الرحمة لا تُطلب من الظالم والمتجبر فقط، بل أحيانًا كثيرة تُطلب من المتكاسل الخامل في تأدية دوره وواجباته، الرحمة لا تُطلب للكف عن العذاب فقط، بل أحيانا كثيرة تُطلب للكف عن التهميش واللامبالاة، الرحمة يا أولى الرحمة حتى نعيش.. هكذا أصبح ينطق لسان حال الحرافيش. أكتب هذه المقدمة عقب قراءتى تلك الرسالة التي وصلتنى ضمن رسائل كثيرة جاءتنى هذا الأسبوع والتي سأعرضها عليكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة: عزيزى الحرفوش الكبير.. أحييك بتحية الإسلام المليئة بالرحمة والبركة والسلام.. ألا وهى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد فرسالتى هذه أرسلها إليك بعد أن داومت على قراءة رسائل أمثالى الحرافيش في هذه المساحة لمدة ما يقرب من عام مضى.. أكتب لك تلك الرسالة لتوجهها إلى حكومة سيدنا الببلاوى رضى الله عنه وأرضاه تستجدى فيها منه على لسانى ولسان أمثالى من الحرافيش فقراء هذا الوطن الرحمة. نعم يا عزيزى نحن نحتاج منه ومن وزراء حكومته أن يرحمونا منهم.. من إعلامهم.. من صحافتهم.. من سياستهم.. من مواربتهم.. من طلتهم علينا من خلال برامج التلفاز يتبارون في التنظير السياسي.. ويتجادلون على الشاشات حول الانتخابات ومشاكل الأندية مع اتحاد التليفزيون على كيفية نقل المباريات. إننا يا سيدى لا نأكل كرة القدم.. وأبناؤنا لا يرتدون السياسة يتلحفون بها من برد الشتاء.. وزوجاتنا لا يتغذين على الانتخابات ليرضعن أطفالنا برنامج المرشح السياسي. أبناؤنا جوعى يا سيدى زوجاتنا مكلومات يا عزيزى ونحن لا حيلة لنا وسط هذا الغلاء، وذاك الزحام وتلك البطالة المقنعة في أعمال لا تغنى ولا تشبع من جوع. قل للحكومة يا سيدى الحرفوش الكبير إن الظلام قد عاد يعشش في البيوت فلا سياسات أنارت بيوتنا ولا انتخابات تحسس عليها أبناؤنا كتبهم لاستذكار دروسهم. قل للحكومة يا سيدى إن إنفلونزا الخنازير تزحف نحو بيوت الفقراء من وراء وزيرة صحتكم المشغولة بالتغيير الوزارى الذي طال انتظاره. قل للببلاوى إذا ما بقى في منصبه حتى يقرأ هذه السطور كفاك يا مندوب جبهة الإنقاذ تراخيا في إنقاذ فقراء شعبك من ثلاث سنوات عجاف ذاقوا فيها الأمرين. شعبك أيها الببلاوى يضنيه غلاء الأسعار.. يرهقه زحام الشوارع وعطلة المرور.. يقهره اليأس من قدوم مستقبل مشرق فيه عيش وحرية وعدالة اجتماعية شعارات المرحلة المبتلاة. قل للببلاوى وحكومته يا سيدى أن يرحمونا ويرحموا أهالينا ويفيقوا من نشوة المقاعد الانتقالية والاستخباء خلف هموم الوطن التي يطفو عليها هم الخلاص من الإخوان والقضاء على جذور إرهابهم. أنا يا سيدى الحرفوش الكبير أحد أبناء جلدتك الذين تعلموا ودرسوا في الجامعات المصرية وتكبد أهله المشقات وعانوا الأمرين كى يكمل تعليمه الجامعى ليفاجئوا في النهاية بأننى العاطل الوحيد بين إخوتى أنصاف المتعلمين الذين شق كل منهم طريقه في الحرف اليدوية. أنا يا سيدى حاصل على بكالوريوس الزراعة وأحمل بين أقرانى لقب باشمهندس على استحياء. الباشمهندس راح الباشمهندس جاء ولا بهندسة زراعية أعمل ولا علاقة لى بالهندسة سوى شهادة بتقدير جيد، بَروزها أبى وعلقها على أحد حوائط صالة المنزل المتهالك لينظر إليها كلما رآنى عائدًا من عملى كسائق تاكسى ب"الكومسيون". ينظر أبى بحسرة على ابنه الباشمهندس سائق التاكسى وهو عائد تنهكه ساعات العمل الشاق والممل بسبب سوء حالة المرور. يرقبنى وأنا أحضن ابنى الذي يدرس بالصف الثانى الابتدائى وأخته التي تعقبه بعام. أحيانا كثيرة يا سيدى أفكر في عدم إرسال أبنائى للمدارس كى لا أرى فيهم نفس المأساة التي يراها أبى في وجهى وأستشعرها بصفة يومية بسبب حكومة أوقفت التوظيف وتفرغت للتصريحات دون أدنى رحمة لنا نحن مقهورى هذا الوطن. يا سيدى إن استرسلت لأطلت وأنا أرفض أن أطيل.. لكنى أرجو منك أن توصل رسالتى تلك للببلاوى ووزراء حكومته تحت عنوان "ارحموا أهالينا".. عسى أن يرحلوا قبل أن يتدبروا في كيفية رحمة شعب منهك، فرحيلهم في حد ذاته رحمة.. فيكفى بالرحيل أنه سيجدد الأمل في حكومة جديدة لا تستحلى النوم في العسل!