانوس هنا من وجهة نظرهم هو الثورة وتغيير نظام الحكم الظالم أهله.. أراك يا سيدى تضحك منى لكن هذا ليس مهمًا ولن يجعلنى أكف عن إكمال الرسالة. حاصل أنا على بكالوريوس التجارة منذ عشر سنوات.. لا أجيد الحصول على واسطة.. وليس لى أقارب من كبار الموظفين.. فقط أقدم أوراقى وأنتظر عدم الرد. بات لى أبناء وبت أقلق عليهم إذا ما أصابنى مكروه.. العمل الخاص الذي أقوم به هو "سائق تاكسى" حتى لا أكون عاطلا.. فأنا لا أمتهن سوى "السواقة" ولا أفهم في مهنة أخرى سوى ما درسته من محاسبة وإدارة أعمال. عمرى الآن قارب على الخامسة والثلاثين.. لم أهمل في أي شيء كمواطن.. كنت أنجح في دراستى لم أرسب عامًا ولم أحصل حتى على ملاحق.. أنهيت خدمتى العسكرية بتقدير قدوة حسنة.. لم أجلس في بيت أبى أنتظر التعيين وخرجت أعمل على تاكسى أجرة.. ادخرت من عملى وتزوجت وأكرمنى الله بطفلين أعمل على تربيتهما وأصون أسرتى ولا أعرضها للحاجة من أحد. فماذا أفعل يا سيدى حتى تعدنى الحكومة مواطنا من أبناء البطة البيضاء أو حتى الصفراء فتمنحنى فرصة التعيين مثلى مثل أقرانى ممن تخرجوا بعدى بسنوات ؟! أنا يا سيدى لى عندك مطلب في حال أن تحوز رسالتى هذه على إعجابك وتقرر نشرها.. وهو أن تنشرها موجهة للحكومة تحت عنوان "كفاية كده". وفى النهاية يا سيدى لك منى والقراء كل التحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته !