المصريون مهمشون معذبون.. جائعون مستضعفون «تائهون.. هائمون وكأنهم نكرة لا يُذكرون».. عامة المصريين يجرحهم أن يكونوا في أعين الحكام الجدد ومعاونيهم، عبئا ثقيلا تتناقل همومهم كل الفئات الطامحة في الحكم فقط كى يصلوا لمبتغاهم ثم ينسون ويتلكأون ويخونون.. عامة المصريين ليس لهم أحلام ولا طموحات سوى رغيف عيش وأنبوبة غاز وكهرباء تنتظم وشربة ماء لا تنقطع.. عامة المصريين يسمعون ويرمقون ويتأثرون ويخرجون.. يتظاهرون ويشجبون.. فلتحذروهم إذا ما ظلوا هكذا مهمشين.. فقد يخرجون يوما ولا يعودون.. فالغاضبون المقهورون يجب أن تحذروهم آلاف آلاف المرات قبل أن يُشمروا!!. أكتب هذه المقدمة بعد أن قرأت تلك الرسالة التي وصلتنى هذا الأسبوع، ضمن رسائل كثيرة، إلا أننى اخترتها لأعرضها عليكم كما هى، وقد جاءت كما يلى: عزيزى الحرفوش الكبير: «كان الله في عونك وعون كل المصريين الوطنيين الذين يحملون هموم أمثالنا من المعذبين.. أعلم أنك مثلنا ياعزيزى الحرفوش الكبير.. تعانى مما نعانى وتتألم مما نتألم.. وأعلم أيضا أن ما باليد حيلة.. اللهم أنك توصل همومنا ومشاكلنا للآخرين.. نعم هم آخرون.. لا يعانون معاناتنا ولا تؤلمهم آلامنا ولا تعنيهم طموحاتنا.. فحياتهم مختلفة.. وطموحاتهم مختلفة.. فلا يأكلون ما نأكل.. ولا يشربون ما نشرب. ستقول عنى يا سيدى الحرفوش الكبير إننى أُبالغ بعض الشيء.. لا يا سيدى أنا لم أبالغ.. نعم يسقينا نيل واحد.. لكننا لا نشرب مياها واحدة.. لأننا لا نستطيع أن ننقى مياهنا مثلما يفعلون.. وما أحدثك عنهم هم منا ولكن زمانهم قد ساعدهم فنسوا أبناء جلدتهم وعاشوا مثلما يعيش الآخرون الذين بالفعل لا يشربون مياهنا ولا حتى بالفلاتر. فمياههم معدنية طبية.. بعكس مياهنا الطينية.. لكن الحمد لله أننا مازلنا نجد شربة الماء حتى ولو كانت ملوثة.. أنا الآن أضحك يا سيدى.. فرئيس جمهوريتنا جعلنا نفكر في شربة الماء لنعود بطموحاتنا إلى النقطة رقم صفر.. كما عاد هو بمصر إلى النقطة رقم صفر في كل المجالات.. ما يحزننى يا عزيزى أننى أشعر أنك تؤذن في مالطة.. رغم أن الأذان في مالطة أحيانا يجد من يصغى إليه ولو من خلف حجاب.. ما يحزننى وأود أن أبوح لك به هو تلك الحالة من التهميش واللامبالاة من الجميع تجاهنا نحن حرافيش هذا الوطن.. لا مبالاة من الحاكم الذي تفرغ للحفاظ على حكمه.. ولا مبالاة من المعارضة التي تفرغت لإسقاط الحاكم من حكمه.. فكلاهما يا عزيزى نسينا في سكرة السلطة ونشوتها واللهث خلفها. المصريون يا عزيزى يريدون أن يشعروا أنهم بشر.. لهم حقوق كما عليهم واجبات.. لكن كأس السلطة المعتق أذهل عقول البعض.. فلم يختلطوا بالعامة أمثالنا ويمشوا في الشوارع ويتلمسوا بحق آلامنا وآمالنا.. ولم يجتهد أحد في سماعنا إلا بواسطة أناس أيضا يتأففون منا ومن العشوائيات التي نحيا في جنباتها ورائحة المجارى التي تزكم أنوفهم.. رغم علمهم بأنه لا حيلة لنا في الهروب من حياتنا.. أغمضوا أعينهم وسدوا آذانهم وسكتت ألسنتهم إلا لطلب السُلطة.. بل أبعد هؤلاء الوصوليون والمنافقون وتجار الدين كل المخلصين أمثالك من دائرة الضوء.. حتى لا تنقل الحقيقة لمسامع وأعين متخذ القرار. قل لى يا عزيزى الحرفوش الكبير.. من هو متخذ القرار في بلدنا هذه؟.. قل لى من هو ولى أمرنا الذي يفعل من أجلنا ولا يتحدث فقط بلساننا؟.. لقد ساهموا جميعا في هذا المأزق الخطير الذي يحياه الحرافيش في هذا الوطن والذي سيكون وبالا عليهم يوما ما أراه قريبا يا سيدى فلا تراه بعيدا.. يوما ما ستكون فيه مفاجآت كثيرة. أما المفاجأة الأولى فهى تحرك حزب الكنبة الراقد كما القرفصاء منذ عقود، حتى أصابه القرف من نفسه.. وأما المفاجأة الثانية فهى أن الحرافيش سيتمردون دون أن يوقعوا على وثيقة التمرد تلك التي جالت مصر كلها دون أن نعبأ بها.. نحن لا نوقع ولا نتحدث بالفصحى ولا نظهر على شاشات التلفاز ولا أوراق الصحف.. نحن سنتمرد دون أن نوقع.. وسنأكل الأخضر واليابس ونطرد الرئيس دون كارت أحمر.. وهذه هى المفاجأة الثالثة.. وتظل هناك مفاجآت أخرى للطامحين على حساب لقمة عيشنا لن أعددها لك الآن.. لأن التاريخ قد يكون كفيلا بهذا!.